عالم المنصات الرقمية.. الروس والصينيون قادمون بقوة
أثارت الخسائر الكبيرة التي تكبدتها منصة "تروث" للتواصل الاجتماعي المملوكة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الكثير من التساؤلات حول قدرة الشركات الناشئة على منافسة عمالقة منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وإكس وإنستغرام وغيرها، خاصة أن البعض يرى أن هذه الخسائر الضخمة ربما تحول دون ظهور منصات جديدة في المستقبل المنظور.
ويقول خبراء إن عمالقة منصات التواصل يسيطرون بالفعل على السوق، لكن ذلك لا يمنع الشركات الجديدة من منافستها، بشرط تقديم ميزة جديدة أو تقنية متفردة عن غيرها من المنصات، وهذا هو التحدي الأكبر أمام المنصات الناشئة، خاصة مع عدد المستخدمين الضخم للمنصات العملاقة.
وخسرت منصة "تروث سوشيال" التي دشنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب 73 مليون دولار منذ إطلاقها في أوائل عام 2022، وفقا لإفصاح للبورصة من شركة ديجيتال وورلد أكويزيشن كورب، وهي شركة استحواذ ذات أغراض خاصة تخطط للاندماج مع الشركة المالكة لمنصة ترامب.
وأطلق ترامب منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي في أكتوبر 2021 عقب حظر حساباته على المنصات الرقمية الرئيسية، قائلا إنه "سيواجه شركات التكنولوجيا الكبرى" مثل إكس (تويتر سابقا) وفيسبوك.
وفي عام 2022، سجلت شركة تروث سوشيال خسارة وصلت إلى 50 مليون دولار مع صافي مبيعات بلغ 1.4 مليون دولار فقط، كما خسرت 23 مليون دولار في النصف الأول من العام الجاري، وبلغ صافي مبيعاتها 2.3 مليون دولار فقط.
ووفقا للإفصاح، أشارت شركة محاسبة مستقلة تابعة لشركة ترامب ميديا أند تكنولوجي جروب (تي.إم.تي.جي) إلى أن الوضع المالي يثير شكوكا كبيرة حول قدرة المنصة على الاستمرار كمنشأة مستقلة، كما سيكون من الصعب جمع أموال إضافية من خلال مصادر التمويل التقليدية في ظل عدم إحراز تقدم ملموس نحو استكمال اندماجها مع ديجيتال وورلد.
عوائد ضخمة
ويقول الدكتور محمد حجازي، خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إن أي موقع أو تطبيق جديد سيعاني بشدة من سيطرة المنصات العملاقة مثل فيسبوك وإكس وإنستغرام على قطاع المنصات الرقمية، في ضوء عدد المستخدمين الضخم الذي تمتلكه.
وأضاف حجازي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن فيسبوك مثلا لديه 3 مليارات مستخدم حول العالم، وهذه أرقام مخيفة، وحجم العوائد المالية من البيانات التي يتم تجميعها من هذه التطبيقات كبير جدا، عكس المنصات الجديدة مثل تروث التي –بالتأكيد- لن تستطيع بسهولة جذب مستخدمين جدد.
وتابع: "يجب الأخذ في الاعتبار أن قوانين الخصوصية في العالم كله بدأت تتدخل بشكل كبير للحد من توغل شركات تكنولوجيا المعلومات في خصوصية المستخدمين، وهذا الأمر يحد كثيرا من المكاسب التي من الممكن أن تربحها الشركات الناشئة من جراء استخدام البيانات وتحليلها ومحاولة الاستفادة المالية منها بشكل أو بآخر".
وأشار خبير تكنولوجيا المعلومات، إلى أنه من الوارد جدا ألا تكمل منصة ترامب مسيرتها نتيجة حجم الخسائر الذي تكبدته، خاصة أن الهدف منها كان شخصيا، وهو ثأر ترامب لكرامته نتيجة حظر حساباته على مواقع التواصل الشهيرة، ولذلك كان يريد منصة يستطيع الكتابة عليها كما يريد.
نمو متواصل
وشهد عام 2022، انضمام 227 مليون مستخدم جديد إلى منصات التواصل الاجتماعي، ليرتفع إجمالي المستخدمين إلى 4.7 مليار شخص حتى يوليو 2022، وفقًا لتقرير Global Statshot Report، الصادر عن منصة البيانات والتحليلات DataReportal..
ووصل عدد المستخدمين النشطين عالمياً على منصة "ميتا" (فيسبوك سابقاً) إلى 2.9 مليار مستخدم، فيما تحل منصة يوتيوب التابعة لشركة ألفابت، في المرتبة الثانية لأكبر المنصات من حيث عدد المستخدمين النشطين عالميًا، مع 2.5 مليار مستخدم.
