logo
اقتصاد

توطين الصناعة.. رهان مصر لمواجهة تحديات العملة وتقليص فاتورة الاستيراد

تحديد أولويات القطاعات يرفع القيمة المضافة ويقلل الاعتماد على الخارج

تطوير سلاسل الإمداد يعزز صادرات الأثاث المصرية

الأمن الدوائي يبدأ من تصنيع المواد الخام محلياً

توطين الصناعة.. رهان مصر لمواجهة تحديات العملة وتقليص فاتورة الاستيراد
فني مختبر يحمل جرعة من لقاح «كوفيد-19» في الشركة المصرية القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا» في القاهرة، مصر، يوم 31 أغسطس 2021.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:15 أغسطس 2025, 05:30 ص

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، وضغوط العملة الأجنبية، وارتفاع تكلفة الواردات، تتجه الحكومة المصرية بقوة نحو توطين الصناعة كخيار استراتيجي يهدف إلى دعم الإنتاج المحلي، وتعزيز القدرة التنافسية، وتقليل الاعتماد على الخارج.

تأتي هذه الجهود، ضمن رؤية الدولة لتعميق التصنيع المحلي، شاملة دعم المصانع القائمة، وجذب استثمارات جديدة في قطاعات استراتيجية مثل السيارات، والصناعات الغذائية، والأدوية، والأثاث، والمعدات الثقيلة.

من أحدث هذه الاستثمارات، توقيع عقد إنشاء مصنع «مجموعة سايلون» الصينية لتصنيع إطارات السيارات داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، باستثمارات إجمالية تُقدَّر بنحو مليار دولار (50 مليار جنيه)، وفقاً لبيان صادر عن مجلس الوزراء المصري، يوم الأربعاء.

يأتي هذا العقد في إطار خطة الحكومة لتوطين صناعة السيارات ومدخلات إنتاجها، حيث سيتم تنفيذ المشروع على 3 مراحل خلال 3 سنوات، بطاقة إنتاجية إجمالية للمرحلة الأولى تبلغ 3 ملايين إطار لسيارات الركوب و600 ألف إطار للشاحنات والحافلات.

مبادرات حكومية

قبل توقيع هذا العقد، عملت الحكومة المصرية على تقديم حوافز ضريبية وجمركية، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتوفير أراضٍ صناعية مجهزة بالبنية التحتية اللازمة، لتحفيز المستثمرين المحليين والأجانب على الدخول في صناعات تحقق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الحيوية.

كما تركز السياسات الحكومية الحالية على الصناعات ذات المكوّن المحلي المرتفع، مع خطة لزيادة نسب التصنيع المحلي تدريجيًا في العديد من القطاعات.

وأطلقت الدولة برامج لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها رافدًا مهمًا لسلاسل الإمداد في الصناعات الكبرى، وذلك بالتوازي مع خطط إحلال الواردات وتشجيع الشركات على تصنيع مدخلات الإنتاج محليًا بدلًا من استيرادها. 

متطلبات استراتيجية

وفق المديرة التنفيذية ومديرة البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية عبلة عبد اللطيف، فإن توطين الصناعة ليس مجرد إحلال للواردات، بل هو عملية استراتيجية تتطلب رفع الكفاءة الإنتاجية، وتطوير التكنولوجيا المستخدمة، وربط البحث العلمي بالقطاع الصناعي.

أخبار ذات صلة

مصر.. مرحلة جديدة في صناعة الذهب بإعادة تصدير الخام بعد تنقيته محلياً

مصر.. مرحلة جديدة في صناعة الذهب بإعادة تصدير الخام بعد تنقيته محلياً

أشارت في تصريح لـ«إرم بزنس» إلى ضرورة تحديد أولويات واضحة للقطاعات المستهدفة، والتركيز على تلك التي توفر قيمة مضافة عالية وتقلل الاعتماد على مدخلات إنتاج مستوردة.

كما شددت عبد اللطيف على أن نجاح خطط التوطين يتطلب معالجة مشكلات البيروقراطية، وتوفير تمويل ميسر للمصانع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تحسين البنية التحتية اللوجستية التي تمثل أحد مفاتيح جذب الاستثمارات الصناعية.

فرص التوسع

يشكل القطاع الصناعي عصب الاقتصاد المصري وأحد أهم محركات النمو في البلاد، لا سيما في ظل ارتفاع العجز في الميزان التجاري إلى نحو 38 مليار دولار في 2024، وهو ما يفرض ضغوطًا على احتياطي النقد الأجنبي ويزيد من حاجة السوق إلى حلول عملية لخفض الاستيراد عبر التصنيع المحلي.

شهدت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، حيث ارتفعت نسبته من 11.7% في العام المالي 2020/2021 إلى 17% في العام المالي 2023/2024.

تأتي مصر في المرتبة الثانية عربياً والـ 30 عالمياً بقيمة إنتاج صناعي بلغت 76.139 مليار دولار، وفق بيانات مركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.

