منحت بيانات أسعار المستهلكين البنك المركزي الأوروبي الضوء الأخضر، على الأقل، للتفكير بجدية في تغيير سياسته النقدية المتشددة التي أضعفت معدلات النمو وأصابت العديد من الاقتصادات بالتباطؤ خلال معركة البنك مع التضخم.
ومنذ قليل، أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأوروبي يوروستات، اليوم الجمعة، أن القراءة الأولية لمؤشر أسعار المستهلكين السنوي (التضخم السنوي) في منطقة اليورو تباطأت لأدنى مستوى لها منذ يوليو 2021.
ورغم التباطؤ الكبير، فإنها جاءت أقل من توقعات الأسواق، ووفقا للبيانات، فقد تباطأ التضخم الأوروبي السنوي ليسجل 2.6% خلال شهر فبراير الماضي، في حين رجحت توقعات الأسواق انخفاض التضخم في منطقة اليورو إلى 2.5%.
ووفقًا لبيانات يوروستات سجل التضخم في يناير 2.9% خلال شهر يناير الماضي.
التضخم الأساسي
وعن التضخم الأوروبي الأساسي، فقد أظهرت القراءة الأولية تباطؤ مؤشر أسعار المستهلكين بقيمته الأساسية (الذي يقيس أيضا التغيير في أسعار السلع والخدمات المشتراة من قبل المستهلكين ولكن باستثناء تغيرات أسعار الغذاء والطاقة والكحول والتبغ)، إلى 3.1% على أساس سنوي خلال فبراير الماضي.
وتأتي تلك البيانات أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت لتسجيله نحو 2.9%، وذلك بعدما كان قد سجل 3.3% في يناير الماضي.
وتباطأ مؤشر HICP باستثناء الطاقة والغذاء (سنويا) (فبراير) إلى 3.3% مقابل 3.6% بينما ارتفع على صعيد شهري من -0.6% إلى 0.6%.
خطأ فادح
وقبل صدور البيانات قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواكيم ناجل: "سيكون خطأ فادح إذا قرر المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة بشكل مبكر للغاية والسماح للتضخم بالعودة إلى الانتعاش مجددا".
وأضاف ناجل رئيس المركزي الألماني أيضًا: "البنك المركزي الأوروبي يحتاج إلى التأكد من أن نمو الأجور يعتدل إلى مستوى يسمح للتضخم بالتراجع إلى الهدف المحدد له في عام 2025".
وأكدت محافظ البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، أن المركزي الأوروبي يتوقع أن يستمر التضخم في التباطؤ، حيث يتلاشى تأثير الصدمات الصعودية السابقة، مضيفة بأن ظروف التمويل الصارمة تساعد على خفض التضخم.
وقالت لاغارد: "من المتوقع أن تستمر عملية خفض التضخم الحالية، ولكن يجب على المركزي الأوروبي أن يكون واثقا من أن هذه العملية ستقود بشكل مستدام إلى هدفنا البالغ 2%".
التحلي بالصبر
وقال صانع السياسة النقدية في المركزي الأوروبي مارتن كازاكس: "الاقتصاد يعاني من بعض الانكماش، ونرى انتقالا فعالا للسياسة النقدية إلى الاقتصاد، بما يشير إلى ضرورة التفاؤل والحذر".
وأضاف: "نحن في وضع جيد نسبيا حاليا، والرحلة نحو استقرار التضخم لم تكتمل، مشددا على ضرورة اليقظة المستمرة، إضافة إلى أن المركزي الأوروبي لم ينتهي بعد من عمله بشأن التضخم".
وتابع كازاكس: "قرارات السياسة النقدية يجب أن تعتمد على البيانات، واجتماع المركزي الأوروبي القادم في شهر مارس قد يناقش إمكانية تخفيض أسعار الفائدة، مع التأكيد على وجود المرونة اللازمة في اتخاذ القرارات".
قبل الأوان
ونصح كازاكس بعدم تخفيض أسعار الفائدة قبل الأوان، واستخلاص الدروس من التجارب السابقة لتجنب ضرورة رفع أسعار الفائدة في المستقبل.
وقال: "يمكن أن تأتي تخفيضات أسعار الفائدة عاجلا وتكون أصغر أو تأتي لاحقا وتكون أكبر، والنتيجة ستكون سيئة للغاية إذا تحرك المركزي الأوروبي مبكرا للغاية واضطر بعد ذلك إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى".
وأضاف كازاكس: "يجب التحلي بالصبر عند تعديل السياسات، مع ضرورة التركيز على بيانات سوق العمل القادمة والمؤشرات الأخرى".
يونيو المقبل
وفي السياق ذاته يرى عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بيتر كازيمير أن يبدأ البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة بشهر يونيو المقبل، تليها دورة سلسة وثابتة من تيسير السياسة النقدية.
وقال كازيمير: "تراجع التضخم الرئيسي يمضي بشكل أسرع من المتوقع ولكن جوهره لا يزال غير مؤكد، حيث أصبح تسعير خفض أسعار الفائدة في السوق الآن أكثر واقعية، كما يسعدنا التحول الأخير في التوقعات".
وأضاف كازيمير: "المركزي الأوروبي سيعترف بتحسن توقعات التضخم، ولكن يجب عليه تجنب التوجيه المستقبلي بشأن أسعار الفائدة بشهر مارس المقبل".