200 مليار دولار ناتج اقتصادي متوقع في 2035
طباعة فئة الـ5000 ليرة حل مبدئي لأزمة السيولة
في لقاء أجراه موقع «إرم بزنس» مع المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، طُرحت تساؤلات جوهرية بشأن واقع رفع العقوبات عن سوريا، والجهوزية القانونية والمالية للانخراط مجدداً في الاقتصاد العالمي، إلى جانب ملف سعر الصرف وخريطة الاستثمار المستقبلية.
أوضح الدكتور أسامة القاضي أن العقوبات رُفعت فعلياً من قبل بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية لمدة 180 يوماً، في خطوة انتقالية تمهّد لإلغائها بشكل دائم. أما على الجانب الأميركي، فقد مارَس الرئيس صلاحياته التنفيذية لرفع العقوبات، واستجابت وزارة الخزانة الأميركية خلال 24 ساعة فقط؛ ما شكّل سابقة مقارنة بتجارب مثل السودان، التي احتاجت عاماً كاملاً للوصول إلى المرحلة نفسها.
الأهم، بحسب القاضي، أن الكونغرس الأميركي بشقّيه –مجلس الشيوخ ومجلس النواب– يستعد لإصدار قانون جديد يُلغي العقوبات على سوريا بشكل نهائي بعد انقضاء مهلة الـ180 يوماً.
وأكد أن هناك توافقاً نادراً بين الجمهوريين والديمقراطيين على دعم هذا القانون، في مؤشر على وجود إرادة سياسية واضحة لإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، وتهيئة بيئة قانونية مستقرة للمستثمرين الدوليين.
اعتبر القاضي أن عودة سوريا إلى منظومة «سويفت» المالية العالمية، والتي عادةً ما تستغرق من ستة أشهر إلى عام في الظروف الطبيعية، قد تتحقق في وقت أقصر بكثير بفضل الإرادة السياسية الدولية المتوفرة حالياً. مشيداً بدور حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر حصرية، الذي بادر منذ اليوم الأول إلى فتح قنوات الاتصال مع منظومة «سويفت» في بلجيكا، وبدء الإجراءات الفعلية.
كما أشار إلى أن دولاً أوروبية كبرى بدأت تندفع نحو السوق السورية، وتسهم عملياً في تسريع عملية إعادة الربط المالي. معتبراً أن المسألة لم تعد متعلقة بالقوانين أو الإجراءات الشكلية، بل متوقفة على الإرادة السياسية، وهي اليوم متوفرة بقوة؛ ما يعني أن العودة إلى النظام المالي العالمي قد تتحقق خلال أسابيع وليس أشهراً.
رغم التفاؤل، لفت القاضي إلى أن البنية التحتية المصرفية في سوريا لا تزال بعيدة عن المعايير العالمية، مؤكداً أن البلاد لا تمتلك بنوكاً حقيقية تستثمر أو تقرض بشكل منتظم. فيما شدد على أهمية إقرار قانون مصرفي جديد يحدد علاقة البنوك مع المصرف المركزي، ويهيئ لافتتاح فروع لبنوك عالمية تمتلك أصولاً تتجاوز 500 مليار وحتى تريليون دولار، قادرة على إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد السوري.
من أبرز التحديات التي تواجه سوريا بعد العقوبات، بحسب القاضي، تأخر إصدار قانون استثمار بمعايير عالمية. داعياً إلى الاستفادة من نماذج دولية رائدة، مثل: الإمارات، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، مع التأكيد أن المستثمرين يسألون ببساطة: «أين هو قانونكم؟ ما هي الحوافز؟».
القاضي ركز على ضرورة تأسيس محكمة استثمار وتجارية تفصل في القضايا خلال أسبوع على الأكثر، بعيداً عن البيروقراطية، وعلى وضع خريطة استثمارية تحدد الأولويات في التعليم، والتكنولوجيا، والصناعة، لا مجرد توزيع عشوائي للفرص.
في ما يخص سعر صرف الليرة، اعتبر القاضي أن تحديد «القيمة الحقيقية» للعملة يتطلب تدفقاً استثمارياً كبيراً، وهو ما لم يحدث بعد، لذلك تظل الليرة عرضة للتأرجح. كما لفت إلى مفارقة تحدث للمرة الأولى: السوق السوداء باتت أرخص من السعر الرسمي؛ ما يعكس خللاً في المنظومة النقدية.
كذلك اقترح القاضي إعادة تصميم فئة 5000 ليرة كخطوة أولى لمكافحة التزوير وغسل الأموال، دون طباعة ضخمة تؤدي إلى تضخم.
وطرح خطة لدعم المشاريع متناهية الصغر عبر قروض بقيمة 10 ملايين ليرة سورية دون فوائد، بضمانة ثلاثة موظفين، كوسيلة لتشغيل العاطلين وتحفيز الاقتصاد المحلي.
اختتم القاضي رؤيته بمقارنة مع تجارب دول مثل ألمانيا الغربية، وسنغافورة، ورواندا، مؤكداً أن سوريا قادرة على تحقيق ناتج قومي يتجاوز 65 مليار دولار خلال خمس سنوات، ويصل إلى 200 مليار بحلول عام 2035، شرط تبني إصلاحات حقيقية تعتمد على الشفافية والحكم الرشيد والانفتاح على العالم.
إلى ذلك دعا المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، الحكومة السورية إلى الابتعاد عن المركزية، وتبسيط التشريعات، وتحسين ترتيب سوريا في مؤشرات الحرية الاقتصادية والحوكمة الدولية، لأن «العالم لا يقرأ صحفنا، بل يقرأ بيانات المؤشرات الدولية».