كما تكشف الإحصاءات الرسمية أن عدد المصانع العاملة في مصر وصل إلى 56,500 مصنع حتى عام 2023، مقارنة بـ 34,383 مصنعاً في عام 2016، بحسب بيانات هيئة التنمية الصناعية.

تتوزع هذه المصانع على قطاعات متنوعة تشمل الصناعات الغذائية، والنسيجية، والكيماوية، والمعدنية، والهندسية، فيما يستوعب القطاع الصناعي نحو 3.5 مليون عامل.

ضغوط الاستيراد

تستهدف الحكومة التوسع في القطاع الصناعي لخفض فاتورة الاستيراد، إذ ارتفعت قيمة الواردات خلال عام 2024 بنسبة 12.4%، بما يعادل 10.48 مليار دولار، لتصل إلى 94.69 مليار دولار، مقارنة بـ 84.22 مليار دولار خلال عام 2023، وفقًا لنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

بحسب النشرة، التي حصلت «إرم بزنس» على نسخة منها، ارتفعت قيمة واردات السلع الزراعية خلال عام 2024 بنسبة 8.5% لتسجل 8.98 مليار دولار، مقارنة بـ 8.28 مليار دولار في العام السابق، كما ارتفعت قيمة واردات السلع الغذائية بنسبة 5.8% لتسجل 12.79 مليار دولار، مقارنة بـ 12.09 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.

أخبار ذات صلة

وزير الأعمال المصري لـ«إرم بزنس»: 130مليون دولار لتطوير صناعة الدواء

وزير الأعمال المصري لـ«إرم بزنس»: 130مليون دولار لتطوير صناعة الدواء

في المقابل، زادت قيمة الصادرات المصرية خلال عام 2024 بنسبة 5.4% لتسجل نحو 44.85 مليار دولار، مقارنة بـ 42.55 مليار دولار خلال عام 2023.

رؤية الصناع

تسعى الحكومة المصرية إلى توطين العديد من الصناعات الاستراتيجية مثل السيارات، والأدوية، والأثاث. في السياق، يرى رئيس المجلس التصديري للأثاث، إيهاب درياس، في حديثه مع «إرم بزنس»، أن توطين أي صناعة يمكن أن يقلل بشكل كبير من الواردات، خاصة أن مصر تمتلك خبرات طويلة وأيدٍ عاملة ماهرة.

أشار درياس إلى أن صناعة الأثاث، على سبيل المثال، تواجه تحديات في استيراد بعض الخامات، وهو ما يستدعي الاستثمار في تصنيعها محلياً، مؤكداً أن تطوير سلاسل الإمداد المحلية سيعزز من قدرة القطاع على التصدير.

أوضح أن قطاع الأثاث يعمل فيه نحو مليون شخص بشكل مباشر وغير مباشر، لافتاً إلى أن هناك العديد من مكونات الإنتاج التي يمكن توطين صناعتها في مصر، خاصة خامات المسطحات التي تمثل 50% من القيمة المضافة للمنتج.

قدرة تنافسية

فيما يتعلق بتوطين صناعة الأدوية، شدد الرئيس التنفيذي لشركة فاركو للأدوية، شيرين عباس حلمي، في حديثه مع «إرم بزنس»، على أن قطاع الصناعات الدوائية في مصر يمتلك قدرة تنافسية إقليمية إذا تم الاستثمار في تصنيع المواد الخام محليًا.

أشار حلمي إلى أن الاعتماد على استيراد المواد الفعالة يجعل الصناعة عرضة لتقلبات الأسعار العالمية ونقص الإمدادات، موضحاً أن بناء قاعدة إنتاجية لهذه المواد سيؤدي إلى خفض التكاليف وتعزيز الأمن الدوائي الوطني.

أضاف أن مصر تمتلك قاعدة من الكفاءات العلمية والفنية، ما يسهل نقل وتوطين التكنولوجيا، شريطة توفير بيئة استثمارية مستقرة وحوافز تشجع الشركات على ضخ استثمارات طويلة الأجل في هذا المجال.

نجاح التوطين

يؤكد خبراء الصناعة أن نجاح التوطين يتطلب التركيز على القطاعات التي تمتلك فيها مصر ميزة نسبية أو قاعدة إنتاجية يمكن البناء عليها، حيث تتمتع هذه القطاعات بأفضلية تنافسية إما لتوافر المواد الخام محلياً أو لامتلاكها خبرات تراكمية تمتد لعقود.

كما برزت في الفترة الأخيرة قطاعات حديثة ذات طابع مستقبلي، مثل تصنيع مكونات الطاقة المتجددة، والمعدات الإلكترونية، وقطع غيار السيارات الكهربائية، وهو ما يعكس توجهاً نحو الصناعات المستقبلية ذات القيمة المضافة العالية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC