اجتاحت أسراب الجراد الصحراوي مناطق واسعة في شمال إفريقيا، مخلّفة وراءها دماراً واسعاً في المحاصيل الزراعية، لا سيّما في ليبيا وتونس والجزائر.
ومع تنامي أعداد هذه الآفة السريعة الانتشار، تتصاعد المخاوف من أزمة غذائية واقتصادية وشيكة، خصوصاً مع تسجيل خسائر كبيرة في الحقول وواحات النخيل، وسط تحذيرات منظمات دولية وخبراء زراعة من اتساع رقعة الخطر وغياب تنسيق إقليمي فعال لمواجهته.
وتعرضت مناطق الساحل الإفريقي وشمال إفريقيا، خاصة في ليبيا، لانتشار كبير لأسراب الجراد الصحراوي، بدءاً من مارس الماضي، قبل أن يتنقل إلى تونس ثم الجزائر.
يعد الجراد الصحراوي من أخطر الآفات التي تهدد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في العديد من البلدان، لقدرته الكبيرة على قطع مسافات شاسعة خلال هجرته، وسرعته الفائقة في التكاثر. وقد وصلت بالفعل مجموعات هائلة من الحشرات الكاملة والأسراب الصغيرة إلى وسط الجزائر وغرب ليبيا وجنوب تونس.
لا يعرف الجراد الصحراوي حدوداً جغرافية، فتمتد تهديداته المتكررة إلى تونس والجزائر والمغرب. فهذه الحشرات تتحرك وفقاً للرياح والرطوبة ووفرة الغذاء، ما يجعل المنطقة كلها عرضة لغزواته في أي وقت، خاصة خلال مواسم التكاثر، أو بعد هطول أمطار غزيرة في مناطق صحراوية.
يمكن أن يحوي الكيلومتر المربع الواحد من أسراب الجراد الصحراوي ما يصل إلى 80 مليوناً من الجراد مكتمل النمو، ويستطيع في يوم واحد استهلاك كمية من الطعام تساوي ما يكفي لإطعام 35 ألف شخص.
وفي حديثه لـ«إرم بزنس»، يرى المهندس حسن البريكي، مستشار باللجنة الوطنية الليبية لمكافحة الجراد الصحراوي، أن الخسائر التي يسببها الجراد الصحراوي في مناطق شمال إفريقيا هي خسائر كبيرة بشكل مباشر، موضحاً أن كل حشرة وزنها حوالي 2 غرام، تلتهم ما يعادل وزنها يومياً، وأن كل كيلومتر مربع يحتوي على 40 مليون حشرة، وهذا يعادل حوالي 80 مليون طن من الغذاء، وهو رقم كبير في المتوسط.
تعد منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، الجراد الصحراوي من أخطر الآفات التي تهدد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، حيث تتمثل خطورته في تكاثره في ظروف بيئية ومناخية مختلفة.
في الجزائر، على سبيل المثال، يشكل خطر الجراد الصحراوي تهديداً لـ14 محافظة جزائرية، وقد حذر «المعهد الوطني لحماية النباتات» في البلاد من خطر زحف أسراب الجراد الصحراوي إلى عدة ولايات جنوبية وشرقية، بسبب توقعات بحدوث رياح قوية خلال الفترة الحالية.
بحسب بيان المعهد، فإن «الولايات الأكثر عرضة لهذا التهديد تشهد انعكاسات اقتصادية قوية ومحتملة، حيث يشكل الجراد الصحراوي تهديداً مباشراً للأمن الغذائي في الجزائر، حيث يمكنه التسبب في خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية».
وتتولى هيئة مكافحة الجراد الصحراوي في المنطقة الغربية، التي أنشأتها منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة «الفاو»، والتي دخلت حيز النفاذ في فبراير 2022، ومقرها الجزائر، ويصل عدد أعضائها إلى 13 دولة، أغلبها بلدان غرب وشمال غرب إفريقيا مثل الجزائر، وليبيا، ومالي، وموريتانيا، والمغرب، والنيجر، والسنغال، وتشاد، وتونس. وتهدف الهيئة إلى التشجيع على المستويات القطرية والإقليمية والدولية من خلال الإجراءات والبحوث وتقديم الاستشارات والتدريب لضمان المكافحة الوقائية والردود الملائمة في مواجهة غزوات الجراد الصحراوي.
فيما عبر العديد من الفلاحين في الجزائر عن تخوفهم من الجراد الصحراوي، خاصة أن العديد من المناطق الجنوبية في الجزائر توفر له الظروف الملائمة لتكاثره، من هطول الأمطار وتوفر غطاء نباتي أخضر.
في تونس، تشير التحذيرات الحكومية إلى أن الجراد يمكن أن يُدمّر المحاصيل الزراعية، خاصة في فترة أبريل ومايو ويونيو 2025، التي تشهد ذروة الإنتاج الزراعي، ما قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة وانعكاسات مباشرة على الأمن الغذائي في تونس.
فيما سجّلت وزارة الفلاحة التونسية في وقت سابق، خلال فبراير ومارس وأبريل عدة بؤر لانتشار الجراد في عدد من المحافظات الواقعة بجنوب البلاد، لافتة في هذا الصدد إلى أن أسراب جراد دخلت إلى تونس نتيجة هبوب رياح جنوبية قادمة من جهة ليبيا.
كما حذّرت «الفاو» من حدوث التكاثر الربيعي في جنوب تونس ووسط الجزائر وغرب ليبيا، إذ تتولد مجموعات صغيرة من الجراد مع بداية أبريل.
محمد رجايبية، المكلف بالزراعات الكبرى بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، حذّر من المخاطر الكبيرة التي يشكلها انتشار الجراد في جنوب البلاد، ودعا إلى تعزيز التعاون مع ليبيا والجزائر لحماية الأمن الغذائي والقطاع الفلاحي.
وأكدت وزارة الزراعة التونسية عبر موقعها الإلكتروني، أن عمليات التقصي والرصد والتدخّل تتواصل ضد مجموعات الجراد الصحراوي بالجنوب التونسي (تطاوين، ومدنين، وقبلي، وتوزر وقابس)، وقد بلغت المساحة الإجمالية التي تمّت مداواتها 930 هكتاراً.
أوضحت أن العمليات توزعت بين مداواة أرضية على مساحة 635 هكتاراً، منها 30 هكتاراً باستعمال مبيد بيولوجي شملت المناطق الحساسة إيكولوجياً (محميّة سيدي توي بولاية مدنين)، ومداواة جوية باستعمال المروحية التابعة للشركة الوطنية لحماية النباتات، وذلك على مساحة 295 هكتاراً بولاية تطاوين.
في ليبيا، تضررت نحو 70% من المحاصيل في المناطق التي اجتاحها الجراد الصحراوي، خاصة جنوب ليبيا، في مناطق تازربو وسبها وسمنو وترهونة وبني وليد وتراغن، بحسب إحصاءات اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي.
وغطّت أسراب الجراد 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وتركت حقولاً واسعة وواحات نخيل مدمرة تماماً.
ويُشكّل الجراد تهديداً كبيراً للاقتصاد الليبي، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. ويعتمد عديد من الليبيين على الزراعة بوصفها مصدراً رئيساً للرزق، وقد يتسبب تدمير المحاصيل الزراعية في خسائر كبيرة لهم. يُضاف إلى ذلك أن الجراد لا يكتفي بتدمير المحاصيل الزراعية فقط، بل يضر بالتنوع البيولوجي في المناطق الزراعية من خلال تهديد النباتات المحلية، ما يؤدي إلى فقدان بعض الأنواع النباتية التي تُعدّ أساسية في النظام البيئي، وفق البريكي.
يوضح البريكي لـ«إرم بزنس» أن الجراد الصحراوي آفة حشرية خطيرة تفتك بالإنتاج الزراعي، وهناك مناطق انتشار على رقعة واسعة من ليبيا، باعتبار أنها جزء من التكاثر الربيعي وأيضاً التكاثر الصيفي. وخلال السنوات والعقود الماضية، تعرضت ليبيا إلى الاجتياح العام أو الغزو من أسراب الجراد من العديد من الجهات، كان أبرزها الاجتياح الواسع الذي تم في الفترة من 2003 إلى 2005، والذي شمل تقريباً كل مناطق التكاثر الصحراوي في القرن الإفريقي وجنوب شرق آسيا في المجمل.
فيما يقول الدكتور أبو بكر المبروك المنصوري، المدير العام لشركة «فيجن» للاستشارات في ليبيا، في حديث لـ«إرم بزنس»، إن مشكلة مكافحة الجراد الصحراوي في ليبيا تتلخص في أن ليبيا تعد أحد أهم ممرات أسراب الجراد الصحراوي القادمة من غرب وشرق إفريقيا. ورغم افتقار مراكز مكافحة الجراد في بعض المناطق إلى الإمكانيات اللازمة من مبيدات، وسيارات دفع رباعي، وماكينات، وطائرات رش في مناطق الجنوب الغربي الزراعية، إلا أنها تقوم بعمل كبير على الأرض، خاصة في مناطق الجنوب الشرقي ومناطق بني وليد ووادي زمزم.
أضاف المنصوري أن الوضع الراهن يتمثل في أن الحشرات، بعد أن وضعت البيض، بدأت التحول إلى طور الحوريات، والتي تعمل على التهام أكبر كمية من أوراق الأشجار، وبالتالي يجب القضاء عليها قبل تحولها إلى الحشرة الكاملة.
على مستوى المساعدات، سعت «الفاو» إلى تقديم مبلغ 300 ألف دولار في شكل مشروع دعم للمركز، ولكنه لا يزال في مرحلة الإجراءات. كما تلقى المركز بعض المساعدات من سيارات وبدل ومبيدات، ولكنها لا تكفي للمهام المطلوبة.
فيما طالب المنصوري بضرورة تكوين فرق للمراقبة والرصد بشكل دائم، على أن تكون هذه التجهيزات والجهود تعمل بشكل مستمر ومستدام، بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية لاكتساب الخبرة وتفادي الضرر.
تقرير لجريدة «إل باييس» الإسبانية، حذر من أن غزو أسراب الجراد للمحاصيل الزراعية في ليبيا يهدد بكارثة زراعية قد تضرب البلاد إذا لم تتضافر جهود الحكومتين المتنافستين لمكافحة هذه الآفة.
وقال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي، صالح مبارك، في حديثه لـ «إل باييس»، إن نحو 400 هكتار من الأراضي الزراعية في بني وليد تضررت، فضلاً عن 1600 هكتار من المدن الأخرى، حيث تسببت هذه الحشرة الصغيرة، التي لا يزيد طولها عن 13 سنتيمتراً، في خسائر تُقدّر بالملايين للمزارعين في بلد يعاني أصلاً من جفاف وشح في المياه.
وربط تقرير «إل باييس» بين تغيّر المناخ وانتشار الجراد، حيث ساهمت الأمطار الغزيرة الأخيرة في ظهور برك كبيرة من المياه تُسهّل تكاثر الجراد.
فيما تكثّف الفرق الفنية عمليات المراقبة والتعاون مع الدول المجاورة والمنظمات الدولية للحد من انتشار الجراد وحماية الغطاء النباتي.
قدّر منسق قطاع الزراعة في بلدية تازربو، راضي اسبيق، أن نحو مليوني نخلة تضررت بفعل غزو الجراد، مع وجود قرابة 5 ملايين نخلة أخرى مهددة بالخطر؛ بسبب احتمال فقس البيوض في التربة.
