تغلق الأسواق الأميركية فصلاً تاريخياً مضطرباً عند مستويات قياسية، وسط رهان العديد من المستثمرين على أن موجة الصعود لم تنته بعد.
فالتراجع الحاد الذي شهدته الأسواق في أبريل، والذي دفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى شفا سوق هابطة، أصبح من الماضي وتم تعويضه بالكامل. إذ ارتفع المؤشر بنحو 8% منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية واسعة النطاق أحدثت اضطراباً كبيراً في الأسواق، بحسب وول ستريت جورنال.
اليوم، بات لدى المستثمرين أسباب إضافية للتفاؤل، إذ سجل كل من «ستاندرد آند بورز 500» ومؤشر «ناسداك المركب» مستويات قياسية جديدة يوم الجمعة. وتُظهر نتائج الشركات القوية والبيانات الاقتصادية المتماسكة أن وتيرة النمو لا تزال صامدة، في حين يسير التضخم بالقرب من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. كما أن البنوك التي خفضت توقعاتها لنهاية العام مثل «جيه بي مورغان تشيس» و«غولدمان ساكس»، بدأت في رفعها مجدداً.
هذا التفاؤل دفع بأسهم بعض القطاعات القوية إلى تحقيق مكاسب جديدة. فقد انتعشت موجة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بعد بداية متعثرة هذا العام، عندما أدى ظهور نموذج ذكاء اصطناعي متقدم من الشركة الصينية الناشئة «ديب سيك» إلى محو مليارات الدولارات من القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا العملاقة مثل «إنفيديا».
وارتفعت أسهم «إنفيديا» بنسبة 17%، وأسهم «ميتا بلاتفورمز» بنسبة 25%، كما أضافت «مايكروسوفت» نحو 18% إلى قيمتها. وقفزت أسهم شركة تحليل البيانات «بالانتير تكنولوجيز» بنسبة 73%، وارتفعت أسهم شركة تصنيع الرقائق «برودكوم» بنسبة 16%.
كما صعد سعر «بيتكوين» مجدداً ليتجاوز 100 ألف دولار، مدعوماً بتجديد ترامب تعهده بجعل الولايات المتحدة «عاصمة العملات المشفرة في العالم»، في وقت يتحرك فيه الكونغرس لتمرير تشريعات قد تُدخل العملات الرقمية في النظام المالي التقليدي. وكانت «كوينبيس» في طليعة شركات العملات المشفرة التي قادت موجة التعافي منذ أدنى مستويات أبريل، محققة مكاسب بنحو 130%.
لكن في المقابل، يحذر البعض من أن الضرر الاقتصادي الناتج عن الرسوم الجمركية قد يظهر مع الوقت، من خلال تباطؤ النمو، وعودة التضخم، وتأثر أرباح الشركات. فقد أعلن ترامب يوم الجمعة تعليق محادثات التجارة مع كندا، احتجاجاً على ما وصفه بالرسوم «الفاضحة» على منتجات الألبان وضريبة الخدمات الرقمية التي تطبقها كندا على شركات التكنولوجيا الأميركية.
هذه المخاوف دفعت الاحتياطي الفيدرالي إلى التوقف مؤقتاً عن خفض أسعار الفائدة، كما أن القلق بشأن مشروع ترامب الضريبي والعجز الضخم في الولايات المتحدة أدى إلى هبوط الدولار بنسبة 8.1%.
وسجل العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات نحو 4.283% يوم الجمعة، منخفضاً من 4.577% نهاية العام الماضي، بحسب بيانات «تريدويب».
قالت سايرا مالك، كبيرة مسؤولي الاستثمار في «نوفين»: «الاقتصاد الأميركي لا يزال قوياً، لكن هذا لا يعني أن النصف الثاني من العام سيكون سهلاً. لم تظهر حتى الآن انعكاسات الرسوم الجمركية في بيانات التضخم، لكنني أعتقد أننا سنراها خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة».
وقد انعكست هذه المخاوف أيضاً في موجة شراء قوية للأصول الآمنة، مثل: العقود الآجلة للذهب والفضة، والتي سجل كل منها ارتفاعاً بنحو 25% منذ بداية العام.
كما تفوقت أسهم الشركات الدفاعية، مثل: المرافق العامة - التي يلجأ إليها المستثمرون في أوقات القلق بشأن النمو - على مكاسب المؤشر القياسي البالغة 5%. في المقابل، تراجعت أسهم القطاعات الدورية التي ترتفع عادة مع قوة الاقتصاد، مثل: أسهم السلع الاستهلاكية وأسهم الشركات الصغيرة.
وقال ديفيد لوندغرين، كبير استراتيجيي السوق ومدير المحافظ في «ليتل هاربر أدفايزرز» لوول ستريت جورنال: «هذا ليس النمط التقليدي لقيادة السوق الصاعدة... هذا ليس الوقت المناسب للدخول بقوة إلى سوق الأسهم؛ لأن البيئة الحالية هشة ومتصدعة للغاية».
وفيما يثير قلق المستثمرين، فقدت بعض أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى المعروفة بـ«السبع العظيمات» بريقها. حيث تراجعت أسهم «تسلا» بنحو 20% منذ بداية العام، متأثرة بانخفاض المبيعات في الصين وردة فعل المستهلكين على دور إيلون ماسك وعلاقته المتوترة مع إدارة ترامب لاحقاً. كما هبطت أسهم «آبل» بنسبة 20% و«ألفابت» المالكة لـ«غوغل» بنسبة 5.7%، مع تزايد المخاوف من أن هذه الشركات بدأت تتخلف في سباق الذكاء الاصطناعي.
ويتوقع المحللون الذين استطلعت آراؤهم «فاكت ست» أن تسجل شركات «ستاندرد آند بورز 500» نمواً في الأرباح بنسبة 9.4% هذا العام، مقارنة مع توقعات سابقة عند 14.3% في يناير.
مع ذلك، يتوقع المحللون أن ترتفع الأرباح بنسبة 13.7% العام المقبل، ويأمل كثيرون في أن تتمكن الولايات المتحدة من تجنب أسوأ سيناريوهات الحرب التجارية، وأن تسفر المفاوضات عن اتفاقات تحد من تداعياتها.
ورغم أن الأسهم تبدو مرتفعة القيمة حالياً - حيث يتداول مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند 22 ضعف الأرباح المتوقعة خلال الـ12 شهراً المقبلة مقارنة بمتوسط 10 سنوات عند 18.7 ضعف - فإن كثيرين يرون أن المؤشرات لا تزال قادرة على مواصلة الارتفاع.