«عادل»: متغيرات المنطقة فرضت إعادة جدولة للإصلاحات
«عبده»: مطالب الصندوق تتجاهل معاناة المواطن
وسط ضغوط على الاقتصاد المصري نتيجة أزمات المنطقة، جاء قرار صندوق النقد الدولي تأجيل صرف الشريحة المالية الخامسة، البالغة 1.3 مليار دولار، للقاهرة، مع دمجها في مراجعة جديدة في خريف 2025.
تلك الخطوة، التي لم تُعلّق عليها مصر بعد، يقرأها خبراء اقتصاد ومال في مصر، تحدثوا لـ«إرم بزنس»، على أنها إما «ضغوط» على القاهرة للتعجيل بتنفيذ مطالب يريدها الصندوق، لا سيما تخارج الدولة من الاقتصاد ورفع الدعم، أو أنها «مدّ أجل للإصلاحات في ظل الظروف العالمية وتداعياتها السلبية على اقتصاديات المنطقة».
تتم المراجعة في إطار برنامج موقّع بين مصر والصندوق في العام 2022، بقيمة 3 مليارات دولار، وارتفع في مارس 2024، مع تخفيض الجنيه، إلى 8 مليارات دولار، ضمن برنامج إصلاح اقتصادي يتضمن خفض تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وتحرير سعر الصرف، وتحسين مناخ الاستثمار الخاص.
ومطلع أبريل الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على صرف الشريحة الرابعة من القرض، بقيمة 1.2 مليار دولار. وبصرف هذه الشريحة، وصل إجمالي ما حصلت عليه مصر بموجب هذا البرنامج، على مدى أربع مراجعات، إلى حوالي 3.2 مليارات دولار، وذلك من أصل 8 شرائح، وفقًا لخطة الصرف التي تتم بناءً على مراجعات دورية حتى نهاية البرنامج في سبتمبر 2026.
بعد زيارة لمصر في مايو الماضي لمراجعة صرف الشريحة الخامسة، المقدّرة بنحو 1.3 مليار دولار، أعلن صندوق النقد الدولي، في 3 يوليو الجاري، أنه يعتزم دمج المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج الدعم المالي لمصر، والبالغ حجمه 8 مليارات دولار، وذلك في خريف 2025.
في إفادة صحفية دورية، قالت جولي كوزاك، المتحدثة باسم الصندوق، إن «فريقاً من صندوق النقد الدولي التقى بمسؤولين مصريين في القاهرة خلال الفترة من 6 إلى 18 مايو»، لافتة إلى أن مناقشات الخبراء مع السلطات أشارت إلى أن «هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لوضع اللمسات الأخيرة على تدابير السياسة الرئيسية، خاصة فيما يتعلق بدور الدولة في الاقتصاد»، مؤكدة أن «مصر بحاجة إلى تعميق الإصلاحات، خصوصًا فيما يتعلق بتقليص ملكية الدولة للقطاعات الاقتصادية».
تأجيل صرف الشريحة الخامسة يعني احتمال صرفها بعد 6 أشهر، «مما يعكس حالة من الترقب من جانب المؤسسة الدولية تجاه أداء الحكومة المصرية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة»، وفق تقديرات أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور علي الإدريسي، في حديث لـ«إرم بزنس».
أرجع الإدريسي أسباب تأجيل الصندوق إنهاء المراجعة الخامسة إلى خمسة بنود، أولها: البطء في تنفيذ برنامج الطروحات، موضحًا أنه «من أصل خطة تستهدف جمع 5 مليارات دولار سنويًا من بيع أصول مملوكة للدولة، لم يتم حتى يونيو 2025 سوى تحقيق ما يقارب 2.3 مليار دولار فقط، معظمها من صفقة رأس الحكمة».
البند الثاني يتعلق، بحسب الإدريسي، بسعر الصرف وسوق العملات، إذ إنه «رغم تحرير سعر الصرف في مارس 2024، فإن الفجوة بين السعر الرسمي وسوق الصرف غير الرسمية عادت للظهور في منتصف 2025». ويُضاف إلى ذلك مستوى الدين الخارجي، إذ ارتفع إلى 169.5 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2025، مقارنة بـ164.7 مليار في نهاية 2024، بحسب بيانات البنك المركزي.
