شهدت العقود الآجلة للأسهم الأميركية هدوءاً في آخر جلسات الأسبوع، في وقت يقيّم فيه المستثمرون احتمالات إبرام سلسلة من الاتفاقات التجارية الجديدة للولايات المتحدة.
وقد تحسّن المزاج العام يوم الخميس بعد الإعلان عن اتفاق تجاري جديد بين واشنطن ولندن، لتتجه الأنظار الآن إلى محادثات مرتقبة بين مسؤولين أميركيين وصينيين خلال عطلة نهاية الأسبوع.
في غضون ذلك، أفادت تقارير بأن شركة «إنفيديا» تعتزم تخفيض قدرات شريحتها المخصصة للسوق الصينية لتتماشى مع قيود التصدير الصارمة التي تفرضها واشنطن.
تأرجحت العقود الآجلة للأسهم الأميركية قرب مستوياتها الافتتاحية يوم الجمعة، بينما يقيم المستثمرون تداعيات الاتفاق التجاري المُعلن بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
بحلول الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش، تراجع عقد «داو جونز» الآجل بنحو 41 نقطة أو ما يعادل 0.1%، فيما ارتفع «ستاندرد آند بورز 500» بمقدار 3 نقاط أو 0.1%، وصعد «ناسداك 100» بنحو 38 نقطة أو 0.2%.
كانت مؤشرات «وول ستريت» الرئيسة قد سجلت مكاسب يوم الخميس بدعم من التفاؤل بإمكان مساهمة الاتفاق مع المملكة المتحدة في تخفيف التوترات التجارية العالمية.
بينما ستُبقي الولايات المتحدة على تعرفة أساسية بنسبة 10% على واردات السلع البريطانية، أعلنت بريطانيا أنها ستخفض رسومها الجمركية إلى 1.8% من 5.1%، وستمنح مزيداً من الوصول للمنتجات الأميركية.
كما أعفيت قطع غيار الطائرات التي تنتجها شركة «رولز رويس» من الرسوم الأميركية؛ ما عزز أسهم شركات الطيران مثل «دلتا إيرلاينز» التي قفز سهمها بنسبة 7.2%. وسجل مؤشر شركات الطيران في «ستاندرد آند بورز 500» ارتفاعاً بنسبة 5.4%.
كما ارتفعت أسهم «بوينغ» بعد إعلان وزير التجارة هوارد لوتنيك أن المملكة المتحدة وافقت على شراء طائرات بقيمة 10 مليارات دولار من الشركة الأميركية.
وتعزز الدولار الأميركي عقب هذه الأنباء، إذ أشار محللون في «آي إن جي» إلى أن العملة استفادت من تحول ترامب إلى ما وصفوه بـ«وضع التهدئة في الأسواق» بعد فرضه رسوماً قاسية الشهر الماضي، جرى تأجيل بعضها لاحقاً.
رغم الضجة الإعلامية التي رافقت الإعلان، أشار محللون إلى أن الاتفاق الذي أُبرم يوم الخميس جاء خالياً من التفاصيل الجوهرية، واعتُبر أقرب إلى مخطط أولي منه إلى اتفاق تجاري شامل.
مع ذلك، تبقى الآمال قائمة بأن يشكل هذا الاتفاق باكورة مجموعة اتفاقيات يُتوقع التوصل إليها خلال فترة التهدئة الممتدة 90 يوماً بشأن الرسوم الجمركية «التبادلية» التي فرضها ترامب.
وفي حديث له من المكتب البيضاوي وبحضور رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عبر مكالمة هاتفية، وصف ترامب الاتفاق بأنه «جيد»، مشيراً إلى أن شركاء تجاريين آخرين قد يواجهون رسوماً أعلى؛ نظراً للفوائض التجارية الكبيرة التي يحققونها مع الولايات المتحدة.
وقال بول أشوورث، كبير الاقتصاديين لأميركا الشمالية لدى «كابيتال إيكونوميكس» لوكالة رويترز «هذا التسارع في إظهار تقدم على صعيد الاتفاقيات يكشف عن يأس متزايد لدى الإدارة الأميركية للتراجع عن الرسوم قبل أن تؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي والتضخم... ومع ذلك، تبقى هذه أخباراً جيدة».
