خاص
خاصسعادة الشامي

نائب رئيس الحكومة اللبنانية لـ"إرم": نحتاح قرارات صعبة لتجاوز أزمة لبنان

أعرب نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي عن أسفه لعدم وصول بلاده إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بسبب عدم إقرار الإجراءات الإصلاحية التي التزم لبنان بها عند توقيع الاتفاق الأولي مع الصندوق.

وأشار، في حوار مع "إرم بزنس"، إلى أن الأزمة المالية والمصرفية الحالية في لبنان غير مسبوقة، وأن الخروج منها يتطلب قرارات جريئة وصعبة.

ودعا المسؤولين إلى اتخاذ قرارات صحيحة بأسرع وقت ممكن لأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى تفاقم الأزمة وجعل أي إصلاحات مستقبلية أكثر صعوبة على اللبنانيين.

وقال الشامي، إن المنطقة العربية تواجه اليوم تحديات غير تقليدية ناتجة عن الاضطرابات الجيوسياسية، وتتفاوت تأثيراتها لاسيما على الدول المتاخمة لمناطق الاضطرابات، كما هو الحال بالنسبة إلى الدول المحيطة بفلسطين، حيث التأثير على الاقتصاد أكبر ولا سيما في المجال السياحي.

ورأى أن أحد أسباب فشل برامج صندوق النقد الدولي تتمثل في التراجع عن السياسات المطلوبة تحت الضغط الشعبي نتيجة عملية تصحيح تطال بعض الفئات في المجتمع.

وفي ما يلي نص الحوار:

* بحكم موقعك ومسؤوليتك عن الملف الاقتصادي والعلاقة مع صندوق النقد، أين أنتم اليوم من الاتفاق الذي أبرم مع الصندوق؟

 - نقترب من الذكرى الثانية لتوقيع الاتفاق الأولي، لكن للأسف لم نصل بعد إلى الاتفاق النهائي لأن لبنان لم ينجز حتى الآن كل الإجراءات المسبقة الضرورية للوصول إلى هذا الاتفاق.

 الحكومة قدمت خطة تعافٍ اقتصادي متكاملة إلى مجلس النواب عام 2022، وكذلك مشاريع القوانين المطلوبة.
وأقر البعض منها وإن لم يكن بالشكل المطلوب، ولكن الجزء الأكبر من الإجراءات المطلوبة، إن كان من مجلس النواب أو من مصرف لبنان لم تقر بعد.

وفي هذه الأثناء، ننتهز الفرصة لنحاول تحديث وتطوير بعض القوانين كقانون تنظيم المصاريف وإعادة تفعيلها والذي دمج مع قانون معالجة الفجوة المالية في القطاع المصرفي وقدم مؤخرا إلى مجلس الوزراء، ولكن لم يبحث بعد نظراً إلى أن العديد من الفرقاء طلبوا المزيد من الوقت لدراسته وإبداء الملاحظات عليه.

وأتمنى أن يناقش هذا القانون في مجلس الوزراء بأقرب وقت ممكن حتى تتم إحالته كمشروع قانون إلى مجلس النواب. 

كما تعرفون، فإن الوضع الاقتصادي والمالي صعب للغاية والأزمة كبيرة وغير مسبوقة في التاريخ الحديث، فالخروج من هذه الأزمة يتطلب قرارات جريئة وصعبة وعلى جميع المسؤولين أن يقفوا أمام مسؤولياتهم وأمام التاريخ ليأخذوا القرارات الصحيحة وبأسرع وقت ممكن لأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى تفاقم الأزمة وجعل أي إصلاحات مستقبلية أكثر صعوبة على اللبنانيين.

* ما التحديات التي يواجهها الاقتصاد العربي حالياً؟

- لا شك أن عدداً غير قليل من التحديات التي تواجه الاقتصاد العربي اليوم، منها ما هو تقليدي سابق، ومنها ما هو ناتج عن الوضع الحالي بالمنطقة في ظل الاضطرابات التي تواجهها.

وكما هو معلوم، يتميز الاقتصاد العربي وبالأخص الاقتصاد في منطقة الخليج باعتماده على أسعار النفط التي هي عرضة للتقلبات السريعة ومعها الأداء الاقتصادي، خاصة آن معظم دول الخليج تتبع سياسات Pro-cyclical- أي أن النفقات ترتفع مع ارتفاع الأسعار وتنخفض مع انخفاضها، ما يؤدي الى تقلبات حادة في السياسة المالية ويترافق مع أثر سلبي على نسب النمو.

أما في الدول غير النفطية، فهناك مشاكل مزمنة لكنها من نوع مختلف، وتتعلق بضعف الموارد الطبيعية وعجوزات كبيرة في الموازنة واعتماد مفرط على الاستيراد ما يؤدي إلى ضغط على الحساب الجاري وخفض الاحتياطات الأجنبية ما يؤدي استطراداً إلى ضغط على أسعار الصرف.  

