خبراء: حلم التخلص من الوقود الأحفوري مؤجل لنهاية القرن

خاص
خاصحفار نفط - رويترز
قال خبراء طاقة إن العالم سيحتاج الوقود الأحفوري حتى نهاية القرن الجاري، خاصة أن المتاح من الطاقة النظيفة المتجددة لا يكفي لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، وذلك بعدما كشف تقرير أممي، أن الحكومات تخطط لإنتاج حوالي 110% من الوقود الأحفوري، بنسبة أكبر مما يتسق مع هدف حصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية، على الرغم من تعهد 151 دولة بتحقيق هدف الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر.

الخبير في اقتصاديات الطاقة الدكتور نهاد إسماعيل، يرى أن شركات الطاقة الكبرى تواصل ضخ الاستثمارات في مشروعات الوقود الأحفوري، بسبب ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة، مشيرا إلى توقعات منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بارتفاع الطلب العالمي على النفط إلى 116 مليون برميل بحلول عام 2045.

وأضاف، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية" من لندن، أن الشركات الكبرى مثل إكسون موبيل الأميركية تستحوذ على المزيد من شركات إنتاج الزيت الصخري لرفع قدراتها الإنتاجية، وأهم الصفقات التي نفذتها كانت مع شركة بايونير Pioneer Oil، ثالث أكبر منتج للنفط في حوض بيرميان -الأكبر في الولايات المتحدة- بعد شركتي "شيفرون" و"كونوكو فيليبس".

شركات الطاقة الكبرى تواصل ضخ الاستثمارات في مشروعات الوقود الأحفوري بسبب ارتفاع الطلب العالمي
الدكتور نهاد إسماعيل - خبير طاقة
طلب متزايد

وتابع خبير اقتصاديات الطاقة، أن الاستثمارات في قطاع الوقود الأحفوري لم تتوقف، بل إن وكالة الطاقة الدولية في أكتوبر 2021، حثت على ضخ المزيد من الاستثمارات في أعمال الاكتشاف والتنقيب، متوقعة ارتفاع الطلب على النفط إلى 110 ملايين برميل يوميا بحلول 2030.

أما الطلب على الغاز الطبيعي الذي وصل إلى أكثر من 4 تريليونات متر مكعب خلال 2022، فإنه بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، سينمو بمعدل 1.6% سنويا حتى 2026، وسيستمر في النمو في الأعوام التالية لذلك.

وتابع أن الطلب على الفحم الحجري الملوث الأكبر للبيئة والمناخ، وصل هذا العام إلى 4.7 مليار طن، مشيرا إلى أن دولا كبرى مثل الصين والولايات المتحدة تعد من أكبر المستهلكين للفحم لأغراض صناعية. 

تحديات ضخمة

وأمام هذا الكم الضخم من استخدام الطاقة الأحفورية، بحسب "إسماعيل"، ستكون هناك تحديات كبيرة أمام خطط الانتقال للطاقة المتجددة، حيث إن النفط والغاز الطبيعي لا غنى عنهما للتنمية الاقتصادية في الدول النامية والمتقدمة، وهو ما يضع العالم أمام معضلة حقيقية، بين استمرار الاعتماد على مصدر اقتصادي موثوق وعملي للطاقة من جهة، وبين جهة أخرى تشير إلى أن الوقود الأحفوري يُسهم في زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يؤدي إلى التغير المناخي وتزايد الاحترار العالمي.

النفط والغاز الطبيعي لا غنى عنهما للتنمية الاقتصادية في الدول النامية والمتقدمة
الدكتور نهاد إسماعيل - خبير طاقة

وفي قمة سنغافورة للطاقة، التي عقدت في أكتوبر 2020، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إنه "على العالم أن يبحث كل الخيارات لتخفيف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في حربه ضد تغير المناخ، لكن التخلص من النفط والغاز سيكون بعيد المنال، وغير واقعي. ينبغي أن تكون هناك دراسة لكل الخيارات، لتخفيف الانبعاثات لمكافحة تغير المناخ".

نهاية النفط

وشدد الخبير في اقتصاديات الطاقة الدكتور نهاد إسماعيل، على أن الطاقة المتجددة لا تعني نهاية الطاقة الأحفورية بل سيكون هناك مزيج طاقة. وقال إن الانتقال للطاقة المتجددة سيستغرق عقودا من الزمن بسبب الحاجة إلى استثمارات ضخمة سنويا، وفي ظل تقلص الميزانيات والتضخم وارتفاع المديونية العالمية، لا تستطيع الدول إنفاق ما يكفي بالسرعة المطلوبة.