كان ترامب قد فرض في وقت سابق رسوماً شاملة تصل إلى 50% على سلع مستوردة من عشرات الدول، مبرراً ذلك بالحاجة إلى تعزيز الإيرادات الحكومية، وإعادة الصناعات إلى الداخل الأميركي، وتصحيح الاختلالات التجارية. ورغم تأجيل بعض الرسوم لاحقاً، لا تزال رسوم بنسبة 10% مفروضة إلى جانب رسوم أخرى على منتجات مثل الصلب والألمنيوم وقطع غيار السيارات.
وقد حذر كثير من الاقتصاديين من أن هذه الرسوم قد تؤدي إلى «صدمة في الطلب» العالمي تؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي. ورغم انكماش الناتج المحلي الأميركي في الربع الأول، أظهرت مؤشرات عدة صموداً نسبياً في إنفاق المستهلكين وسوق العمل.
تتجه أنظار الأسواق الآن إلى محادثات حاسمة تُعقد نهاية هذا الأسبوع في سويسرا، ويشارك فيها وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت والمفاوض التجاري البارز جيميسون غرير ونظراؤهما الصينيون.
تجدر الإشارة إلى أن الصين لم تكن مشمولة بتجميد الرسوم الذي أعلنه ترامب، وتواجه حالياً تعريفات أميركية لا تقل عن 145%. وردّت بكين بفرض رسوم مضادة بنسبة 125%؛ ما أثار مخاوف من تصاعد النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.
وقال ترامب يوم الخميس إن المحادثات المرتقبة في جنيف يومي السبت والأحد ستكون «جوهرية»، مضيفاً أنه يتوقع خفض الرسوم المرتفعة لاحقاً.
بدوره، قال نائب وزير الخارجية الصيني إن بلاده واثقة تماماً من قدرتها على التعامل مع الملفات التجارية مع واشنطن، مضيفاً أن النهج القاسي لإدارة ترامب في فرض الرسوم غير قابل للاستمرار. وكانت بكين قد اتهمت الولايات المتحدة سابقاً باستخدام الرسوم كأداة «إكراه».
ذكرت وكالة «رويترز» أن شركة «إنفيديا» تخطط لإطلاق نسخة مخففة من شريحة الذكاء الاصطناعي H20 المخصصة للسوق الصينية خلال الشهرين المقبلين، بهدف الالتزام بقيود التصدير الأميركية الأكثر صرامة.
وأبلغت الشركة عدداً من عملائها الصينيين الكبار، بينهم مزودو خدمات الحوسبة السحابية، بهذه الخطوة، وفقاً لمصادر مطلعة.
تُعد H20 الشريحة الأقوى التي يُسمح لـ«إنفيديا» ببيعها في الصين بموجب قيود التصدير التي فرضتها إدارة بايدن، لكن إدارة ترامب أشارت مؤخراً إلى عزمها فرض قواعد جديدة تتطلب حصول «نفيديا» على ترخيص لتصدير الشريحة.
ومن المتوقع أن يشمل التعديل تقليص قدرات الحوسبة للشريحة وخفض سعة ذاكرتها، وهو ما قد يُمكّن الشركة من تجاوز القيود الجديدة. وتُستخدم هذه الشريحة في مشاريع الذكاء الاصطناعي في الصين، من قبل شركات ناشئة مثل «ديب سيك» وشركات الإنترنت العملاقة مثل «بايدو» و«علي بابا».
ارتفعت أسعار النفط يوم الجمعة، لتُواصل مكاسب الجلسة السابقة مع تراجع حدة التوترات التجارية قبيل محادثات مرتقبة بين الولايات المتحدة والصين، وبعد الإعلان عن اتفاق التجارة مع بريطانيا.
بحلول منتصف النهار صعد خام «برنت» بنسبة 1.2% إلى 63.60 دولار للبرميل، وارتفع خام «غرب تكساس الوسيط» بنسبة 1.3% إلى 60.69 دولار.
وكان الخامان قد أغلقا جلسة الخميس على مكاسب تقارب 3%. ومع ذلك، لا تزال أسعار النفط بالقرب من أدنى مستوياتها في أربع سنوات، وسط استمرار القلق حيال حالة عدم اليقين الاقتصادي وتداعياتها على الطلب العالمي على الخام.