مع استمرار صدور البيانات التي تشير إلى أن الفيدرالي الأميركي حقق المهمة المستحيلة وبدأ ينتصر في معركة التضخم، كان لابد وأن يتزامن مع إعلان النصر، إعلان آخر بهزيمة سيد العملات، الذي اقترب من ذورة ارتفاعاته خلال 2023، من قمم تاريخية.
ومع تحقيق بنك الاحتياطي الفيدرالي مهمة رآها البعض مستحيلة، ووصفها البعض الآخر بالمعجزة، حيث نجح في تحقيق الهبوط الناعم حتى الآن، بعدما كبح جماح التضخم وخفض الأسعار، دون الوقوع في فخ الركود العميق، إلا أن الحفاظ على النصر دون الانزلاق في هبوط عنيف بات يستدعي تقييد سلاح الفيدرالي، وهو الفائدة عند المستويات الحالية قبل أن يتجه إلى خفضها، وجراء تلك التوقعات فقد الدولار قدرته على الصعود أو الصمود .
أول خسارة
ورغم الصعود في نهاية تداولات العام، إلا أن الدولار سجل أول خسارة سنوية منذ عام 2020 أمام اليورو وسلة من العملات.
جاء ذلك بفضل توقعات السوق بأن يبدأ مجلس الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، في مارس على أقرب تقدير، أو مايو في التقدير الأطول أمدًا.
اقرا أيضًا- العراق وحرب الدولار.. النتائج بدأت في الظهور
تركيز الأسواق
وسيكون السؤال الأهم في العام المقبل، حول متى يبدأ مركز الاحتياطي الاتحادي خفض أسعار الفائدة؟
وما إذا كان الخفض الأول لسعر الفائدة سيهدف لتجنب الإفراط في تشديد السياسة النقدية مع انخفاض التضخم، أو بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي الأميركي.
ومنذ أطلق المركزي الأميركي دورته لتشديد السياسة النقدية في أوائل 2022، كانت التوقعات المرتبطة بمقدار الحاجة لرفع الفائدة محركا أساسيا للدولار.
وفي غضون ذلك ارتفعت أسعار الفائدة بأكثر من 500 نقطة أساس، وصولًا إلى أعلى مستوى في 22 عامًا بعد 12 عملية رفع للفائدة.
إيجابي وسلبي
ولكن مع تواتر البيانات الاقتصادية، التي تشير إلى استمرار تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة، وهو الأمر الإيجابي للفيدرالي تحول تركيز المستثمرين للموعد، الذي قد يبدأ فيه البنك المركزي خفض أسعار الفائدة، وهو ما جاء بالسلب على تداولات الدولار.
واكتسبت هذه التوقعات زخما بعد الميل للتيسير في اجتماع البنك المركزي حول السياسة النقدية في ديسمبر.
اقرأ أيضًا- حرب وتخفيضات.. النفط يفوت فرصة ذهبية
خسارة سنوية
وصعد الدولار مقابل سلة من العملات 0.13% إلى 101.32، مرتفعا من أدنى مستوى في خمسة أشهر عند 100.61، الذي سجله أول أمس الخميس.
ومع ذلك انخفض مؤشر الدولار بنسبة تتجاوز الـ 2% خلال هذا العام، وبانخفاض بنسبة 4.62% خلال الربع الأخير من 2023 وهو أسوأ أداء خلال عام.
أداء اليورو
وبنهاية تعاملات أمس الجمعة انخفض اليورو 0.19 % إلى 1.1040 دولار، ليحوم دون أعلى مستوى في خمسة أشهر عند 1.11395 دولار الذي بلغه أول أمس الخميس.
بيد أن العملة الأوروبية ارتفعت بأكثر من 3% وهو أول عام إيجابي لها منذ عام 2020.
الوجهة تتبدل
عاش الدولار رحلة مليئة بالتقلبات خلال عام 2023، ولعل أبرزها كان في شهري مارس وديسمبر.
في مارس من العام الجاري قال رئيس الفيدرالي الأميركي جيروم باول: "البنك منفتح على رفع أسعار الفائدة لأبعد مما تتوقع الأسواق"..
