خسرنا تريليون دولار و30% من الناتج المحلي بسبب الحرب
تتصدر «صفقة المعادن الثمينة» بين أوكرانيا والولايات المتحدة المشهد السياسي والاقتصادي في كييف وواشنطن على حد سواء، وسط حالة من الغموض والجدل الكبيرين. تتباين الآراء حولها بين من يعتبرها بوابة نحو تقارب استراتيجي جديد، وبين من يرى فيها واجهة دعائية لتمرير دعم أميركي مشروط.
في هذا الإطار، كشف فولوديمير شوماكوف، الدبلوماسي الأوكراني السابق، وأستاذ الاقتصاد ومدير شركة «ويست إندستري» النفطية الأميركية، في حوار مع «إرم بزنس» كواليس هذه الصفقة المثيرة للجدل، ليضعها في سياقها الواقعي بعيداً عن التصريحات الرسمية التي تروج لها الأطراف السياسية.
يبدأ شوماكوف حديثه بالقول: «حتى الآن لا نعلم الكثير عن تفاصيل صفقة المعادن الثمينة بين أوكرانيا والولايات المتحدة»، مضيفاً أن الصفقة التي يروج لها ترامب بشكل مكثف تعكس رغبته في أن يقدم نفسه على أنه مختلف عن الرئيس السابق جو بايدن، الذي «اعتاد على إنفاق الأموال دون نتائج واضحة».
ويشرح أن ترامب يريد تقديم نفسه كشخص قادر على الاستفادة من ثروات أوكرانيا المعدنية عبر هذه الصفقة، التي يصفها بأنها فرصة استراتيجية مهمة للولايات المتحدة في المستقبل، لكنها في جوهرها تكتسي طابعاً دعائياً وشعبوياً واضحاً، وليست مبنية على أسس اقتصادية مدروسة.
يؤكد شوماكوف أنه لا توجد حتى الآن معلومات واضحة حول متى يمكن لأميركا أن تبدأ بجني أي فوائد اقتصادية من المعادن الأوكرانية؟. ويضيف: «يمكن القول إن الصفقة تُستخدم أساساً لتأمين تصنيف سياسي لترامب، لكنها في حقيقتها دعاية شعبوية تعكس سعيه لتعزيز مكانته السياسية بعد فترة طويلة من الغياب عن السلطة».
ويشير إلى أن استغلال هذه المناجم يحتاج إلى وقت طويل قد يتجاوز العقد من الزمن، واستثمارات ضخمة مع خطة متكاملة. «حتى الآن، لم تُطرح هذه الخطط، ولا توجد معرفة دقيقة بعدد ونوع المعادن الثمينة في باطن أوكرانيا، فالأغلب يعتمد على استكشافات قديمة تعود إلى حقبة الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات»، يقول شوماكوف.
ويستطرد أن عملية الاستخراج نفسها تتطلب وقتاً طويلاً واستثمارات هائلة، إلى جانب توفير بيئة آمنة للمستثمرين وإزالة الألغام، وهي تحديات كبيرة في ظل استمرار الحرب. ويضرب مثالاً على ذلك تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث لم تتمكن من استخراج أي ثروات رغم وجودها، بسبب عدم الاستقرار الأمني.
وعن السؤال المحوري: إذا كانت استفادة أميركا غير مضمونة، فهل استفادة أوكرانيا مضمونة؟ يجيب شوماكوف: «بالتأكيد، أوكرانيا تحقق مكاسب واضحة الآن، سواء في دعمها بالطائرات الحربية F-16، أو في دعمها العسكري والتمويلي، أما الاستفادة الاقتصادية الأميركية فهي مستقبلية وطويلة الأمد».
ويضيف أن الصفقة تتطلب التزاماً استثمارياً كبيراً من الجانب الأميركي، وهو أمر لا يزال محل نقاش داخلي في الولايات المتحدة. كما يؤكد أن إعادة تأهيل المناجم، والبنية التحتية، وتصنيع المعادن، والتصدير، هي مراحل معقدة وطويلة ستستغرق سنوات.
حول التقييمات الدولية المتفائلة لأداء الاقتصاد الأوكراني رغم الحرب، يوضح شوماكوف أن الواقع مختلف «الاقتصاد الأوكراني يعاني بشدة، فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 30%، وروسيا تواصل يومياً تدمير البنية التحتية الحيوية، من الطاقة والزراعة إلى الموانئ».
ويصف التكتيكات الروسية بأنها محاولة للاستحواذ على أوكرانيا وتدميرها كدولة قائمة؛ ما يحد بشدة من فرص الاستثمار الأجنبي، ويجعل الحاجة لإصلاحات شاملة في القوانين وحماية المستثمرين أمراً ملحاً.
حول حجم الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها أوكرانيا، يقول شوماكوف: «الخسائر كبيرة جداً، قد تتجاوز التريليون دولار، وتضع روسيا شرطاً في مفاوضاتها بعدم دفع تعويضات لأوكرانيا، وهو أمر مرفوض كلياً ويدل على نواياها بالتنصل من مسؤولياتها».
ويضيف أن ذلك يعقد فرص التعافي ويجعل الأجواء غير ملائمة للاستثمار، رغم الإشادات الدولية المتكررة.
حول الميزانية الأوكرانية الجديدة، يؤكد شوماكوف أن أوكرانيا تعتمد حالياً على المساعدات الخارجية، خصوصاً من الولايات المتحدة، وأن الدستور يمنع إجراء أي انتخابات في ظل الأحكام العرفية؛ ما يخلق حالة من الركود السياسي ويعيق إصلاحات مهمة.
يشدد شوماكوف على ضرورة إصلاحات شاملة، خاصة في مجال حماية المستثمرين، لكن الوضع السياسي والأمني الحالي لا يشجع المستثمرين على الدخول إلى السوق الأوكرانية، وهو ما يتطلب سنوات طويلة من العمل والإصلاح.
في معرض الرد على الأرقام الروسية التي تشير إلى نمو اقتصادي، يؤكد شوماكوف أن هذه الإحصاءات «غير صحيحة». ويشير إلى اعتماد روسيا الكبير على الصين، التي أصبحت الشريك الاقتصادي والتكنولوجي الأهم لروسيا بعد العقوبات الغربية؛ ما يطرح تساؤلات عن مستقبل العلاقة بين البلدين ودور روسيا في النظام الدولي.
حول العلاقات مع دول الخليج، يقول شوماكوف إن العلاقات جيدة ومتينة، خاصة مع السعودية وقطر والإمارات، التي قدمت دعماً إنسانياً وتنموياً، ولعبت دور الوسطاء في عدة ملفات، منها تبادل الأسرى. لكن الاستثمار الخليجي محدود حالياً بسبب ظروف الحرب، رغم وجود فرص كبيرة بعد انتهاء الصراع وعودة الاستقرار.
يختم شوماكوف حديثه بأن قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 15 مليار دولار ضروري لكنه لا يغطي سوى جزء صغير من حجم الخسائر الاقتصادية التي تتجاوز التريليون دولار، مشدداً على الحاجة لخطة إعادة إعمار شاملة على غرار «خطة مارشال»، تشمل إصلاحات عميقة وبنية تحتية متكاملة، وليس فقط دعماً مالياً مرحلياً.