الاقتصاد الفضي يمثّل قوة شرائية هائلة تلبي احتياجات شريحة متنامية
ملامح تحول ديمغرافي عالمي تتضح صورته مع صعود ظاهرة «الاقتصاد الفضي»، التي تفرض تحديات اقتصادية ومالية، وتستدعي استجابات سياسية واقتصادية فعالة لتحويل التحدي إلى فرصة حسب ما أشار تقرير لصندوق النقد الدولي.
يشهد العالم تسارعاً غير مسبوق في شيخوخة السكان، يدفع باتجاه الاستفادة بإمكانات «الاقتصاد الفضي» في فتح آفاق جديدة للنمو والابتكار وزيادة الموارد المالية في ظل التغيرات المتسارعة.
تشير التوقعات إلى أن عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً سيصل إلى 1.6 مليار نسمة بحلول عام 2050، أي ما يعادل 16% من سكان العالم، وفقاً لدراسة تابعة للأمم المتحدة نشرت العام الماضي. وتتباين وتيرة الشيخوخة بين المناطق، حيث تشهد أوروبا وأميركا الشمالية شيخوخة متقدمة، بينما تتسارع هذه الظاهرة في آسيا.
تتصدر اليابان القائمة بنسبة تقارب 30% لكبار السن، تليها إيطاليا بنحو 24% وألمانيا بحوالي 22%. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المتوقع أن تتضاعف نسبة كبار السن من حوالي 7% حالياً إلى 14% بحلول عام 2050.
فيما يؤكد تقرير لصندوق النقد الدولي أن سرعة الشيخوخة تختلف بين الدول، فبعضها يشهد تحولاً سريعاً خلال 20-25 عاماً، بينما يستغرق هذا التحول في دول أخرى ما بين 50 إلى أكثر من 100 عام.
وفي هذا الشأن يرى الخبير الاقتصادي، باسم حشاد في حديث خاص مع «إرم بزنس»، أن لهذه السرعة المتباينة انعكاسات اقتصادية مختلفة، حيث يمكن أن تحدث الشيخوخة السريعة صدمات اقتصادية أكثر حدة.
يعرف حشاد «الاقتصاد الفضي» بأنه مجموعة من النشاطات الاقتصادية المرتبطة بتلبية احتياجات كبار السن، ما يوفر فرصاً اقتصادية لشريحة متنامية من سكان العالم.
ويمثل العدد المتزايد من كبار السن سوقاً استهلاكية ضخمة تقدر بنحو 15 تريليون دولار أميركي سنوياً بحلول عام 2030. وتتوقع شركة ماكينزي أن يمثل كبار السن ربع الاستهلاك العالمي بحلول عام 2050، وهو ضعف حصتهم في عام 1997.
كما يحفز هذا التحول في الطلب نمو قطاعات جديدة مثل «الرعاية الصحية، والرعاية الصحية عن بعد، والتكنولوجيا المساعدة، والخدمات المالية المتخصصة، والسياحة والترفيه الموجه لكبار السن»، حيث يشهد قطاع السياحة لكبار السن في المملكة العربية السعودية نمواً سنوياً بنسبة 12%، والإسكان والتصميم الحضري الصديق للمسنين.
التقرير الذي جاء بعنوان «صعود الاقتصاد الفضي: التأثير العالمي لشيخوخة السكان»، يشير إلى أن الصورة النمطية عن انخفاض إنتاجية العمال الأكبر سناً غير دقيقة، حيث يجلبون معهم خبرة ومعرفة مؤسسية ومهارات شخصية قيمة. ويؤكد أهمية الاستثمار في صحتهم وتوفير فرص التعلم مدى الحياة وتكييف بيئات العمل لتعزيز إنتاجيتهم.
ويعد قطاع «التكنولوجيا الفضية» من أسرع المجالات نمواً، ويشمل الأجهزة المساعدة، وتكنولوجيا الصحة والرعاية عن بعد، وتكنولوجيا السلامة والأمان، والتكنولوجيا الاجتماعية والتواصل. وتشير توقعات السوق بحسب موقع «موردور إنتليجنس» (Mordor Intelligence) إلى أن معدلات نمو سنوية مركبة قوية تتراوح بين 5% إلى أكثر من 10% لقطاعات مثل التكنولوجيا المساعدة والرعاية عن بعد.
يتيح التحسن في الصحة العامة وزيادة متوسط العمر المتوقع للأفراد العمل لفترات أطول.
وعلى سبيل المثال في اليابان، يعمل 25% من السكان فوق 65 عاماً بحسب بيانات صادرة عام 2023 عن الأمم المتحدة. وفي الولايات المتحدة، ارتفعت نسبة العاملين فوق 65 عاماً من 12% في عام 2000 إلى 19% في عام 2023.
ويدعم ذلك بروز مفهوم «الشيخوخة الصحية» أو «طول العمر الصحي» الذي ظهر كبصيص أمل، حيث يعيش الناس بصحة أفضل لفترة أطول. ويُقدر البنك الدولي أن الزيادات المستمرة في المعروض من العمالة وتحسين رأس المال البشري لكبار السن؛ بسبب الشيخوخة الصحية ستسهم بنحو 0.4 نقطة مئوية سنوياً في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال الفترة 2025-2050.
تضع شيخوخة السكان ضغوطاً مالية كبيرة على الحكومات، خاصة في ما يتعلق بنفقات التقاعد والرعاية الصحية. وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الإنفاق على الرعاية الصحية لكبار السن قد يصل إلى 17% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط في دول المنظمة بحلول عام 2050، مقارنة بـ 10% في عام 2020.
وفي موازاة ذلك، تتعرض أنظمة المعاشات التقاعدية لضغوط هائلة؛ بسبب ارتفاع نسبة الإعالة للمسنين. وقد لجأت العديد من الدول إلى إصلاحات مثل رفع سن التقاعد تدريجياً.
ويستكشف التقرير آليات تمويل مبتكرة، مثل نظام سنغافورة متعدد الركائز وسندات طول العمر، كحلول محتملة لتخفيف الضغوط المالية. ويعتمد نظام سنغافورة على المسؤولية الفردية والتأمين الاجتماعي والدعم الحكومي.
وخلص تقرير النقد الدولي إلى أن الاستجابات السياسية الفعالة والمتعددة الأوجه، التي تشمل إصلاحات أنظمة التقاعد، والاستثمار في الصحة الوقائية، وتشجيع الهجرة الماهرة، ودعم الابتكار التكنولوجي، هي السبيل الأمثل للتخفيف من المخاطر واغتنام الفرص التي يتيحها الاقتصاد الفضي.