logo
اقتصاد

بعد حظر المستعمل.. هل تعود السيارة حلماً للسوريين أم تنتهي فوضى السوق؟

وزارة الاقتصاد: السوق المحلي شهد تدفقاً غير مسبوق للسيارات المستعملة

قاسم كامل: القرار خطوة ضرورية لتنظيم السوق وإعادة التوازن

قاسم كامل: القرار ليس نهاية الطريق، بل بداية لمرحلة تنظيمية

بعد حظر المستعمل.. هل تعود السيارة حلماً للسوريين أم تنتهي فوضى السوق؟
سيارات قديمة تقف أمام مبنى وزارة السياحة في العاصمة دمشق - 10 يونيو 2025المصدر: رويترز
تاريخ النشر:3 يوليو 2025, 06:08 ص

أثار قرار وزارة الاقتصاد والصناعة السورية بمنع استيراد السيارات المستعملة جدلاً واسعاً بين المستهلكين والخبراء، بعد تحول السوق إلى وجهة عشوائية لتصريف مركبات متهالكة بأسعار مغرية لكنها تنطوي على أعباء اقتصادية وصحية.

وأكدت الوزارة في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس» أن الإجراء ضروري لمنع استنزاف القطاع الأجنبي وضمان بيئة تنافسية تحمي المستهلك، وتمنع تحوّل البلاد إلى «مقبرة سيارات».

وفي هذا السياق، قال مدير الاتصال الحكومي في وزارة الاقتصاد والصناعة السورية قاسم كامل، لـ«إرم بزنس» إن السوق المحلي شهد بعد سقوط نظام الأسد «تدفقاً غير مسبوق للسيارات المستعملة، خصوصاً من مناطق شمال سوريا المفتوحة على الخارج دون رسوم جمركية؛ ما حوًّل السوق خلال فترة قصيرة إلى ساحة بيع عشوائية بسيارات ظاهرها منخفض الثمن لكنها تشكّل خطراً كبيراً على الاقتصاد وصحة المستهلك».

وأضاف: «نؤمن بالسوق الحرة، ولكن ليس بالسوق الفوضوية التي تسمح بدخول سيارات منتهية الصلاحية تُعرض بأسعار مغرية لكنها تنطوي على تكاليف خفية».

وأكد أن القرار سواء في الصيانة أو الأمان أو الأثر البيئي، ليس تقييداً للمواطن، بل خطوة ضرورية لتنظيم السوق وإعادة التوازن بين العرض والطلب، وخلق بيئة تنافسية سليمة تحفظ حقوق المستهلك وتضمن جودة المنتجات.

وأوضح أن القرار جاء بعد دراسة معمقة ومشاورات مع الجهات المعنية، بهدف حماية الاقتصاد الوطني ومنع تحويل سوريا إلى مكب لنفايات السيارات المستعملة المستوردة.

أبرز الأسباب 

من ناحيته، رأى المستشار والخبير الاقتصادي خالد التركاوي، أن هذه القوانين بالعادة تكون مؤقتة، وحين تنقضي الحاجة أو السبب الذي وُضع القانون من أجله، تنتهي. 

أوضح لـ«إرم بزنس» أن استيراد تلك السيارات يشبه جلب نفايات باقي الدول إلى سوريا، فهذه المركبات تحتاج إلى صيانة، وبالتالي فإن قطع الغيار الخاصة بها أيضاً تحتاج إلى دفع أموال بالقطع الأجنبي؛ ما يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد.

واتفق معه الخبير الاقتصادي والمصرفي السوري عامر شهدا، الذي أشار إلى أنه منذ الـ8 من ديسمبر ولغاية أربعة أشهر بعد هذا التاريخ، تم دفع ما يقارب 4 مليارات دولار كقيمة لسيارات مستعملة دخلت البلاد، وأثبتت تلك السيارات عدم جدواها وأعطالها المتكررة.

 وأوضح أن إيقاف السيارات المستعملة من الناحية الاقتصادية يأتي للجم هدر القطاع الأجنبي على آليات تدخل سوريا وهي غير صالحة للاستخدام، ما يحول البلاد إلى مقبرة سيارات، وفي هذه الحال سترتفع التكلفة لاحقاً للتخلص من هذه السيارات المستوردة.