تضم ليبيا أكثر من 10 ملايين نخلة، معظمها في مناطق الجفرة شرق وجنوب شرق البلاد، بما في ذلك مدن هون وودان، وتنتج قرابة 100 ألف طن من التمور سنوياً، بحسب البيانات الرسمية.
ومع وجود أكثر من 400 صنف، تُعد التمور من المحاصيل القليلة التي تُصدرها ليبيا إلى الخارج، وتتجاوز صادراتها 50 ألف طن سنوياً، ما يجعلها من أبرز مصادر النقد الأجنبي للبلاد.
من جهته، دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، الأجهزة المعنية في وزارة الزراعة إلى توحيد جهودها لمكافحة الآفات الزراعية، وإعطائها الأولوية في البرامج التنموية.
أشار البريكي إلى أن اللجنة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي، ومقرها طرابلس، تُعنى بمتابعة الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة، وإعداد خطط المواجهة، مستفيدة من كوادر فنية مؤهلة ومراكز متابعة موزعة على مختلف مناطق البلاد، تعمل على إعداد تقارير دورية، وتنفيذ جولات استكشاف واستطلاع خاصة خلال فترات الأمطار أو عند الحاجة.
وأضاف أن ليبيا الآن بصدد تنفيذ المرحلة الثانية من خطة مكافحة الحوريات قبل وصولها إلى طور الطيران، رغم محدودية الموارد مثل نقص المبيدات، ووسائل النقل الصحراوية، ومتطلبات التشغيل.
في مسح لمنظمة «الفاو» بداية أبريل، حُددت مناطق انتشار مجموعات الجراد البالغ في ليبيا خلال مارس، وتشمل، المناطق المروية في الجنوب الشرقي قرب الكفرة وتازربو، والشمال قرب بني وليد، والوسط قرب زلة وسبها والشرارة، حيث تم الإبلاغ عن سرب صغير ناضج.
وكشفت دراسة أعدها المركز الليبي لأبحاث الصحراء وتنمية المجتمعات الصحراوية أن الجائحة تسببت في خسائر اقتصادية كبيرة للمزارعين في الجنوب، مشيرة إلى أن ليبيا تُعد نقطة عبور رئيسة لأسراب الجراد القادمة من غرب إفريقيا عبر الجزائر إلى مناطق مثل غات والكفرة والقطرون، ثم الجفرة وسرت، ما يعقّد الاستجابة ويتطلب تدخلاً سريعاً ومتكاملاً.
وتوضح الدراسة أن المزارعين يواجهون تحديات حادة في ظل نقص المعدات مثل السيارات وخزانات الرش، ما يصعّب مواجهة أسراب الجراد الضخمة التي تهدد المحاصيل والمراعي. وأوصت بضرورة توفير معدات حديثة ومبيدات فعالة، إلى جانب تعزيز القدرات المحلية لضمان الأمن الغذائي.
ويرى البريكي، في حديثه إلى «إرم بزنس»، أن الحل يكمن في تحرك جميع الجهات المسؤولة في الدول المعنية، مثل ليبيا وتونس والجزائر ومصر، عبر وزارات الزراعة أو الهيئات المختصة، لمواجهة جراد سريع التكاثر والانتقال، قد يقطع حتى 120 كيلومتراً يومياً.
وشدد على أهمية التعاون الإقليمي والدولي من خلال برامج مشتركة، وفرق فنية للمسح وتبادل المعلومات، إلى جانب دعم من الهيئات التابعة لمنظمة «الفاو»، مثل هيئة مكافحة الجراد في المنطقة الغربية الإفريقية (التي تضم 13 دولة بينها مصر وتونس والجزائر وموريتانيا)، وهيئة المنطقة الوسطى (مصر، والسودان، والجزيرة العربية)، وهيئة المناطق الشرقية (أفغانستان، وباكستان، وإيران)، حيث تمثل هذه الهيئات مرجعاً مهماً لتقديم المشورة ومواجهة تهديدات الجراد الزراعية.