الشعار: مناطق حرة جديدة من إدلب إلى الساحل
الشعار: ترامب رجل أعمال كبير ومُبادر
في حديث خاص لـ«إرم بزنس» في مكتبه بالعاصمة دمشق، عرض وزير الاقتصاد والصناعة السوري محمد نضال الشعار ملامح المشهد الاقتصادي في سوريا، بين ما هو آنٍ واستراتيجي، وبين واقع العقوبات وفرص الاختراق، متحدثاً عن تحولات في الذهنية الاقتصادية، وتوجّه نحو إعادة الاعتبار للشركات المساهمة بديلاً من النموذج العائلي، وعن موجة استثمارات جديدة لم تشهدها البلاد منذ عقود، والأهم: «الحاجة إلى شراكات قائمة على أسس جديدة، لا إلى اتفاقات فقط مع دول الجوار».
الوزير أكد أن الاقتصاد السوري مر بمرحلة «تدمير ممنهج» خلفها عقد من الحرب والعقوبات، حيث الشلل الاقتصادي أحد أبرز تجلياته، إلا أن الحكومة – كما يقول – تركز حالياً على «تمكين الداخل»، عبر تفعيل الحلقات الاقتصادية المحلية وربطها بشراكات استثمارية خارجية، في محاولة لتحقيق نوع من النمو القابل للحياة، وإن كان تدريجياً.
وفق الوزير الشعار، تشهد سوريا في الوقت الراهن تدفّقاً غير مسبوق في عروض الاستثمار الخارجي، قائلاً: «لدينا يومياً مستثمرون من دول عدة، يطرحون أفكاراً تتعلق بالصناعات الغذائية، والفوسفات، والبلاستيك، وحتى السياحة.. بعضهم يأتون بمفردهم، وبعضهم عبر شراكات مع مغتربين سوريين، أو عبر الدخول بشراكة مع الدولة».
ويرى أن هذه الظاهرة – وإن كانت لا تزال في طور التشكّل – تحمل إشارات على تحوّل في نظرة المستثمر الخارجي تجاه سوريا، معتبراً أن «الاقتصاد السوري يُنظر إليه الآن كفرصة طويلة الأمد».
علّق وزير الاقتصاد السوري على المبادرة القطرية الأخيرة لتمويل الرواتب في سوريا، واصفاً إياها بأنها «خطوة إيجابية»، لكنها محدودة الأثر من الناحية الاقتصادية، وقال: «هي مبادرة كريمة، ولا شك أنها تضيف شيئاً إلى المعروض النقدي من العملة الأجنبية داخل البلاد، ونحن بحاجة إلى كل دولار يدخل الاقتصاد اليوم».
لكنّه عاد ووضع هذه المبادرة في حجمها الواقعي، قائلاً: «علينا أن نكون واقعيين... حجم المبلغ هو دفعة متواضعة، لا تكفي لتحريك الاقتصاد بالمعنى الحقيقي، هي مخصصة لدعم الرواتب والأجور، وهذا أمر جيد بحد ذاته، لكنه لا يصنع تحولاً اقتصادياً».
وأوضح الوزير أن تأثير أي منحة مالية يكون بطبيعته قصير الأجل، في حين أن الحكومة تفضّل استقطاب استثمارات حقيقية تُعيد تشغيل المصانع، وتخلق وظائف، وتؤسس لدورة إنتاج مستدامة.
«الدعم الفوري لا يبني اقتصاداً، أما الاستثمار في الإنتاج فهو ما نحتاجه فعلاً»، يضيف الوزير.
كشف وزير الاقتصاد السوري في حديثه لـ«إرم بزنس» عن توجّه رسمي لإعادة تفعيل وتوسيع شبكة المناطق الحرة في سوريا، باعتبارها أحد أهم أدوات التحايل المشروع على بيئة العقوبات، وجذب المستثمرين الذين يترددون في دخول السوق الداخلية.
وقال: «نحن نعمل على إعادة هيكلة المناطق الحرة لتكون ذراعاً اقتصادية مرنة، تتيح للمستثمر عمليات استيراد وتصدير وتصنيع بشروط ميسّرة ومحمية».
وأشار إلى أن الخطة لا تقتصر على المناطق الحرة القائمة، بل تشمل توسعات جديدة في مواقع استراتيجية، حيث يجري العمل على إطلاق منطقة حرة في محافظة إدلب، وتُدرس حالياً خيارات التوسّع في دمشق، وحلب، وحمص، وحتى في الساحل، نظراً لأهميتها الجغرافية والاقتصادية.
لكن الوزير ربط نجاح هذه الخطط بشكل مباشر بإعادة ربط سوريا بالنظام المالي العالمي، قائلاً: «نحن بحاجة ماسة للعودة إلى منظومة التحويل المصرفي الدولية SWIFT، من دون هذا الربط تبقى حركة الأموال مجزأة ومعطلة، وهذا ما نعمل على تغييره».
وحول الجدل المتعلق بإحياء الاتفاقيات الاقتصادية القديمة، خاصة مع تركيا، أشار الوزير إلى أن اتفاقية 2007 «لم تعد صالحة»، نظراً لتغيّر المعطيات الاقتصادية في البلدين، وقال إن أي اتفاق اقتصادي جديد» يجب أن يُبنى على أسس مختلفة بالكامل»، وأضاف: «لسنا بحاجة اليوم لاتفاقيات اقتصادية مع دول الجوار... اقتصادنا مفتوح والتجارة حرة، ما نحتاجه هو شراكات حقيقية تُبنى على مصالح متبادلة».
وفيما يتعلق بحقيقة طلب الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بناء «برج ترامب» في دمشق، أكد الوزير أنه لا توجد لديه أي تفاصيل دقيقة حول ما يقال، واكتفى الوزير بالقول: «ترامب رجل أعمال كبير، ومبادر بطبعه.. لكن لا أملك تفاصيل دقيقة حول ما يُقال حالياً عن أي مبادرة من جانبه».
وعن الجدل الذي أثير حول رفض صندوق النقد الدولي تقديم منح لسوريا بسبب «هيكل الرواتب»، أوضح الوزير أن هذا الطرح «غير دقيق»، وأن الصندوق يتعامل مع جميع أعضائه وفق قواعد واضحة، وأضاف: «نحن من المؤسسين، ومشاركون فعلياً في الاجتماعات، وما طُرح في الاجتماعات لم يكن فيه أي استثناء أو تعامل خاص مع سوريا»، وأشار إلى أن أغلب دعم الصندوق يأتي على شكل قروض، وليس منحاً، بينما البنك الدولي قد يكون أكثر مرونة من حيث المنح المباشرة.
في تطور لافت، كشف الوزير أن الوزارة تعمل على تعديل قانون الشركات في سوريا، بهدف دعم التحول إلى نموذج «الشركات المساهمة»، مع إطلاق برامج تحفيزية لذلك، ويرى أن هذا التحول ينسجم مع أهداف «الشمول المالي» ويُعد خطوة ضرورية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وأكد أن الشركات العائلية ستبقى؛ لأنها صُلب الاقتصاد، لكن المستقبل هو للشركات المساهمة التي تسمح بمشاركة أوسع وتنظيم أكثر شفافية.
ختم الوزير حديثه قائلاً «ليس المال وحده هو ما يصنع المستثمر الناجح، بل الذهنية، السوريون عبر التاريخ طوروا مهاراتهم بالتراكم، وراكموا خبرات في الاستثمار والمناورة والتكيّف... وهذه الميزة هي رأسمالنا الحقيقي».