وأوضح: "في بريطانيا اتبعت الحكومة سياسة التمييع لسياسات حماية البيئة، وبدأت في ضخ استثمارات جديدة في بحر الشمال للنفط والغاز".

وبحسب "إسماعيل" فإن الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير 2022، كانت كاشفة لأهمية الوقود الأحفوري، سواء النفط أو الغاز، لأمن الطاقة العالمي.

وأشار إلى تقرير الشركة الاستشارية العالمية "ود ماكينزي"، التي أكدت أن هناك حاجة لضخ 2.7 تريليون دولار سنويا، استثمارات في قطاعات النفط والغاز، متسائلا: أليس هذا دليلاً على الثقة بمستقبل الوقود الأحفوري؟

الطاقة المتجددة لا تعني نهاية الطاقة الأحفورية، بل سيكون هناك مزيج طاقة
الدكتور نهاد إسماعيل - خبير طاقة

استهلاك الطاقة في العالم

وبحسب تقرير معهد الطاقة (Energy Institute) الصادر منتصف عام 2023، فإن استهلاك الطاقة حول العالم، شهد ارتفاعا بنحو 1.1%، خلال عام 2022، مع استمرار النفط والغاز والفحم في تغطية 82% من الطلب على الطاقة. 

وكشف التقرير أن الطلب على النفط ارتفع بمقدار 2.9 مليون برميل يوميًا، ليصل إلى 97.3 مليون برميل يوميا خلال عام 2022، فيما تراجعت حصة الغاز الطبيعي في مزيج استهلاك الطاقة الأولية إلى 24% خلال عام 2022، بالمقارنة مع 25% عام 2021، بسبب ارتفاع أسعار الغاز إلى مستويات غير مسبوقة في أوروبا وآسيا، جراء أزمة روسيا وأوكرانيا.

وأسهم الفحم في زيادة استهلاك الطاقة عالميًا، إذ ارتفع الطلب على الوقود الأسود بنحو 0.6%، العام الماضي، ليصل إلى 161 إكساجول، وهو أعلى مستوى منذ عام 2014.

كذلك زاد توليد الكهرباء عالميًا بنسبة 2.3% في عام 2022، وشكّلت طاقة الرياح والطاقة الشمسية معًا 12% من حصة توليد الكهرباء خلال العام الماضي، لتتجاوز التوليد من الطاقة النووية.

ورغم ذلك؛ فقد ظل الفحم هو الوقود المهيمن على توليد الكهرباء في عام 2022، بحصة تبلغ 35.4%، بانخفاض طفيف عن 35.8% في عام 2021، في حين استقرت حصة الغاز الطبيعي عند 23%.

  استثمارات ضخمة

الباحث والخبير في شؤون الطاقة، الدكتور دريد عبدالله، يرى أن الثورة الصناعية كانت أول أسباب التغير المناخي، الذي تسارعت وتيرته بعد الحرب العالمية الثانية، حتى تفاقمت الأزمة في العصر الحالي.

وأشار "عبدالله"، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية" من ألمانيا، إلى أن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتنمية الطاقة الجديدة والنظيفة أمر مهم، وبدأت الحكومات في تدارك ذلك من خلال التوسع في الاعتماد عليها سواء الطاقة الشمسية أو النووية أو الرياح، وغيرها من المصادر الجديدة للطاقة.

وأضاف أن الأزمة التي ستظل تلاحق مصادر الطاقة الجديدة، هو حاجتها إلى استثمارات ضخمة وفترات زمنية طويلة من أجل إمكانية الاعتماد عليها بشكل رئيسي.

وأوضح الخبير في شؤون الطاقة، أن العلاقة بين أنواع الوقود الأحفوري ليست تنافسية ولكنها تكاملية بين النفط والفحم والغاز، التي تُعتبر بمثابة المثلث الذهبي للطاقة وستظل مهيمنة على استهلاك الطاقة عالميا لمدة لن تقل عن 3 عقود قادمة على الأقل.

وقال: العالم لا يستطيع "فطم" نفسه عن استخدام الوقود الأحفوري، الذي شكل نحو 75 -80% من الطاقة المستهلكة على مستوى العالم خلال عام 2022، وقد رسخت الأزمة الروسية الأوكرانية أهمية الوقود الأحفوري لأمن الطاقة على مستوى العالم.

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com