صدمة مباشرة في السوق

من ناحيته، رأى أستاذ الإدارة المالية في جامعة «باشاك شهير» فراس شعبو، أن القرار صائب من حيث الغاية، لكنه خاطئ من حيث الآلية والتطبيق، مؤكداً أن طريقة التطبيق الحالية تسببت بصدمة مباشرة في السوق.

وكان الأجدى، برأيه، تطبيق القرار تدريجياً وعلى مراحل زمنية، لا أن يكون مفاجئاً.

وأوضح أنه بدلاً من تحديد عمر السيارات المستعملة المستوردة بسنتين فقط، كان من الأفضل السماح بدخول السيارات من موديلات 2015 أو 2018 وما فوق، مشدداً على أن تحديد المدة بسنتين فقط غير مناسب لواقع سوريا، التي ليست دولة متقدمة أو ذات سوق منظمة بالكامل، ما جعل القرار يلقي بظلاله الثقيلة على الأسعار.

أخبار ذات صلة

استثمارات صينية ومباحثات مبدئية مع موانئ أبوظبي لرفع كفاءة موانئ سوريا

استثمارات صينية ومباحثات مبدئية مع موانئ أبوظبي لرفع كفاءة موانئ سوريا

تأثير القرار في الأسعار وتوقعات التضخم 

حول انعكاس القرار على أسعار السيارات المحلية، أوضح التركاوي أن أسعار السيارات بدأت تنخفض منذ حوالي خمسة أو ستة أشهر نتيجة الانفتاح الذي شهدته سوريا.

وأكد احتمالية ارتفاع أسعار السيارات المستعملة مرة أخرى، لكنه اعتبر في المقابل أن دخول السيارات الجديدة التي عليها رسوم جمركية رمزية، ودخول نحو 40 أو 50 ألف سيارة جديدة مؤخراً، كافٍ لتلبية حاجة السوق.

أما شهدا، فاستبعد أن تشهد السوق ارتفاعاً في الأسعار، مشيراً إلى أن أسعار السيارات التي تدخل سوريا مقارنة بالأسعار العالمية معتدلة. 

لكنه أوضح أن هذا قد ينعكس على التضخم نتيجة طرح كتلة نقدية من الليرة السورية في الأسواق؛ ما سيؤدي إلى زيادة نسبة التضخم، وبالتالي انعكس على الأسعار بشكل عام ويؤدي إلى ارتفاعها.

وأكد شعبو أن الأسعار بالفعل ارتفعت، إذ شعر المستهلك بأن المعروض في السوق محدود، وهذا الشعور خلق ما يُعرف بـ«الطلب الوهمي»، دفع الموردين إلى الادعاء بعدم توفر السيارات، وتخزينها، بهدف رفع الأسعار بشكل مصطنع.

وأشار إلى أنه كان من الممكن تشكيل لجنة متخصصة تشرف على استيراد السيارات، بحيث تفحص السيارات المستعملة، وفي حال كانت مطابقة للمعايير الفنية والأمان، يتم السماح بدخولها؛ ما يضمن ضبط الجودة ويحمي السوق من السيارات المتهالكة.

وأضاف أن هناك جانباً آخر مهماً، وهو أن السيارات المستعملة التي تم بيعها ودخلت البلاد، ستواجه مشكلة كبيرة إذا لم تدخل قطع الغيار الخاصة بها، فهذه السيارات في الأساس متهالكة وتحتاج إلى صيانة متكررة، وعدم توفر قطع الغيار سيؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف الإصلاح والصيانة، خاصة في دمشق.

أثر القرار على ورش التصليح والبيئة

أوضح التركاوي أن ورش التصليح صاحبة المصلحة الكبرى بوجود سيارات مستعملة تحتاج إلى صيانة، لكن في المقابل يوجد شح بالعمالة المتوفرة لصيانة السيارات، وبالتالي من غير المتوقع أن تتأثر أعمالهم، بحسب تقديره.