وتأتي منصة واتساب للرسائل الفورية في المرتبة الثالثة، مع ملياري مستخدم وفقا لإحصائيات يوليو 2022، فيما جاءت منصة إنستغرام، في المرتبة الرابعة، مع 1.4 مليار مستخدم نشط.
وتصنف منصة وي شات "Wechat" في المرتبة الخامسة عالمياً لكنها تعد تطبيق التراسل وتداول الأموال الأول في الصين، ويصل عدد مستخدميها النشطين إلى 1.3 مليار مستخدم حول العالم.
وتشمل ميزات التطبيق الصيني برامج توصيل الطعام، وبرامج إدارة الوقت، وبرامج المواصلات، كما حققت عروض التجارة الإلكترونية على التطبيق في الصين قيمة إجمالية للبضائع، بلغت حوالي 365 مليار دولار في عام 2019، وقد تصل إلى نحو 1.9 تريليون دولار في نهاية عام 2023، وفقًا لمنصة Statista.
المنافسة مفتوحة
من جانبه، يقول الأكاديمي مصطفى ثابت، مساعد عميد كلية حاسبات ومعلومات بجامعة الفيوم المصرية، إن المنصات العملاقة مثل فيسبوك وإكس لم تغلق باب المنافسة أمام الشركات الجديدة، ولكن المنافسة حاليا تتطلب أن تمتلك الشركات الجديدة خدمة متميزة تتفرد بها عن باقي المنصات الأخرى.
وأضاف ثابت، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أنه لو أرادت منصة منافسة تطبيق إنستغرام الخاص بالصور، فعليها أن تقدم ميزة إضافية غير موجودة لدى إنستغرام، كي تتمكن من جذب المستخدمين وتحقيق الأرباح، أما مجرد الاكتفاء بنسخ خدمات إنستغرام دون جديد، فبالتأكيد سيكون مصيرها الفشل.
وأوضح ثابت، أن المنافسة مع الكبار صعبة وتحتاج إلى إبداع وتميز وهذا ما يجعل أي منصة ناشئة تتمكن من الصمود أمام الشركات الكبرى.
منصات صاعدة بقوة
وفي الوقت الذي تعاني بعض المنصات من عدم القدرة على منافسة الكبار، فإن هناك عددا من المنصات التي صعدت بقوة خلال السنوات الماضية، وأصبحت تزاحم المنصات الرئيسية، ما ينفي فكرة اقتصار المنافسة على الكبار فقط.
ومن أهم المنصات التي صعدت بقوة في الأعوام الأخيرة، التطبيق الصيني تيك توك الذي يحظى بشعبية واسعة بين المستخدمين حول العالم، وليس فقط في الصين، وسرعان ما تجاوز عدد مستخدميه النشطين المليار مستخدماً قبل أن يتم عامه الخامس. ومع أن عدد المستخدمين تراجع مطلع عام 2023 إلى نحو 834 مليونا، غير أنه يبقى واحدا من أكبر المنصات الاجتماعية على الإنترنت وأكثرها نموا.
ويوصف تيك توك بأنه تطبيق "الجيل Z"، أي الجيل الذي ولد عقب عام 2000، بفعل مزاياه مثل الفيديوهات الراقصة والترفيهية وغيرها.
وقفزت أرباح شركة ByteDance المالكة لتطبيق TikTok بنحو 80% خلال 2022 إلى 25 مليار دولار، وفقاً لما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فيما صعدت الإيرادات بنحو 30% إلى 85 مليار دولار.
وبالإضافة إلى تيك توك هناك أيضا الموقع الصيني weibo المنافس لموقع التغريدات القصيرة إكس (تويتر سابقا)، ويحظى بشعبية كبيرة في الصين وخارجها، ويزيد عدد مستخدميه حاليا عن 500 مليون مستخدم.
ومن ضمن التطبيقات الصاعدة أيضا، منصة VK الروسية التي تعتبر من بين أقوى المنافسين لـ "فيسبوك"، وإحدى أشهر منصات التواصل الاجتماعي حول العالم، حيث تضم أكثر من 400 مليون مستخدم، وينشر عليها يوميا نحو 12 مليون منشور بـ 44 لغة.
وتتميز "VK" عن "فيسبوك" بتوفير مشاهدة مجانية للمسلسلات والأفلام والفيديوهات لمستخدميها حول العالم، كما توفر للمستخدمين إمكانية الاستمتاع بالموسيقى ومشاركة الأغاني مجانا، فضلا عن إمكانية تحويل الأموال عبر المنصة.
وكذلك يعد التطبيق الروسي تليغرام، المنافس الأقوى لتطبيق واتساب، بسبب ميزتي الأمان والخصوصية. وشهد تليغرام نمواً كبيراً خلال السنوات الماضية، حيث ارتفع عدد مستخدمي التطبيق إلى أكثر من 800 مليون مستخدم نشط، منهم 300 مليون مستخدم انضموا إلى التطبيق منذ عام 2021