رهان جديد في ليبيا تطرحه السلطات المصرفية لمواجهة السوق الموازية، عبر منصة إلكترونية جديدة لتوفير الدولار للأفراد والشركات، في ظل إصلاحات نقدية وسط انقسام سياسي تجاوز عقداً من الزمن.
تلك المنصة التي باعت نقداً أجنبياً مع بدء عملها أوائل أغسطس الجاري بنحو مليار دولار أميركي، يراها خبراء اقتصاد ومال بليبيا، تحدثوا لـ«إرم بزنس»، تساهم في تخفيف الضغط على سوق الصرف، وضبط الطلب على النقد الأجنبي، وتقليص فجوة السعر بين السوق الرسمية والموازية، غير أن اختفاء الدولار الموازي يحتاج لمزيد من الخطط التي تتشابك مع تلك المنصة لاسيما بإصلاحات مصرفية جديدة مرتبطة بسرعة في الإجراءات البنكية.
معلقاً على المنصة الجديدة، يقول المواطن عبدالرؤوف الزنتاني (32 عاماً)، ويعمل موظفاً في قطاع خاص: «تقدمت بطلب عبر المنصة لشراء 2000 دولار لغرض العلاج في تونس، لكن لم يصلني رد حتى الآن».
صفية النعاس، معلمة تخطط للسفر إلى تركيا خلال الصيف، فتقول: «لقد حصلت عبر المنصة على 1500 دولار، وباقي لي 500 دولار ضمن السقف الرسمي للأغراض الشخصية البالغ 2000 دولار سنوياً، لكن هذا المبلغ لا يكفي لتغطية نفقات سفري إلى تركيا. مع ذلك، أفضل أن يكون الدعم من جهة رسمية لتفادي مخاطر النصب أو التلاعب».
ويُذكر أن السقف الأقصى لصرف الدولار يختلف حسب الغرض، حيث يصل إلى 7500 دولار للطلاب، و10000 دولار للأغراض العلاجية.
وبالنسبة لقطاع الشركات، قالت مدير مسؤول، فضل عدم ذكر اسمه، لـ«إرم بزنس» إن المنصة الجديدة تمثل انفراجة مرحلية في تمويل استيراد المواد الخام والسلع الضرورية، ولكنها لا تزال تحتاج إلى سرعة في الإجراءات البنكية، وإلى وضوح في شروط الاعتمادات ونظام رقابي مستقل لضمان عدالة التخصيص.
ويعتقد أن تلك المنصة قد تؤدي إلى تراجع مؤقت في أسعار السوق السوداء بنسبة تتراوح بين 5 إلى 10% على المدى القصير، لكنها لن تنهيها ما لم تُعالج أسباب الفجوة البنيوية في النظام المالي، على حد وصفه.
وتهدف المنصة الجديدة التي انطلقت أول أغسطس الجاري إلى تمكين الأفراد والشركات من الحصول على الدولار عبر آلية شفافة ومنظمة، وخصص المصرف 1.5 مليار دولار للمنصة، منها مليار دولار لاعتمادات الشركات و500 مليون دولار للأغراض الشخصية، مثل السفر والعلاج والدراسة، وبدأ العمل بالمنظومة فعلياً اعتباراً من بداية أغسطس الجاري.
ويرى سلامة الغويل وزير الاقتصاد الليبي السابق في حديثه مع «إرم بزنس» أن آلية صرف العملات الأجنبية الإلكترونية تمثل أداة تنظيمية حديثة هدفها الأساسي ضمان إتاحة النقد الأجنبي عبر قنوات مصرفية رسمية وشفافة، بما يحقق الامتثال للقوانين واللوائح المنظمة لتداول العملة، ويحد من التسرب للسوق الموازية.
ويضيف الغويل أنه من الناحية القانونية، هذه الآلية مُلزمة لكل الأطراف: المصارف، والتجار، والأفراد، وتستمد قوتها من التشريعات التي تنظّم عمليات الصرف والتحويل، ما يمنحها الإطار اللازم لتطبيق الرقابة والمساءلة.
أما من الناحية الاقتصادية، فيرى الغويل أنها تساهم في تخفيف الضغط على سوق الصرف، وضبط الطلب على النقد الأجنبي، وتقليص فجوة السعر بين السوق الرسمية والموازية، مما ينعكس إيجاباً على استقرار الأسعار وحماية قيمة العملة الوطنية.
ويؤكد أن نجاح هذه الآلية يعني تمكين المواطن من الحصول على العملة الأجنبية لأغراض العلاج أو التعليم أو السفر أو الاستيراد الشخصي بسعر عادل، بعيداً عن المضاربات والاستغلال، لكن فعاليتها الحقيقية مرهونة بسرعة التنفيذ، ووضوح الإجراءات، وتكاملها مع سياسات نقدية ومالية متوازنة تعالج جذور الأزمة، لا مظاهرها فقط.
من جانبه، يرى الخبير المالي محمد أبو زريبة، في حديث لـ«إرم بزنس» أن السوق الموازية لن تختفي بمجرد توفير الدولار الرسمي، ما دام هناك طلب غير مغطى، وأرباح مضاعفة للمتعاملين خارج النظام الرسمي، مؤكداً ضرورة وضع خطة متكاملة تشمل إعادة هيكلة المنظومة المصرفية ووالبدء في إصلاحات مصرفية حقيقية لتعزيز الثقة.
وفي سياق التنظيم والدعم لمنصته الجديدة، منح المصرف الليبي وفق بيانات رسمية أواخر يوليو الماضي إذن مزاولة نهائياً لـ52 شركة ومكتب صرافة جديدة، ليبلغ العدد الإجمالي 187 جهة مرخصة تغطي مختلف مناطق البلاد، كما مُنح إذن مزاولة مبدئي لـ108 شركات أخرى.
ورغم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها ليبيا، فإن الاحتياطي النقدي لديها وصل إلى 94 مليار دولار طبقاً لتصريحات رئيس الحكومة عبد الحميد الديببة في مارس الماضي، الأمر الذي سهل من إتاحة مليار ونصف دولار ضمن الآلية الجديدة.
فيما بلغت قيمة الاعتمادات المستندية المحجوزة عبر المنصة الجديدة 2.5 مليار دولار، ووصل إجمالي عدد الاعتمادات المحجوزة حتى الآن 2877 اعتماداً.
وباعت المنصة مليار دولار أميركي، في شكل اعتمادات مستندية وحوالات خلال يومي 3 و4 أغسطس الجاري منها 464 مليون دولار للأغراض الشخصية، علماً بأن فرق سعر الصرف بين السوق الرسمية (5.1 دنانير) والموازية (7.2 دنانير) يتجاوز 40% وفقاً لتصريحات البنك المركزي الليبي.
وكشف مصرف ليبيا المركزي عن هامش الربح المحدد للشركات ومكاتب الصرافة، والذي سيحقق لهم أرباحاً مجزية لمن يريد تنظيم عمله والمقدر 7% على سعر بيع المصرف المركزي ليكون البيع من الصرافة بحوالي 6.8 دينار للدولار كمرحلة أولى.
وفي أبريل الماضي، قرر المصرف الليبي «تخفيض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية 13.3%»، ليصبح 5.5677 ديناراً مقابل الدولار، وكان ذلك أول خفض رسمي منذ عام 2020، عندما حُدِّد السعر عند 4.48 دينار للدولار، فيما بلغ سعره في السوق الموازية 7.20 دينار مقابل الدولار، بحسب ما نقلته «رويترز» آنذاك.