وأكد شهدا، أن القرار لن يؤثر في تجار السيارات القديمة، ومن يخزن منهم سيارات مستعملة، فالقرار يسمح بإعادة تصدير السيارات، وبالتالي يمكن تصديرها إلى دول تسمح باستيراد هذا النوع من السيارات.

وفيما يخص موضوع البيئة، أوضح التركاوي أن السيارة الجديدة تأثيرها البيئي أقل بكثير من السيارة المستعملة، وهو ما يتم تطبيقه في بعض الدول التي تمنع استخدام السيارات المستعملة في بعض المدن المعينة مثل باريس والمدن الفرنسية الكبرى، حيث يوجد تصنيف معين للسيارات لا يسمح لها بالدخول إلى المدينة لأنها مستعملة، وبالتالي فإن تلويثها للبيئة أعلى.

السوق السوداء والموارد الحكومية

وبخصوص المخاوف من نشوء سوق سوداء موازية للسيارات المستعملة أو عمليات تهريب، أوضح التركاوي أنه لا يعتقد حدوث مثل هذا الأمر، بل يرى أن هذا القرار من الممكن أن ينشط معامل السيارات في الداخل.

وفيما يتعلق بالموارد الحكومية التي قد تخسرها الدولة من الضرائب الجمركية على السيارات المستعملة، أكد التركاوي أن هناك أيضاً رسومَ جمارك على السيارات الجديدة ستكسبها الدولة، موضحاً أن المكسب الأكبر للحكومة من هذا القرار هو تشغيل معامل التجميع السورية التي ستكون أرباحها كبيرة، وهناك نسبة من الضرائب ستذهب للدولة، وبالتالي فإن التعويض موجود.

أخبار ذات صلة

بعد رفع العقوبات.. كيف تستعد سوريا للانخراط في الاقتصاد العالمي؟

بعد رفع العقوبات.. كيف تستعد سوريا للانخراط في الاقتصاد العالمي؟

قدرة المجتمع على شراء السيارات الجديدة

أظهر آخر تقرير صدر عن منظمة الغذاء العالمي وعدد من المنظمات الدولية، أن نسبة الفقر في سوريا بلغت 92%، وأن 29% من الشعب تقريباً خارج الأمن الغذائي، وهي نسبة تكفي لإعطاء مؤشر واضح أن المجتمع غير قادر على شراء السيارات الجديدة.

وأكد شهدا أن الحكومة مدركة لهذا الأمر، وبالتالي فإن استيراد السيارات الجديدة سيكون محدوداً وسيتحكم فيه الطلب في السوق.

ورأى شعبو أن سوريا انتقلت بهذا القرار من أقصى الانفتاح إلى أقصى الانغلاق، إذ كانت الأبواب مفتوحة للاستيراد بلا أي ضوابط، ثم تحولت فجأة إلى تطبيق شروط صارمة جداً، مؤكداً أننا لسنا بحاجة إلى هذا التفريط ولا إلى ذلك الإفراط، بل إلى سياسة متوازنة ومدروسة.

وشدد على ضرورة وجود تراتبية في اتخاذ القرارات، لتفادي حدوث فجوات كبيرة في السوق، موضحاً أن الغالبية العظمى من السوريين ليس لديهم القدرة على شراء السيارات الجديدة، إذ إن السيارة التي لا يتجاوز عمرها سنتين لا يقل سعرها عن 20 ألف دولار، في حين أن معظم السوريين ينتمون إلى شريحة أصحاب الدخول المعدومة وليس حتى الدخل المتوسط، وبالتالي فهم غير قادرين على تحمل هذه التكاليف العالية.

تنظيم جديد للسوق وإعادة التوازن

ختم قاسم كامل من وزارة الاقتصاد والصناعة السورية تصريحه بالتأكيد أن هذا القرار ليس نهاية الطريق، بل بداية لمرحلة تنظيمية حقيقية تشجع الاستثمار والإنتاج المحلي، وتؤسس لسوق سيارات شفافة بعيداً عن الفوضى والفساد، بما يخدم مصلحة المواطن والاقتصاد الوطني على حد سواء.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC