logo
المعادن النادرة.. جبهة النفوذ
اقتصاد

العناصر الأرضية النادرة.. ذهب التكنولوجيا وسلاح الجيوسياسية الجديد

هيمنة صينية حتى 2030.. بكين تمسك بمفاتيح السوق العالمي

اندفاعة أميركية بمليارات الدولارات لبناء سلاسل توريد بديلة

الاستدامة وإعادة التدوير.. رهان مكلف لتأمين المعادن الخضراء

تاريخ النشر:19 أغسطس 2025, 04:00 ص

من هاتفك الذكي إلى سيارتك الكهربائية، ومن الطائرات المقاتلة إلى توربينات الرياح. كل هذه الصناعات الحديثة تدور حول سر واحد: العناصر الأرضية النادرة. هذه المعادن الـ17 التي لا يراها معظم الناس ولا يعرفون أسماءها، أصبحت اليوم في قلب صراع جيوسياسي محتدم بين واشنطن وبكين. ومع فرض الصين قيوداً على تصديرها، بدأت خطوط الإنتاج تتعطل، والأسعار تقفز، وسباق عالمي يُفتح على مصراعيه للسيطرة على «ذهب التكنولوجيا الجديد».

في أحدث تطور، كشفت بيانات رسمية أن صادرات الصين من منتجات العناصر الأرضية النادرة (بما في ذلك المغناطيسات) ارتفعت بنسبة 69% خلال يوليو 2025، حيث وصلت إلى 6,422 طناً وهو أعلى مستوى تسجله الدولة منذ يناير الماضي.

يأتي هذا التعافي بعد أن شهدت الصادرات انكماشاً شديداً خلال أبريل ومايو بسبب القيود الصارمة التي فرضتها الصين؛ ما اضطر شركات تصنيع السيارات خارج البلاد إلى تقليص الإنتاج. 

في ذلك السياق، «إرم بزنس» التقت نيها موكيرجي، مديرة أبحاث العناصر الأرضية النادرة في شركة «بنشمارك للذكاء المعدني»، التي أوضحت أنّ هذه المعادن تدخل في كل صناعة تقريباً: من السيراميك والمصابيح، إلى السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والإلكترونيات الاستهلاكية. خمسة منها تُعرف باسم "العناصر المغناطيسية" تُستخدم لصناعة المغناطيسات الدائمة الضرورية للصناعات الدفاعية والتكنولوجية.

هيمنة صينية ممتدة حتى 2030

الصين تهيمن على المشهد بالكامل:

75% من التعدين للعناصر الخفيفة.
85% من عمليات معالجتها.
45% من تعدين العناصر الثقيلة.
99% من معالجتها.

هذه الأرقام تعني أن أي اضطراب في بكين يصل أثره فوراً إلى مصانع السيارات والدفاع في الغرب. بل إن الشركات الأميركية والأوروبية اضطرت مؤخراً إلى وقف الإنتاج أو التحذير من نفاد المخزون بسبب بطء تراخيص التصدير الصينية بعد فرض قيود جديدة على الديسبروسيوم والتيربيوم.

أميركا تدخل السباق

تشرح موكيرجي في حديثها مع «إرم بزنس» أنّ واشنطن دخلت سباق الاستثمار بقوة غير مسبوقة: أكثر من مليار دولار تدفق في ربع واحد فقط، معظمها من الحكومة الأمريكية. أبرزها دعم وزارة الدفاع لشركة « MP Materials» عبر ضمان سعري يبلغ 110 دولارات للكيلوغرام من النيوديميوم والبراسيوديميوم أي ضعف السعر العالمي الذي تتحكم به الصين.

هذا الالتزام منح الشركة قدرة على جذب الاستثمارات وتطوير عمليات فصل العناصر الثقيلة والتوسع في تصنيع المعادن والمغناطيسات. كما دخلت شركات مثل« Lynas » و«Apple» على خط الاستثمار لبناء سلسلة توريد متكاملة خارج الصين. ومع ذلك، تؤكد موكيرجي أنّ الإمدادات الأمريكية ما زالت غير كافية، والحل يكمن في التعاون الدولي وبناء قدرات إضافية داخل الولايات المتحدة.

الاستدامة لم تعد رفاهية

لم يعد الامتثال لمعايير البيئة والحوكمة« ESG» خياراً.

أوروبا سبقت الجميع بإنتاج مواد متوافقة بالكامل، بينما تحاول أمريكا اللحاق. لكن معظم الديسبروسيوم والتيربيوم يأتي عبر ميانمار مروراً بالصين في ظروف تفتقر إلى أي معايير بيئية أو عمالية.

إعادة التدوير تبرز كحل سريع نسبياً لتغطية النقص، لكنها لا تكفي لتكون بديلاً للإمداد الأولي. إلى جانب ذلك، تُستثمر أموال ضخمة في تقنيات التعدين والمعالجة النظيفة، رغم ارتفاع تكاليفها. وتشدد موكيرجي أنّ على المستثمرين إدراك أن السعر الأعلى قد يعكس ممارسات أكثر استدامة وأمناً على المدى الطويل.

أسعار مرشحة للتباين

شهدت الأسعار تقلبات واضحة بعد القيود الصينية:

التيربيوم قفز من 850 إلى 1000 دولار للكيلوغرام.

النيوديميوم والديسبروسيوم بقيت مستقرة نسبياً.

لكن موكيرجي تحذر: «إذا انقسم السوق إلى تسعير صيني وآخر خارجه، قد ترتفع أسعار الديسبروسيوم إلى ثلاثة أضعاف والنيوديميوم إلى الضعف، كما ظهر بالفعل في أوروبا».

خطر الفائض أم فجوة طويلة؟

اعتباراً من 2026 ستدخل طاقات إنتاجية جديدة؛ ما قد يخلق فائضاً مؤقتاً خاصة مع تباطؤ الطلب إثر إلغاء بعض الحوافز. لكن على المدى الطويل، يتوقع أن يبقى الطلب العالمي أكبر من العرض؛ ما يعني استمرار الحاجة لمزيد من المناجم والمصانع.

مؤشرات التنبؤ بالسوق

يوجد عدة مؤشرات حاسمة بحسب موكيرجي:

  • حصص الإنتاج الصينية السنوية أو نصف السنوية.
  • إشارات الطلب مثل حوافز المركبات الكهربائية والدفاع.
  • المخزونات التي قد تخفي حقيقة التوازن.
  • التوترات الجيوسياسية خاصة في ميانمار، التي توفر 35% من الديسبروسيوم والتيربيوم عالمياً.


وتخلص موكيرجي إلى أن السوق مدفوع بالعرض بالدرجة الأولى، لكن هذا العرض يتأثر بعوامل سياسية واقتصادية متشابكة.

المعادن النادرة تحولت إلى سلاح إستراتيجي في سباق القوى العظمى. ومع كل خطوة أميركية لتقليل الاعتماد على بكين، تظل الحقيقة أن الصين ما زالت الممسكة بمفاتيح السوق. غير أن الاستثمارات الجارية، سواء في التعدين أو في إعادة التدوير والتقنيات النظيفة، قد تشكل خلال العقد المقبل بداية فصل جديد في معركة السيطرة على موارد المستقبل.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC