مضاعفة الناتج المحلي رهينة بتوسيع الصناعة
توسّع الطيران يعزز فرص التشغيل ويرفع الاندماج المحلي
تواصل صناعة الطيران في المغرب تحقيق نمو مطّرد، في مؤشر على نجاح المملكة بترسيخ مكانتها كمركز صناعي إقليمي في شمال إفريقيا، مدفوعة ببيئة استثمارية محفزة وتحالفات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية.
وأصبح القطاع أحد أعمدة النسيج الصناعي المغربي، مع توقعات بمواصلة التوسع في الطاقة الإنتاجية وتوطين التكنولوجيا خلال السنوات المقبلة، بما يدعم خطط تنويع الاقتصاد وزيادة القيمة المضافة للصادرات.
وبحسب بيانات رسمية صادرة في أواخر يوليو 2025، سجلت صادرات قطاع الطيران أكثر من 14 مليار درهم (1.55 مليار دولار) في النصف الأول من العام، بزيادة 8.8% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وقال خبراء اقتصاد لـ«إرم بزنس» إن هذه النتائج تنسجم مع الاستراتيجية الوطنية، خاصة مع وصول نسبة المكوّن المحلي في الصناعة إلى نحو 34%. ويتوقع أن يتحول قطاع الطيران، بدعم التوسع الإنتاجي، إلى ركيزة رئيسية للصادرات المغربية بجانب الفوسفات والسيارات، مع حضور متزايد على الساحة الدولية بحلول 2035.
يرى الخبير الاقتصادي المغربي ومدير مرصد العمل الحكومي، محمد جدري، في تصريح لـ«إرم بزنس»، أن لدى الرباط اليوم رؤية اقتصادية واضحة تهدف إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي من 130 مليار دولار في عام 2021 إلى أكثر من 260 مليار دولار في عام 2035.
يؤكد أن هذا الهدف لن يتحقق إلا من خلال دعم منظومة الصناعة، وهو ما تعكسه مؤشرات التوسع الإنتاجي الحالية في صناعة الطيران.
بحسب جدري، فإن ما يحدث في قطاع الطيران يواكب تجربة المغرب الناجحة في قطاع السيارات، الذي بلغ فيه معدل الاندماج المحلي أكثر من 75%، وسجل صادرات بقيمة 15 مليار دولار في العام الماضي.
وأصبح قطاع السيارات علامة فارقة في الاقتصاد المغربي، حيث انتقل من عمليات التجميع البسيطة إلى التصنيع المعقد، لتصبح المملكة في المرتبة الأولى بهذه الصناعة إفريقياً، بفضل منظومة متطورة يقودهما مصنعان كبيران أحدهما الأكبر قارياً. وتستهدف البلاد تجاوز حجم صادراتها من المركبات إلى 20 مليار دولار العام المقبل، وفق «بلومبيرغ».
في نهاية نوفمبر، بلغت صادرات صناعة السيارات 145.9 مليار درهم، بارتفاع 6.7% على أساس سنوي. ويُتوقع أن تسجل العام الجديد 187 مليار درهم، على أن تتجاوز سقف 200 مليار درهم (22 مليار دولار) في 2026، بحسب توقعات بنك المغرب المركزي.
ويسير المغرب في اتجاه مشابه في صناعة الطيران، ساعياً إلى الانتقال من مرحلة التركيب والتجميع إلى صناعة حقيقية، وهو ما يُتوقع تحقيقه قبل نهاية العقد الجاري.
يضيف أن معاملات قطاع الطيران تجاوزت 1.5 مليار دولار في النصف الأول من 2025، وهو رقم مهم يُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتوسيع فرص التشغيل. لكنه يشير إلى وجود تحديات، من بينها ضرورة رفع نسبة الاندماج المحلي، وجذب المزيد من المستثمرين، وتعزيز الاستثمار في تكوين الكفاءات المغربية، من أجل الوصول إلى صناعة طيران متكاملة بحلول عام 2035.
شدد على أن المملكة تسير بخطى ثابتة في هذا المسار، بخطط ترسم آفاقاً واعدة للتوسع الإنتاجي، تجعل من صناعة الطيران جزءًا مهمًا من الاقتصاد الوطني.
من جانبه، أكّد رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، الخبير الاقتصادي رشيد الساري، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن هذا التوسع تؤكده الأرقام الرسمية، حيث نمت صادرات القطاع بنسبة 15% بين عامي 2021 و2022، ثم بنسبة 33% بين عامي 2022 و2023، وارتفعت بنسبة 16% في النصف الأول من عام 2024.
يرجع الساري هذا النمو إلى توجه الرباط نحو نهج صناعي أكثر تميزًا، حيث باتت نسبة الاندماج المحلي تتجاوز 40%، وسط طموحات بالوصول إلى نسب أعلى، خصوصاً في ظل وجود شركاء دوليين يصنعون بالمغرب، مما يجعل أي طائرة تحلق في العالم تضم أجزاءً من صنع المغرب.