* وماذا عن التحدي المستجد والمتصل بتأثير الحرب في غزة؟

- هذا العامل يصنف ضمن المشاكل الجديدة، وتأثيره كبير جداً على الدول التي لها حدود مع فلسطين، وخاصة على القطاع السياحي، وإن يكن التأثير على السياحة في لبنان أقل لأن معظم القادمين إلى البلاد لبنانيون يعملون في الخارج ولا يتأثرون بأحداث غزة كما يتأثر السياح الأجانب، إلا اذا تطورت الأمور أكثر في الجنوب اللبناني.

كما أن الحرب في غزة أثرت سلباً على الاستثمار والاستهلاك في الدول المجاورة لأن الجميع في حالة انتظار لتطورات الحرب وماذا سيحدث ما يؤثر على مستوى النمو الاقتصادي ومستوى العمالة.

* كخبير سابق في صندوق النقد، كيف تقرأ التعثر أو الصعوبات التي تواجه دولاً في تطبيق البرامج معه؟

- تتردد الدول بالذهاب إلى الصندوق.. ولا تلجأ له إلا مضطرة، لإدراكها أن هناك شروطاً صارمة سيطلبها قبل الوصول إلى الاتفاق (شروط مسبقة)، وخلال تنفيذ برنامج التصحيح الاقتصادي والمالي.

صحيح أن الشروط والسياسات المطلوبة ترمي إلى تأمين إعادة الأموال التي يقرضها الصندوق الى البلد المعني، لكنها تهدف أساساً لتصحيح الخلل الحاصل ومساعدة البلد على النهوض من كبوته بإقراضه وبتأمين التمويل الإضافي من الدول الأخرى والمؤسسات المالية الدولية.

بالعودة الى سؤالك، عندما تتفاقم الأزمة الاقتصادية ويتدخل الصندوق يعني أن الحلول ليست بسهلة، بل تتطلب حلولاً صعبة التنفيذ وإرادة سياسية جامعة وقرارات جريئة وصارمة من قبل المسؤولين.

وفي الكثير من البلدان التي تعاني من صعوبة في اتخاذ هذا النوع من القرارات يتعثر برنامج الصندوق وقد يتوقف الدعم الى حين الرجوع الى تنفيذ السياسات المطلوبة.

هذه الصعوبة تنتج عادة في المجتمعات المتشرذمة حيث لا توجد أغلبية كبيرة وساحقة لمجموعة سياسية معينة تمكنها من فرض إرادتها على الباقين، ولكن حتى وإن وجدت هذه الأغلبية، قد تضطر إلى التلكؤ في تنفيذ ما يطلب منها لأسباب انتخابية خوفاً من خسارة أغلبيتها في الانتخابات القادمة.

وقد تكون نسبة نجاح أي تصحيح اقتصادي بمساعدة الصندوق أكبر عنما تكون المدة الفاصلة بين تطبيق البرنامج والانتخابات التشريعية أطول.

كما أن أحد أسباب فشل برامج الصندوق تتمثل في التراجع عن السياسات المطلوبة تحت الضغط الشعبي نتيجة عملية تصحيح تطال بعض فئات المجتمع.

* ألا يتحمل الصندوق مسؤوليات عن حالات التعثر؟

- كل ما سبق مبني على فرضية أن الإصلاحات والسياسات الاقتصادية والمالية المطلوبة من صندوق النقد الدولي هي سياسات ملائمة وصحيحة وتأخذ بعين الاعتبار أوضاع البلد الاقتصادية وكذلك الوضع السياسي القائم.

لكن في أغلب الأحيان يغيب عن بال الصندوق عند إعداد مذكرة التفاهم الاقتصادية والمالية الأوضاع السياسية والنسيج المجتمعي والتي تفرض نفسها وتعيق تنفيذ بعض الشروط. كما أن الصندوق يخطئ أحياناً في تشخيص المشاكل وكيفية معالجتها.

وحدث ذلك عدة مرات في السابق وأشهرها عند معالجة الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا في أواخر التسعينات من القرن الماضي وقد اعترف الصندوق بذلك عند إجرائه عملية تدقيق ذاتي.

ومن الأخطاء التي يمكن الإضاءة عليها هي التركيز بشكل كبير على المدى القصير في معالجة الاختلالات الماكرو اقتصادية دون العناية الكافية بتداعيات البرنامج على المدى الطويل ما يستدعي سلسلة متلاحقة من البرامج مع الصندوق.

في الخلاصة، تتعثر برامج الصندوق في بعض الدول إما لأسباب داخلية وسياسية ناتجة عن عدم اتخاذ القرارات الصعبة التي يتطلبها الوضع الاقتصادي المأزوم والتي تتطلب جرأة في القرار، أو لأسباب تعود إلى أخطاء في تشخيص المشكلة ووسائل المعالجة من قبل الصندوق. ولكن عندما يكون تشخيص المشاكل وطرق معالجتها جيد، ويترافق ذلك مع إرادة سياسية قوية تسمح باتخاذ القرارات المطلوبة يمكن لبرامج صندوق النقد الدولي ان تتكلل بالنجاح كما حصل في العديد من الدول.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com