العنقري: النساء مؤهلات لتولي وظائف نوعية تدعم سوق العمل
الثبيتي: القطاع الخاص أصبح محركاً رئيسياً للتوظيف
هبط معدل البطالة بين السعوديين في الربع الأول من عام 2025 إلى مستوى غير مسبوق عند 6.3%، في تطور يُعد الأبرز منذ بدء نشر بيانات القوى العاملة في المملكة. هذا الانخفاض لم يكن مجرد تحسن دوري، بل يمثل مؤشراً واضحاً على تحولات اقتصادية واجتماعية متسارعة، تتماشى مع أهداف «رؤية 2030» لإعادة هيكلة سوق العمل وبناء اقتصاد أكثر شمولية واستدامة.
أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء أن هذا التحسن التاريخي جاء بدعم من سياسات التوطين، وتوسيع برامج التدريب، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
وسجّل معدل البطالة بين النساء السعوديات تراجعاً كبيراً إلى 10.5%، مقارنةً بمعدلات تجاوزت 34% قبل أعوام قليلة؛ ما يعكس التحولات العميقة في بنية المجتمع والدور الاقتصادي للمرأة.
معدل البطالة بين النساء السعوديات في الربع الأول، يعد هو أدنى مستوى يُسجل على الإطلاق، مع تراجع قدره 3.6% عن نفس الفترة من العام الماضي، كما واصل معدل البطالة بين الذكور السعوديين تراجعه ليسجل 4%، بانخفاض سنوي طفيف بلغ 0.2%.
المستشار الاقتصادي السعودي محمد العنقري يوضح في حديثه لـ«إرم بزنس» أن هذا التراجع الحاد في البطالة يعكس نجاح المملكة في تحقيق نمو اقتصادي مركب وشامل، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 65% خلال ثماني سنوات، متجاوزاً حاجز 1.1 تريليون دولار.
ويرى العنقري أن هذا النمو ليس مجرد أرقام، بل نتيجة مباشرة للاستثمار في رأس المال البشري، من خلال توسيع فرص العمل وخلق وظائف نوعية جديدة، لا سيما في قطاعات الخدمات، والسياحة، والترفيه، والتجزئة، التي تضم أكثر من 720 نشاطاً اقتصادياً فرعياً.
تشير البيانات الرسمية إلى أن القطاع الخاص استوعب نحو 2.9 مليون سعودي في الربع الأول من 2025، مسجلاً زيادة بنسبة 5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في مؤشر يعكس تطور السوق، وقدرته على استيعاب الأيدي العاملة الوطنية بشكل متسارع.
كما ارتفع عدد السعوديين المسجلين في التأمينات الاجتماعية والخدمة المدنية إلى 4.1 مليون مشتغل؛ ما يعكس توسع قاعدة التوظيف الوطني، وتعزيز الثقة في القطاع الخاص كوجهة مهنية مستقرة.
العنقري يؤكد أن هذه النتائج تجاوزت المستهدف السابق للبطالة عند 7%، الذي كان من المقرر الوصول إليه بحلول عام 2030، وهو ما دفع المملكة إلى إعادة تحديد مستهدفات جديدة أكثر طموحاً تصل إلى 5%، مع التطلع لتحقيق معدل بطالة يصل إلى 4% في المدى المتوسط. ويرى أن استمرار هذا الزخم يعتمد على استكمال تشغيل المشروعات الكبرى، وخلق وظائف نوعية تلائم مؤهلات الخريجين، خاصة النساء، اللاتي يُتوقع أن يلعبن دوراً متزايد الأهمية في دعم النمو الاقتصادي وخفض معدلات البطالة خلال السنوات المقبلة.
انخفاض معدل البطالة الإجمالي (للسعوديين وغير السعوديين) إلى 2.8%، وهو الأدنى تاريخياً، يعكس التحولات الهيكلية العميقة التي يشهدها سوق العمل السعودي، ونجاح سياسات تحفيز القطاع الخاص، وتوسيع النشاطات الاقتصادية غير النفطية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
العنقري يشير إلى أن السعودية لم تعد تركز فقط على خفض معدلات البطالة كرقم، بل تبني نموذجاً جديداً للعلاقة بين الدولة والمواطن وسوق العمل، يقوم على المرونة والاستدامة، ويعزز موقع المملكة في مؤشرات التنافسية العالمية وجودة الحياة.
بهذه الأرقام والمؤشرات، تواصل السعودية رسم ملامح اقتصاد حديث، يقوم على تمكين الأفراد، وتوسيع قاعدة المشاركة، واستثمار الطاقات الوطنية في جميع القطاعات، لتكون مثالاً إقليمياً للتحول الاقتصادي والاجتماعي المتكامل، وفقاً لما ذكره العنقري.
وترى أخصائية الموارد البشرية، سارة حمدان الثبيتي، أن الانخفاض التاريخي في معدل البطالة بين السعوديين إلى 6.3% خلال الربع الأول من عام 2025 يُعد ثمرة مباشرة للإصلاحات البنيوية التي قادتها المملكة ضمن رؤية 2030، والتي أعادت هيكلة سوق العمل، وعززت جاذبية القطاع الخاص كوجهة للتوظيف.
وأشارت في تصريحات لـ «إرم بزنس»، إلى أن القطاع الخاص لم يعد مجرد مساهم في التوظيف، بل أصبح محركًا رئيسيًا له، خصوصًا في ظل التوسع في قطاعات مستحدثة مثل التقنية والسياحة والترفيه والخدمات اللوجستية؛ ما أتاح فرصًا جديدة ومتنوعة أمام الشباب السعودي.
وتضيف الثبيتي أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بتراجع نسب البطالة، بل بجودة الوظائف المستحدثة، ومدى ملاءمتها لطموحات الأجيال الجديدة، مضيفة أن التحول المطلوب لا يكتفي بخلق وظائف تقليدية أو إدارية محدودة الأثر، بل يتطلب استثمارات حقيقية في رأس المال البشري، وتوفير وظائف ذات قيمة مضافة تساهم في رفع إنتاجية الاقتصاد وتعزيز الابتكار.
أما فيما يتعلق بالمشروعات الكبرى مثل نيوم ومشروعات البحر الأحمر، فتؤكد الثبيتي أنها بدأت تؤتي ثمارها تدريجيًا من خلال توفير فرص نوعية وتخصصية، لم تكن متاحة من قبل، خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء والضيافة الفاخرة. لكنها ترى أن الأثر طويل الأمد لتلك المشاريع يعتمد على مدى قدرة هذه المبادرات على استيعاب الكفاءات الوطنية وتمكينها، وليس الاعتماد فقط على العمالة الأجنبية أو العقود المؤقتة.
وتختتم بالقول إن استمرار الاتجاه الإيجابي في معدلات التوظيف لا ينعكس فقط على المؤشرات الاقتصادية، بل يمتد إلى تحولات اجتماعية عميقة، تشمل إعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة، وارتفاع نسب مشاركة المرأة، وتكوين ثقافة عمل جديدة بين الشباب قائمة على المبادرة والاستقلال والاعتماد على الذات.