القرار يأتي بعد تعليق واشنطن مبيعات تقنيات حيوية
واشنطن اعترفت رسميا بتعثر المفاوضات التجارية
يبدو أن الأيام القليلة المقبلة ستسفر عن عدد من التطورات غير المتوقعة، في حرب التعريفات الحمائية، التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وانخرطت بكين في أتونها، وهو ما ظهر جلياً في تداعيات الساعات الـ48 الماضية والتي شهدت مبارزة حامية بين مسؤولي البلدين، إذ تناوبت تصريحات كل فريق بين الشد تارة، والجذب تارةٍ أخرى، فيما يشبه سياسة العصى والجزرة.
رغم تمسك بكين حتى ساعات قليلة بأحقيتها في قرار ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة، إلا أن سلسلة من القرارات الأميركية الخانقة لبكين جاء معظمها في قطاع الرقائق وأشباه الموصلات، أسفرت عن تراجع بكين خطوة للوراء في انتظار رد فعل واشنطن.
في أحدث تطور في ملف المعادن الأرضية النادرة، قالت الصين في بيان رسمي، اليوم الجمعة، إنها تظل ملتزمة بالحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والإمداد العالمية، وهي «مستعدة لتعزيز الحوار والتعاون بشأن ضوابط التصدير الخاصة بالمعادن النادرة».
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية لين جيان، في إفادة صحفية لوسائل إعلام حكومية، رداً على سؤال حول إجراءات مراقبة الصادرات، «أن القيود التي تفرضها الصين تتوافق مع الممارسات الدولية المشتركة».
جاء ذلك بعد ان أفادت تقارير أميركية، أن الولايات المتحدة علقت بعض مبيعات التقنيات الحيوية إلى الصين، رداً على القيود التي فرضتها الصين مؤخرًا على صادرات المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة.
أوقفت الصين في أبريل صادرات مجموعة واسعة من المعادن الأرضية النادرة التي تدخل في عملية تصنيع المغناطيسات الأساسية، التي تحتاجها العديد من الصناعات الأميركية الحيوية، إضافة إلى وقف صادرات مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، أي المغناطيسات التي يتم تصنيعها من خلال المعادن الأرضية النادرة.
يشمل القرار معادن الساماريوم، والجادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم، وهي جميعها معادن تُستخدم في صناعة المغناطيسات الموجودة في المحركات الكهربائية للسيارات والطائرات بدون طيار، والروبوتات، والصواريخ، والمركبات الفضائية.
تُستخدم المعادن الأرضية النادرة في صناعة المغناطيسات الموجودة في محركات السيارات العاملة بالبنزين، والمحركات النفاثة، والليزر، ومصابيح السيارات الأمامية، وأيضاً في صناعة رقائق الكمبيوتر التي تُشغّل الذكاء الاصطناعي والهواتف الذكية.
ورغم منح بعض التراخيص منذ ذلك الحين لمصدري مغناطيسات المعادن النادرة، المستخدمة في صناعات أشباه الموصلات والسيارات والدفاع، فإن عملية الترخيص المعقدة قد تستغرق شهوراً، وقد تسببت بالفعل في إرباك سلاسل الإمداد.
فيما يتعلق بتعليق ضوابط تصدير المعادن النادرة التي أُعلن عنها من الصين في أوائل أبريل، أوضحت المتحدثة باسم وزارة التجارة الصينية هي يونغتشيان أن القيود مفروضة على المواد التي يُمكن استخدامها للأغراض العسكرية.
وقالت هي يونغتشيان: « تلك القيود تعكس التزام الصين تجاه المجتمع الدولي، إضافة إلى موقف الصين الداعي إلى الحفاظ على السلام العالمي والاستقرار الإقليمي».
فيما أبلغت السلطات الصينية مُصدّري المعادن والمغناطيسات في البلاد، أنها تعمل على صياغة نظام جديد لتصدير هذا النوع من السلع، حيث من المتوقع أن يمنع النظام الجديد وصول المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات إلى شركات معينة بشكل دائم، بما في ذلك المتعاقدون العسكريون الأميركيون.
كشفت تقارير أميركية أن الولايات المتحدة علقت بعض مبيعات التقنيات الأميركية المهمة للصين، بما في ذلك تلك المتعلقة بمحركات الطائرات لشركة «كوماك» الصينية المملوكة للدولة والمصنعة للطائرات.
قالت وزارة التجارة الأميركية في بيان إنها تراجع الصادرات ذات الأهمية الاستراتيجية إلى الصين، وأضافت : «في بعض الحالات، علقت الوزارة تراخيص التصدير الحالية أو فرضت متطلبات ترخيص إضافية بينما لا تزال المراجعة جارية».
وفي خطوة تُصعّد جهود واشنطن لعرقلة طموحات بكين في مجال أشباه الموصلات، أصدرت إدارة ترامب توجيهاتٍ لشركات برمجيات تصميم الرقائق الأميركية الكبرى، بما في ذلك «سينوبسيس»، و«كادنس ديزاين سيستمز»، و«سيمنز إي دي إيه»، بوقف مبيعاتها للعملاء الصينيين.
في رد جديد ومبتكر خارج الصندوق، أعلن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في بيان عبر حسابه على منصة «إكس» أن الولايات المتحدة ستلغي تأشيرات الطلاب الصينيين بشكل حازم، بما في ذلك أولئك الذين لديهم ارتباطات بالحزب الشيوعي الصيني، أو يدرسون في مجالات حيوية.
أوضح روبيو أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ستُراجع معايير التأشيرات لـتشديد التدقيق على جميع الطلبات المستقبلية من الصين، بما في ذلك هونغ كونغ، ولم يُحدد بيان روبيو الموجز الذي أعلن فيه تشديد إجراءات التأشيرات مجالات الدراسة الحيوية، في إشارة إلى البحث في العلوم الفيزيائية.
في المقابل أعلنت الخارجية الصينية، معارضتها الشديدة لخطة الولايات المتحدة لإلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين، وحثت منافستها الغربية على اتخاذ موقف بناء أكثر تجاه استقرار العلاقات الثنائية، إذ قدمت الصين احتجاجاً على إعلان روبيو عن هذه الخطوة.
وقال الناطق باسم الخارجية الصينية، ماو نينغ: «الولايات المتحدة استخدمت الأيديولوجية والأمن القومي ذريعة لقرارها؛ ما يضر بالحقوق والمصالح المشروعة للطلاب، وهو غير مبرر على الإطلاق، إنهم يتخذ من الأيديولوجية والأمن القومي ذريعة».
في محاولة يبدو إنها باءت بالفشل، ومع حظر الولايات المتحدة بيع شرائح H20 من شركة «إنفيديا» المخصصة للصين، أطلقت «هواوي» معالج آسيند (Ascend 910c) الذي ينطر إليه على أنه الأقوى الآن كخيار أكثر جاذبية في السوق الصينية.
في المقابل هددت الولايات المتحدة بتوقيع عقوبات جنائية على الكيانات التي تستخدم هذه الرقائق؛ لأن الأمر يُعد في وجهة نظرها انتهاكاً لضوابط الصادرات الأميركية، وقال مكتب الصناعة والأمن :«من المرجح أن هذه الرقائق تم تطويرها أو إنتاجها في انتهاك لضوابط التصدير الأميركية».
دفع التهديد الأميركي وزارة التجارة الصينية إلى التحذير من أن أي منظمة أو فرد ينفذ أو يساعد في تنفيذ مثل هذه التدابير قد يكون منتهكاً للقانون الصيني، وقالت الوزارة في بيان: «هذه الإجراءات تضر بشكل خطير بالحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية وتعرض مصالح التنمية الصينية للخطر».
وفي محاولة جديدة للترهيب، أفادت تقارير أميركية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس السماح بفرض رسوم جمركية تصل إلى 15% لمدة 150 يومًا كـ«خطة بديلة»، وهو التقرير الذي ظهر بعد يوم واحد من سماح محكمة الاستئناف الفيدرالية مؤقتاً باستمرار سريان الرسوم الجمركية في أعقاب حكم محكمة تجارية بمنعها .
بينما قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن المحادثات بين الولايات المتحدة والصين متوقفة بعض الشيء وتحتاج إلى تدخل الرئيسين دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، وأردف قائلاً: «أعتقد أننا سنجري المزيد من المحادثات مع الجامب الصيني في الأسابيع القليلة المقبلة».