«صيادلة القاهرة»: شركات دواء مصرية باتت مؤهلة للتحول إلى كيانات عالمية
اتجهت أربع شركات أدوية مصرية كبرى إلى التوسّع في المملكة العربية السعودية خلال الفترة الماضية، في خطوة تستهدف تأمين احتياجاتها الدولارية من جهة، والتوسّع بالصادرات في منطقة الخليج بمزايا تفضيلية من جهة أخرى، بحسب وصف مسؤولين بقطاع الدواء في مصر، تحدّثوا إلى «إرم بزنس».
الشركات الأربع، وهي: «إيفا فارما» و«فاركو للأدوية» و«إيبكس فارما» و«جلوبال نابي»، تُصنَّف ضمن «العشر الكبار» في سوق الدواء المصرية من حيث حجم الإنتاج وقيمة المبيعات، إذ بلغت مبيعاتها مجتمعة نحو 27 مليار جنيه خلال عام 2024، وهي قيمة مثّلت نحو 13% من إجمالي مبيعات الدواء في مصر العام الماضي، والبالغة 214.5 مليار جنيه (4.35 مليار دولار)، وفقاً لتقديرات مؤسسة «آي كيوفيا» العالمية للمعلومات الصيدلانية.
بدأت شركة «إيبكس فارما» تشغيل أول مصنع مصري في السعودية نهاية مارس الماضي، باستثمارات بلغت 300 مليون ريال في المرحلة الأولى، فيما تستعد «جلوبال نابي» هي الأخرى لخطوة مماثلة قريبًا، بعدما انتهت من تنفيذ مصنعها في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، باستثمارات 200 مليون ريال.
بينما مهّدت استثمارات «إيبكس فارما» و«جلوبال نابي» الطريق أمام شركتي «إيفا فارما» و«فاركو للأدوية» لتنفيذ استثمارات دوائية أضخم في المملكة العربية السعودية، إذ بدأت «إيفا فارما» نهاية العام الماضي إنشاءات مجمّع صناعي متكامل يضم خمسة مصانع أدوية، في مدينة سدير القريبة من الرياض، باستثمارات تصل إلى 150 مليون دولار، فيما بدأت «فاركو» إنشاءات مدينة للدواء في المملكة منتصف عام 2023، باستثمارات تبلغ 150 مليون دولار أيضًا.
تستهدف «إيفا فارما» تشغيل المصانع الخمسة تباعًا خلال الفترة من عام 2025 حتى عام 2030، فيما تسعى «فاركو» لبدء الإنتاج في عام 2027.
قال رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر، علي عوف، إن عدداً من شركات الأدوية المصرية الكبرى بدأت في التوسّع بالسوق السعودية خلال الفترة الأخيرة، في خطوة وصفها بـ«المنطقية» في ظلّ الحوافز غير المسبوقة التي تقدّمها الحكومة السعودية للمستثمرين، لا سيما في قطاع الدواء.
أضاف عوف لـ«إرم بزنس» أن المملكة نجحت في جذب أربع شركات أدوية مصرية كبرى خلال الفترة الأخيرة، وتوقّع أن تستقطب منطقة الخليج عشرة مصانع أدوية مصرية خلال عام من الآن.
«السوق السعودية تتمتّع باستقرار اقتصادي وسياسي، وهناك دعم كبير من الدولة السعودية للاستثمار في قطاع الدواء، عبر منح امتيازات حقيقية وجاذبة للمستثمرين الأجانب، وهو ما شجّع الشركات المصرية على اغتنام هذه الفرصة»، بحسب عوف.
واعتبر عوف أن السوق السعودية أصبحت أكثر جاذبية لشركات الدواء من مصر، نظراً لسهولة إجراءات تسجيل الأدوية وانخفاض تكاليفها، بعكس ما يحدث في مصر، حيث وصف سياسات هيئة الدواء في بلاده بـ«المعقّدة وغير العادلة».
تعمل المملكة العربية السعودية على توطين نحو 200 دواء، ضمن مساعيها لتحقيق الأمن الدوائي، وبدأت منذ نهاية العام الماضي خطوات فعلية لتوطين 42 دواءً منها، بتنسيق وعمل تكاملي مع جهات حكومية وخاصة، بحسب ما أعلنه وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريّف، في أكتوبر الماضي.
وخلال الأشهر الماضية، عملت المملكة على تأسيس لجنة صناعة اللقاحات والأدوية الحيوية، التي وسّعت أعمالها وأصبحت مركزاً مهماً لجذب الاستثمارات النوعية للقطاع، وسرّعت الخطى نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في قطاع صناعة الأدوية.
أكّد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر أن تحرّك الشركات المصرية نحو السعودية لا يعني إغلاق المصانع في مصر، بل إنشاء فروع إنتاجية هناك تُسهِم في تصدير المنتجات من السوق السعودية بسعر أعلى وأكثر عدالة من التصدير من مصر، ما يزيد من هامش الربحية ويُعزّز من القدرة على تدبير العملة الصعبة.
أشار عوف إلى أن التوسّع في المملكة يُعدّ خطوة استراتيجية ستساعد شركات الأدوية على مواجهة أي أزمة مستقبلية لنقص الدولار في مصر، حيث يمكنها استخدام عائدات فروعها في السعودية لتغطية احتياجات السوق المحلية من العملة الأجنبية.
بدوره، قال رئيس لجنة التصنيع الدوائي في نقابة صيادلة القاهرة، محفوظ رمزي، إن صناعة الدواء في مصر تشهد تحوّلاً استراتيجيًّا مع توجّه عدد من الشركات المحلية الكبرى إلى التحوّل إلى كيانات إقليمية قادرة على التوسّع في الأسواق الخليجية والعربية والأفريقية.
أضاف رمزي لـ«إرم بزنس» أن تواجد أربع شركات مصرية في السوق السعودية الكبيرة يعكس اعترافاً ضمنياً بجودة المنتج الدوائي المصري، وقدرته على منافسة المستورد، خاصةً في ظل اشتراطات صارمة تفرضها أسواق الخليج، والتي لا تسمح بدخول أي منتج إلا إذا كان بجودة تضاهي الأدوية العالمية.
أشار إلى أن العديد من المصانع المصرية وصلت إلى حالة من التشبّع داخل السوق المحلية، بعد تغطية معظم الاحتياجات الدوائية، ما دفعها للتوجّه نحو ما يُعرف في علم الاقتصاد بـ«المحيط الأزرق»، عبر دخول أسواق جديدة بمنتجات دوائية ذات قيمة مضافة، لا سيما أن بعض الأدوية المصرية غير مسجّلة في الخليج ويُعاد تصنيعها هناك بأسعار تصل إلى عشرة أضعاف نظيرتها في مصر.
«السوق المحلية المصرية، والتي تضم 110 ملايين نسمة، شكّلت قاعدة تدريب حقيقية للمصانع، وعزّزت من جاهزيتها للتوسّع الإقليمي والدولي، وتحقيق عوائد دولارية تضاهي قناة السويس»، وفقاً لرمزي.
قال رمزي إن توجّه الشركات المصرية نحو المملكة سيسهم بشكل كبير في رفع عوائد صادرات هذه الشركات، خاصةً في منطقة الخليج وبعض الأسواق الآسيوية.
فيما انتقد رمزي ضعف عوائد صادرات مصر من الدواء، في ظل ما تملكه البلاد من بنية تحتية دوائية قوية، تشمل 175 مصنعاً ونحو 15 ألف صنف دوائي مسجّل.
أضاف أن مصر قادرة على رفع عوائد تصدير الدواء بنسب تاريخية خلال الفترة المقبلة، لكنه أوضح أن هذه الخطوة تتطلّب دعماً سياسياً واقتصادياً، من خلال تنشيط دور القنوات الدبلوماسية، والسفارات، والمكاتب التجارية، وتنظيم مؤتمر عالمي سنوي للأدوية في القاهرة، إلى جانب مشاركة الشركات المصرية بفعالية في المؤتمرات الدولية، وتدشين منصة إلكترونية رسمية تضم كافة الأدوية المصرية وتكون مرجعًا للترويج الخارجي.
أشار رمزي إلى أن التسعير الجبري للدواء في مصر كان يمثل عائقاً أمام التصدير، لكن مع بدء تطبيق آلية «برنامج دعم المريض المصري» الذي يتيح بيع الدواء محلياً بسعر مدعوم مع إصدار شهادة تسعير حقيقية للتصدير، ستساعد هذه الآلية الشركات على تحقيق مستهدفاتها التصديرية.
أكّد رمزي أن بلاده تمتلك كل مقومات التحوّل إلى إحدى الدول الأعلى تصديرًا للدواء في المنطقة، إذ يحظى الدواء المصري بسمعة جيدة في الخارج من حيث السعر والجودة، وأن ما ينقصه فقط هو التسويق الجيد.