يعتقد الساري أن صناعة الطيران في المغرب تملك مقومات الاستدامة، بفضل الكفاءات المحلية والشراكات الدولية، مما يعزز فرص التصدير خلال السنوات المقبلة، خاصة وأنها صناعة استراتيجية تحظى بدعم حكومي، وقد تحقق أرقاماً قياسية بحلول عام 2035.
تعزيزاً لما تحقق من تقدم في صناعة الطيران بالمغرب، قال الخبير الاقتصادي والمستشار الوزاري السابق، بدر الزاهر الأزرق، في حديثه لـ«إرم بزنس»: «استطاعت المملكة، على غرار قطاع السيارات، أن تحقق نجاحات في قطاع الطيران، وأن تُؤسس لحاضنة صناعية متطورة تُنتج العديد من المكونات محلياً، ولديها طموحات أكبر للمستقبل».
أشار الأزرق إلى أن المغرب أصبح اليوم من رواد صناعة الطيران على المستوى العربي والإفريقي، في ظل مساعٍ للتوسع في تصنيع مكونات الطائرات المدنية والعسكرية، وحتى بعض الأجزاء المرتبطة بالمركبات الفضائية. أضاف أن الأرقام الإيجابية المسجلة في صادرات القطاع تؤكد خطوات النجاح الحالية، لكنها تحتاج إلى تسريع وتيرة تطوير التكنولوجيا، وزيادة عدد الشركات والاستثمارات العالمية، لتعزيز نسب الإدماج المحلي. كما شدد على أهمية ربط قطاع الصناعة بالجامعات والمعاهد التقنية، خاصةً في ظل الدعم الحكومي المستمر الذي يعزز فرص النجاح.
أوضح أن نجاحات قطاع الطيران تنضم إلى قطاعات أخرى رائدة في المملكة، مثل الفوسفات، والسيارات، وصناعة الأدوية، والتي تُشكّل جميعها ملامح النموذج الاقتصادي الجديد الذي يتبناه المغرب ويسير بخطى ثابتة نحو تحقيقه.
ما يُشير إليه خبراء الاقتصاد بخصوص واقع ومستقبل صناعة الطيران في المغرب، تدعمه مؤشرات وأرقام رسمية. ففي نوفمبر 2024، قال رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، إن المملكة تخطط للدخول في صناعات أكثر تعقيداً ضمن قطاع الطيران، بعدما أصبحت المزود الرئيسي لقطع غيار الطائرات على مستوى القارة الإفريقية.
أشار أخنوش إلى أن المغرب أنشأ ست منظومات صناعية متكاملة عالية الأداء في هذا القطاع، تشمل مجالات التجميع، والهندسة، والصيانة، ونُظم الأسلاك الكهربائية، والمحركات ومكوناتها، إلى جانب نظامَي توريد متكاملَين، يضمان اثنين من كبار رواد صناعة الطيران العالمي، هما: «بوينغ» (Boeing) و«كولينز» (Collins).
ترجع بدايات صناعة الطيران في المغرب إلى أواخر تسعينيات القرن الماضي، حين أطلقت الخطوط الملكية المغربية بالتعاون مع مجموعة «سافران» (Safran) مشروعاً مشتركاً لصيانة وإصلاح المحركات. وفي عام 2000، بدأ المغرب تصنيع الأسلاك الكهربائية الخاصة بالطائرات.
أكد أخنوش أن المغرب أصبح منصة إقليمية رائدة لصناعة الطيران في إفريقيا، وهو ما تعكسه القفزة في تصنيفه العالمي من المركز 36 سنة 2012 إلى المركز 26 في عام 2023. كما تمكن القطاع من جذب أكثر من 150 شركة دولية، من بينها: بوينغ، وإيرباص (Airbus)، وسافران، وغيرها من الشركات الكبرى التي اختارت المغرب لتوسيع استثماراتها.
وأوضح رئيس الحكومة أن هذا التطور المتسارع ساهم في رفع قيمة صادرات القطاع، والتي تجاوزت 23 مليار درهم في عام 2023، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قيمتها في عام 2013. كما حقق قطاع الطيران أكبر نسبة نمو في الصادرات خلال عام 2024، بزيادة بلغت 21% حتى نهاية أغسطس.
تأتي هذه التصريحات بعد نحو شهر من إعلان وزير الصناعة المغربي، رياض مزور، أن المغرب يعمل على تصنيع أول طائرة كاملة خلال ست سنوات، في خطوة تُعد الأولى من نوعها، من شأنها أن تنقل الصناعة الجوية الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة.
لفت الوزير إلى أن المرحلة المقبلة ستتمثل في تجميع طائرة كاملة داخل المملكة، بعد أن تم تصنيع أول طائرة مسيّرة، ووصلت نسبة الاندماج المحلي في صناعة الطائرات المدنية إلى 42%.
وتُعد منطقة النواصر الصناعية، المعروفة بـ«ميدبارك» قرب مدينة الدار البيضاء، من أبرز مراكز صناعة الطيران في المغرب، حيث تستضيف عشرات الشركات العالمية الكبرى مثل بوينغ وإيرباص، إلى جانب وجود معاهد متخصصة لتكوين الكفاءات البشرية، أبرزها المعهد المتخصص في مهن الطيران ولوجستيك المطارات.