وبين تفاؤل وقلق مشروط، تحدث مسؤول حكومي، ومحلل اقتصادي في ليبيا لـ"إرم الاقتصادية"، مؤكدين أنه لا مجال أمام الاقتصاد الليبي "المتعثر منذ 2011"، كي ينجو من تراجع النمو وتلك التقلبات، إلا بسلطة قادرة على إدارة الأموال والتوزيع العادل للعائدات وجلب استثمارات حقيقية وتنويع مصادر الدخل، بعيدا عن إيرادات النفط.
وفي 5 أغسطس الماضي، سجلت الإيرادات النفطية في ليبيا 45.3 مليار دينار (نحو 9.5 مليار دولار)، فيما بلغ إجمالي إيرادات الميزانية 62.8 مليار دينار (13.1 مليار دولار) وبلغ إجمالي الإنفاق 47 مليار دينار، وذلك خلال الأشهر السبعة الأولى من 2023، وفق بيانات مصرف ليبيا المركزي.
وليبيا هي صاحبة أكبر احتياطي من النفط في أفريقيا، ويتخطى إنتاجها 1.2 مليون برميل يوميا، وفق مؤسسة النفط الوطنية.
و"خلف مبنى مصرف ليبيا المركزي، تتواجد السوق الموازية لتداول الدولار في ميدان الساعة"، وفق وكالة الأنباء الليبية، التي اعتبرت ذلك "دلالة" على "انخفاض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الصعبة في السوق الموازية بعد فترة طويلة من الاستقرار النسبي".
وفي اتفاق نادر بين حكومتي ليبيا في الشرق والغرب، أكدت الحكومتان أن تقلبات سعر الصرف "أمر مفتعل" أو "عارض"، وفق بيانين منفصلين في 10 و12 نوفمبر الجاري، إلا أنه وفق الواقع "يقف الدولار ثابت السعر بمصرف ليبيا المركزي عند (4.9) دينار، فيما قفز من أكتوبر الماضي من (5.10) دينار إلى (5.65) دينار في السوق الموازية، وينتظر أن يتجاوز 6 دنانير، بنهاية الأسبوع وفق تقديرات غير رسمية.
هذه التقلبات في سعر الصرف التي تتبعها عادة تأثيرات على الاستيراد وأسعار السلع، تقف أمام تقديرات للبنك الدولي نشرت في يونيو الماضي، تقول إن "الاقتصاد الليبي يظهر قدرته على الصمود مع أن النمو الاقتصادي يعتريه الانخفاض وعدم الثبات".
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن عام 2022 شهد انكماشاً بنسبة 1.2% في الاقتصاد الليبي، فيما يشهد نصيب الفرد الليبي "انخفاضاً بنسبة 50% من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2011 و2020".
و"لولا الصراع لكان من الممكن أن يشهد هذا الاقتصاد نمواً مرتفعاً بنسبة 68% على مدى السنوات العشر الماضية، وهي إمكانية لا تزال ممكنة التحقيق كما أنها تبرز الإمكانات الهائلة للبلاد"، وفق تقديرات البنك ذاته.
والكلفة الاقتصادية للصراع في ليبيا، وفق تقرير يحمل العنوان ذاته نشرته منظمة الإسكوا الأممية في 2021، "قدرت منذ 2011 ولنحو 10 سنوات تالية بمبلغ 783.4 مليار دينار ليبي، وإذا لم توقع اتفاق سلام في السنوات المقبلة سترتفع الكلفة بشكل حاد وتبلغ في الفترة من 2021- 2025 نحو 628.2 مليار دينار".
خالد بوزعكوك، المحلل الاقتصادي، قال لـ"إرم" الاقتصادية، إن "سعر صرف الدينار أمام الدولار منتصف الأسبوع الجاري 5.95 وهو معدل كبير وارتفاع سريع ومن المتوقع أن يصل مع نهاية الأسبوع إلى 6 دنانير، كما جرى تسجيل انخفاض طفيف الأسبوع الماضي بعد ما عرضت المصارف شراء البطاقات المصرفية وطرح أذونات استيراد، في دلالة على وجود فجوة كبيرة في المعروض من الدولار".
وأوضح أن "الدولار في ليبيا مرتبط بالسوق الموازية وهي سوق غير منضبطة وتخضع للعرض والطلب والسلوك النفسي للتجار، ومما ساهم في ارتفاع السعر الإنفاق الحكومي الكبير والتقارير المحلية والدولية عن إهدار العملة الصعبة في دولة تعتمد مواردها من العملات الصعبة على مصدر وحيد وهو تصدير النفط والغاز الذي يشكل 95% من ميزانية الدولة".