يشير الإدريسي إلى أن البند الرابع يتمثل في عجز الحساب الجاري، قائلاً إنه «رغم تحسن السياحة والصادرات، لا يزال العجز قائمًا، وبلغ نحو 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي».
ويمثل ذلك التأجيل «ضغطًا على مصر بشكل غير مباشر»، لافتًا إلى أن «الصندوق يستخدم هذا التأجيل كأداة ضغط لتحفيز الحكومة على تسريع الإصلاحات، خصوصًا خفض دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص، وضبط سياسة الدعم، وتحقيق كفاءة في الإنفاق»، وفق عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع.
ورغم ذلك، فإن التأجيل «ليس إلغاءً للاتفاق، بل هو إجراء روتيني أحيانًا، خاصة مع دول تمر بتحولات اقتصادية كبيرة مثل مصر»، يضيف الإدريسي.
يرجح إمكانية تلافي ذلك مستقبلًا عبر «مجموعة من الإجراءات كتقديم جدول زمني واضح لبرنامج بيع الأصول، والعمل على مزيد من الشفافية في البيانات المالية والنقدية، وتسريع خطوات تقليص الدعم الموجّه للوقود تدريجياً، وتعزيز استقلالية البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية».
بينما يرى الخبير المصري المصرفي، الدكتور هاني عادل، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن تأجيل الصندوق لصرف الشريحة هو «مدّ أجل للخطوات الإصلاحية المطلوبة من الصندوق».
يعتقد عادل أن «المتغيرات التي شهدتها المنطقة من حروب ونزاعات في غزة وإيران، والتي ما زال أثرها يحمل كثيراً من الأعباء على الاقتصاد المصري، لها دور كبير في إرجاء، أو بالأحرى مدّ أجل، الخطوات الإصلاحية».
فمثل تلك المتغيرات يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تنفيذ الإجراءات الإصلاحية، وهو ما يدركه صندوق النقد الدولي جيدًا ويتفهم تبعاته، ولذلك فإن إرجاء المراجعة جاء بالتوازي مع مدّ أجل الخطوات الإصلاحية، كنتيجة لتلك المتغيرات الإقليمية»، وفق الخبير المصرفي.
تابع قائلاً: «من غير المعقول أن تستمر الدولة في تنفيذ خطوات إصلاحية كان مخططًا لها في ظل ظروف معينة، ولكن مع تغيّر تلك الظروف، فإن الحكمة تقتضي مزيدًا من المرونة والتخطيط للخطوات الإصلاحية في ظل الأوضاع الجديدة، وهو ما حدث بالفعل».
بالمقابل، يرى رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، الدكتور رشاد عبده، في حديث مع «إرم بزنس»، أن الصندوق لا يهمه حدوث حروب أو تداعيات لها، ويكون حرصه على تنفيذ طلباته، خاصة رفع الدعم عن الطاقة، حتى وإن أدى ذلك إلى معاناة المواطنين، لافتاً إلى أن الصندوق «لا يضع في الحسبان نتائج قراراته التي تسببت سابقًا في حدوث أزمات كبيرة».
أضاف: «قد يكون الصندوق قدّم طلبات معينة في هذا الصدد، وردّت القاهرة بأنه ليس الوقت المناسب لتنفيذها، وأنها قد تُنفّذ لاحقًا تقديرًا لمعاناة المواطنين، وبالتالي يضغط عليها بهذا الإرجاء»، لافتاً إلى أن عدم تعليق الحكومة على تلك الخطوة من الصندوق يؤكد أنه قدّم مطالب غير مناسبة، لا يُمكن تنفيذها في ظل أوضاع اقتصادية تتطلب الحكمة وعدم قبول أي ضغوط إضافية.
وبعد أقل من أسبوعين من صرف الشريحة الرابعة، أعلنت مصر في 11 أبريل الماضي رفع أسعار الوقود للمرة الرابعة خلال عام، مع تعهد حكومي بتقليص الدعم تدريجيًا. وارتفع سعر الديزل، الأكثر استخدامًا في النقل والصناعة، إلى 15.5 جنيه للتر (0.30 دولار) من 13.50 جنيه، أي بزيادة نسبتها 14.8%، بخلاف زيادة سعر رغيف الخبز المدعّم بنسبة 300% في مايو 2024، وهي أول زيادة من نوعها منذ أكثر من ثلاثة عقود.