لينطلق الدولار حينذاك بالسرعة القصوى قبل أن تخمد نيران أزمة انهيار البنوك الأميركية بقيادة سيلكون فالي من فورة ارتفاعات العملة الخضراء.
بيد أن الفيدرالي عاد عن تصريحاته السابقة في ديسمبر الجاري، حينما قال رئيس الفيدرالي: "نعتقد أن أسعار الفائدة وصلت إلى ذروتها ومستويات يمكن أن تقيد عندها لفترة"..
وجاءت التصريحات الأخيرة لتلهم مكاسب الدولار وتشعل التوقعات بقرب انعكاس دورة التشديد النقدي وسط تباين في الآراء التي تتأرجح بين مارس ومايو المقبلين، موعدًا لبدء خفض الفائدة وتحول السياسة النقدية.
اقرأ أيضًا- عام تاريخي لوول ستريت.. الرهانات تقلب مسار الأسواق
تسعير الفائدة
وفي ظل البيانات الاقتصادية التي تشير إلى استمرار تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة، تحول تركيز المستثمرين للموعد الذي قد يبدأ فيه المركزي في خفض أسعار الفائدة.
وتتوقع الأسواق الآن فرصة قدرها 79% لخفض أسعار الفائدة بدءا من مارس المقبل 2024، وفقا لخدمة فيد ماركت ووتش.
وتتجه عائدات الخزانة الأميركية نحو الانخفاض بسبب التوقعات المتزايدة بشأن أول خفض لأسعار الفائدة.
العملات الرئيسة
وفي غضون ذلك حقق الإسترليني مكاسب سنوية بنسبة 5% وهو أفضل أداء له منذ 2017.
وفيما يتعلق بالدولارين الأسترالي والنيوزيلندي الحساسين للمخاطر فقد ارتفعا بنسبة 3.5 و3% خلال الشهر على التوالي، على الرغم من أنهما لم يشهدا تغيرا يذكر خلال العام.
في حين سجل الين انخفاض بأكثر من 7% في 2023 ليواصل التراجع للعام الثالث بضغط من السياسة النقدية فائقة التيسير، التي يتبناها بنك اليابان، وصولا إلى مستويات قرب 142 ينا للدولار.
وفي الوقت ذاته تراجع اليوان الصيني ليسجل خسارة سنوية تقارب 3% بضغط من تعثر تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم من تداعيات كورونا.
وبلغ اليوان في أحدث تعاملات 7.0925 للدولار، في حين وصل سعره في الخارج إلى 7.0898 للدولار.
اقرأ أيضًا- السعودية.. تفاصيل هيئة الألعاب والرياضات الإلكترونية
اتساع الخسارة
وتوقع محللو بنك MUFG تزايد خسائر الدولار الأميركي حتى مع الوصول إلى مستوى منخفض جديد لم يشهده منذ يوليو الماضي.
وقام المحللون في المصرف الياباني MUFG بخفض توقعاتهم للعملة الأميركية مع زيادة المؤشرات على تباطؤ التضخم ومؤشر نفقات المستهلك.
وقال الاقتصاديون في بنك MUFG: "في حال وصل معدل نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، إلى هدف الفيدرالي 2.0%، ستزيد التكهنات، باحتمالية أن يبدأ الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة بوقت مبكر من شهر مارس 2024".
وأشار المحللون في البنك الياباني إلى أنه من المحتمل، أن يستمر مؤشر الدولار الأميركي في الانخفاض أكثر، بسبب البيانات الاقتصادية المرتقب صدورها.
مزيد من الضغط
وقال كبير محللي السوق لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في أواندا كلفن وونغ: "تتجه عائدات الخزانة الأميركية نحو الانخفاض بسبب التوقعات المتزايدة بشأن أول خفض لأسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي في مارس".
وأضاف وونغ: "أسعار الذهب والأسهم متحفزة للغاية في الوقت الحالي في ظل توقعات خفض الفائدة".
بداية الخفض
وتوقع خبراء البنك الياباني MUFG توقعوا أن يضعف الدولار الأميركي، مقابل اليورو والجنيه الإسترليني ولكن لفترة قصيرة.
وقال المحللون لدى بنك MUFG: "الفيدرالي الأميركي قد يبدأ في خفض الفائدة بشهر مارس القادم، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الدولار بشكل واضح".