وأشار بوزعكوك إلى أن استعادة استقرار الدولار وإنعاش الاقتصاد الليبي يتطلب محاربة الفساد وانتهاج سياسة التقشف والحد من الاستهلاك غير المدروس.
وأضاف المحلل الليبي أنه "يجب السماح للتجار بالحصول على العملة الصعبة من المصارف بشكل سلس، ووفق آلية استيراد تخضع للمتابعة حتى لا يتم تهريب الأموال لخارج البلاد بشكل يزيد من الضغوط على الدولار خاصة مع فجوة من 3 إلى 4 مليارات دولار في مصرف ليبيا لتغطية الاعتمادات المطلوبة للاستيراد والطلب المتزايد على الدولار".
الدولار في ليبيا مرتبط بالسوق الموازية وهي سوق غير منضبطة وتخضع للعرض والطلب.خالد بوزعكوك - محلل الاقتصادي
وعن تأثيرات هذه التقلبات، أوضح بوزعكوك أن "الاقتصاد الليبي سيتضرر بالتأكيد مع ارتفاع سعر الدولار وبالتالي سينعكس ذلك على سعر السلع، والمواطن الليبي سيكون أول من يعاني من مشكلة الفرق بين السعر الرسمي والموازي خاصة أن الاستيراد يتم أغلبه عبر السوق الموازي".
ولفت إلى أن "الاقتصاد الليبي يعاني من مشكلة تضخم تصاعدي في السلع وأغلب الموظفين سقف الرواتب دون الألف دينار وهذه دخول ضعيفة جدا في ظل انكماش الاقتصاد الذي هو في الأصل هش وضعيف".
وقال المحلل الاقتصادي الليبي إنه "يتوقع مع بداية العام المقبل ضغطا إضافيا على العملة الصعبة، مع خطط إعمار درنة وعقود البناء والإعمار الضخمة في بنغازي، حيث إن أغلب مواد البناء ومتطلبات الإعمار تجلب من الخارج بالعملة الصعبة".
وأشار كذلك إلى أن أضرار "الانقسام المؤسساتي بالبلاد مع وجود حكومتين لديهما موظفون ودواوين وما يتبعهما من زيادة في الإنفاق". ولفت إلى أن "قوة الدينار وقوة الاقتصاد وجهان لعملة واحدة كلاهما يحتاج إلى تنوع مصادر الدخل وليس التوقف على النفط فحسب".
وأضاف: "الاقتصاد الليبي سيبقى في انكماش وتباطؤ النمو في حال استمرت وتيرة عدم ترشيد الإنفاق والاعتماد على الاستيراد المفتوح والاستهلاك المفرط وارتباطه بتقلبات أسعار النفط والدولار لأنه اقتصاد ريعي إلا إذا حدثت معجزة، وعصر المعجزات قد انتهى".
وأعرب عن "تفاؤله بصمود الاقتصاد الليبي ونموه في حال تشكلت حكومة موحدة وسلطة قوية قادرة على ضبط الإنفاق وتعزيز الرقابة وتنويع مصادر الدخل وتنوع الاقتصاد".
من جانبه، قال سلامة الغويل، وزير الدول الليبي للشؤون الاقتصادية سابقا، من تأثيرات ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازي على الاقتصاد بشكل عام، موضحا لـ"إرم الاقتصادية"، أن "الاقتصاد الليبي يعتمد على النفط كمورد أساسي ولا يتأثر إلا بارتفاعه وانخفاضه"، لافتا إلى أن ليبيا تنتج مليونا و250 ألف برميل يوميا.
وأرجع الغويل، رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الحالي، في شرق البلاد، الأزمة الاقتصادية، إلى "الانقسام وعدم التوزيع العادل للإيرادات"، مضيفا: "هذه أجواء تزيد من مخاوف أصحاب رأس المال وبالتالي الاقتصاد يستمر أمام مخاطر عدم النمو وتقلبات سعر الصرف وغيرها".
وأوضح أن "الاقتصاد الليبي من 2011، لا يسمح له أن يكون متنوعا بعيدا عن النفط وله مصادر دخل أخرى، وذلك نتيجة الاختلاف وعدم الاستقرار وعدم خلق بنية تحتية تجذب رؤوس الأموال والمستثمرين من الخارج رغم موقع ليبيا مواردها".
وأكد الغويل أن الخلاص من تلك الأزمات يكون عبر سلطة قادرة على إدارة الأموال والتوزيع العادل وجذب ثقة المستثمرين وتلبية مطالب المواطنين. وعادة ما تنفي حكومتا الشرق الغرب وجود أي تقصير من جانبهما في إدارة شؤون البلاد، غير أن اقتصاد البلاد وفق تقديرات البنك الدولي "صامد رغم الانخفاض"، لكن إلى متى لا يعرف.