في أعماق مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي يتجاوز ألف صفحة والذي يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تمريره عبر الكونغرس، يكمن إجراء ضريبي غامض يثير الإنذارات في وول ستريت وخارجها.
هذا البند - المُدرج في التشريع الذي أقره مجلس النواب الأسبوع الماضي تحت عنوان «إنفاذ التدابير ضد الضرائب الأجنبية غير العادلة» - يدعو، من بين أمور أخرى، إلى زيادة معدلات الضرائب على الأفراد والشركات من الدول التي تعتبر الولايات المتحدة سياساتها الضريبية «تمييزية». ويشمل ذلك رفع معدلات الضرائب على الدخل السلبي، مثل الفوائد والأرباح، الذي يحققه المستثمرون الذين يُحتمل أن يمتلكوا تريليونات الدولارات من الأصول الأميركية.
ووفق تقرير لوكالة «بلومبرغ» فإن الآثار المترتبة على هذا الإجراء «الانتقامي» واضحة للمحللين: إذا تم توقيعه كقانون، فإنه سوف يزيد من طرد المستثمرين الأجانب في وقت اهتزت فيه ثقتهم الراسخة في سندات الخزانة وغيرها من الأصول الأميركية بالفعل بسبب سياسات ترامب التجارية غير المنتظمة وتدهور الحسابات المالية للبلاد.
وقال مايكل براون، الخبير الاستراتيجي في مجموعة «بيبرستون»، وهي شركة وساطة مالية تأسست في ملبورن وجميع عملائها من خارج الولايات المتحدة: «نتعامل بالفعل مع سوق لا تُعدّ فيه سندات الخزانة الأميركية الخيار الأمثل للمستثمرين الأجانب».
وأضاف براون أنه تلقى استفسارات كثيرة من عملاء قلقين، ما دفعه سريعًا إلى إعداد تقرير يُفصّل هذا الإجراء، وجاء فيه: «إذا كنا نتحدث الآن عن معاملة ضريبية غير مواتية على الإطلاق، فهذا سبب آخر للابتعاد عن الاستثمار».
ومن بين المتأثرين المحتملين، المستثمرون المؤسسيون بما في ذلك صناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد وحتى الكيانات الحكومية، فضلاً عن المستثمرين الأفراد والشركات التي لديها أصول أميركية.
الضريبة المقترحة منفصلة عن أجندة ترامب التجارية المُثقلة بالرسوم الجمركية، والتي تُواجه الآن طعنًا قضائيًا، لكن جوهرها واحد، وتتوافق أهدافها مع بعض المواقف التي طرحها الاقتصادي ستيفن ميران في ورقة بحثية نُشرت في نوفمبر الماضي، وتلك التي تسعى إلى ما يُسمى باتفاقية «مار-أ-لاغو» العالمية لإعادة الهيكلة.
ويسعى جميعها إلى معالجة ما يُنظر إليه على أنه معاملة غير عادلة للولايات المتحدة من قِبل بقية العالم، باستخدام أدوات مُستهدفة مُصممة لوضع البلاد على مسار أكثر توازنًا. لكن بعد سنوات من إقبال المستثمرين الأجانب على الأصول الأميركية، يخشى الخبراء من أن تكون عواقب المادة 899 بعيدة المدى.
وكتب جورج سارافيلوس، رئيس أبحاث الصرف الأجنبي في «دويتشه بنك إيه جي»، في تقرير صدر يوم الخميس، أن هذا البند يتحدى الطبيعة المفتوحة لأسواق رأس المال الأميركية من خلال استخدام الضرائب على الحيازات الأجنبية للأصول الأميركية بشكل صريح كوسيلة ضغط لتحقيق الأهداف الاقتصادية الأميركية.
يستهدف البند 899 دولًا، بما في ذلك كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا، تفرض «ضرائب على الخدمات الرقمية» على شركات التكنولوجيا الكبرى مثل «ميتا بلاتفورمز» كما يستهدف البند الدول التي تستخدم أحكاماً في اتفاقية متعددة الدول للحد الأدنى من ضرائب الشركات.
ومن شأن هذا الإجراء أن يعزز معدل ضريبة الدخل الفيدرالية على الدخل السلبي الذي يحققه المستثمرون والمؤسسات المتمركزة في البلدان المستهدفة، أولا بخمس نقاط مئوية، ثم يرتفع بخمس نقاط أخرى كل عام إلى حد أقصى قدره 20 نقطة فوق المعدل القانوني.
أدرج استراتيجيو «مورغان ستانلي» هذا البند في الأسئلة الشائعة المتعلقة بمشروع قانون الضرائب والإنفاق، وخلصوا إلى أن المادة 899 ستُضعف الدولار والأسهم الأوروبية ذات التعرض الأميركي. وصرح جيل مويك، كبير الاقتصاديين في مجموعة «أكسا» بأن هذا قد يزيد الضغط على أسعار الفائدة طويلة الأجل، التي لامست هذا الشهر أعلى مستوياتها في عدة سنوات. ويرى آخرون أنه يُثقل كاهل العملة الأميركية.
كتب الخبيران الاقتصاديان ويل دينير وتان كاي شيان في مركز «جافيكال» للأبحاث: «أقرّت الإدارة الأميركية هذا البند بوضوح، وهو مصمم لمنح ترامب أداة تفاوض للضغط على الدول لإلغاء ضرائب الخدمات الرقمية والحد الأدنى العالمي لضرائب دخل الشركات، وهو ما يراه ترامب استهدافاً غير عادل للشركات الأميركية متعددة الجنسيات». وأضافا: «المشكلة هي أنه قبل أن تتاح لترامب فرصة استخدام الأداة الجديدة، فإن مجرد وجودها قد يُزعزع استقرار أسواق السندات».