تشهد ألمانيا ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد حالات إفلاس الشركات، ما يثير مخاوف كبيرة بشأن استقرار الاقتصاد الألماني، خاصة في ظل الركود الاقتصادي والضغوط المتزايدة على القطاعات الصناعية الكبرى. ففي الوقت الذي تواجه فيه الحكومة أزمة سياسية، وصناعة السيارات مصاعب كبيرة، تزداد المخاوف من أن البلاد تمر بـ«موجة إفلاس» تهدد الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء. وذلك وفقاً لتقرير نشرته مجلة «شتيرن» الألمانية، استناداً إلى بيانات من وكالة المعلومات الاقتصادية «Creditreform» الألمانية.
تتوقع وكالة «Creditreform» أن يصل عدد حالات الإفلاس في عام 2024 إلى أعلى مستوى له منذ تسع سنوات، مع استمرار الزيادة في العام المقبل.
ويُقدر عدد الشركات المتضررة هذا العام بنحو 22,400 حالة، بزيادة تبلغ حوالي 25% مقارنة بالعام السابق، الذي شهد 17,800 حالة. يُعزى هذا الارتفاع إلى الأزمات المتراكمة في السنوات الماضية، من تبعات جائحة كورونا إلى الأزمات الاقتصادية العالمية، والتي بدأت آثارها تظهر بوضوح الآن.
ويرى باتريك-لودفيغ هانتزش، رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية لدى «Creditreform»، أن «الأزمات السابقة بدأت تؤدي إلى زيادة حالات الإفلاس مع تأخير زمني»، محذراً من أن الجمود في السياسة الاقتصادية وتراجع الابتكار أضعفا الاقتصاد الألماني.
ومع ذلك، عند النظر إلى البيانات التاريخية، فإن الوضع الحالي ليس استثنائياً كما قد يبدو للوهلة الأولى. ففي بداية الألفية، خلال الفترة من 2001 إلى 2011، تجاوزت حالات الإفلاس حاجز 30,000 حالة سنوياً، بل وصلت إلى أكثر من 39,000 حالة في عامي 2003 و2004. وفي المقابل، شهدت فترة جائحة كورونا انخفاضاً غير طبيعي في حالات الإفلاس؛ بسبب التعليق المؤقت لإلزام الشركات بالتقدم بطلبات الإفلاس، ما أدى إلى تأجيل العديد من الحالات.
لكن ما يُقلق الخبراء اليوم ليس فقط العدد الإجمالي للإفلاسات، بل تزايد حالات الإفلاس بين الشركات الكبرى. ففي عام 2023، أصبحت حالات مثل إفلاس سلسلة متاجر «غاليريا كاوفهوف» (Galeria Karstadt Kaufhof)، وشركة السياحة «إف تي آي توريستيك» (FTI Touristik)، بالإضافة إلى شركة الأزياء «إيسبريت» (Esprit)، رموزاً لأزمة أعمق. ووفقاً لـ «Creditreform»، فإن نحو 320,000 وظيفة قد تضررت أو فُقدت بسبب حالات الإفلاس هذا العام، مقارنة بـ205,000 وظيفة في العام الماضي.
تُظهر البيانات أن الشركات الصغيرة، التي يعمل بها أقل من 10 موظفين، تشكل أكثر من 80% من حالات الإفلاس المُسجلة. ومع ذلك، فإن التأثير الأكبر يأتي من الشركات الكبرى التي تتسبب إفلاساتها في خسائر واسعة النطاق للاقتصاد والوظائف.
ويرى خبراء مثل كريستوف نيرينغ، رئيس جمعية وكلاء الإفلاس في ألمانيا، أن الوضع الحالي لا يُعتبر «موجة إفلاس» بالمعنى التقليدي، بل يُعبر عن «شعور عام بالأزمة» نتيجة الارتفاع التدريجي في الأعداد.
من ناحية أخرى، تلعب حركة تأسيس الشركات الجديدة دوراً إيجابياً في موازنة الوضع. ففي عام 2023، سُجلت 118,000 حالة تأسيس شركات ذات أهمية اقتصادية، مقابل 97,000 حالة إغلاق. هذا الاتجاه الإيجابي كان ثابتاً في السنوات الـ20 الماضية، حيث ظلت حالات تأسيس الشركات تفوق عمليات الإغلاق.
في النهاية، يظل الوضع الاقتصادي في ألمانيا حساساً. وعلى الرغم من أن البيانات تشير إلى استقرار نسبي مقارنة بفترات الأزمات السابقة، إلا أن تزايد إفلاس الشركات الكبرى يُشكل خطراً حقيقياً قد يُفاقم التحديات الاقتصادية، خاصة إذا استمرت هذه الاتجاهات في السنوات المقبلة.