تُطالب أوكرانيا بالحصول على ضمانات أمنية من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وتؤكد كييف أنها تسعى إلى ما هو أبعد من مذكرة بودابست لعام 1994، التي تعهّدت بموجبها كلّ من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا باحترام سيادة أوكرانيا والامتناع عن استخدام القوة ضدها، دون أن تشمل هذه التعهدات التزامات دفاعية حقيقية، بل مجرد اللجوء إلى مجلس الأمن في حال وقوع هجوم.
لكن المشكلة، وفقاً لمصادر مطلعة على المحادثات، تكمن في أن أي ضمانات أمنية فعالة ستعني احتمال دخول الغرب في حرب مع روسيا، فيما أن أي ضمانات غير ملزمة ستترك أوكرانيا مكشوفة أمام التهديدات.
ووفقاً لمسودات اطلعت عليها «رويترز» بشأن اتفاق سلام محتمل، ناقش دبلوماسيون إمكانية تقديم «ضمانة أمنية قوية» قد تشمل صيغة شبيهة بالمادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تنص على الدفاع المشترك بين الأعضاء، رغم أن أوكرانيا ليست عضواً في الحلف.
وفي إطار اتفاق تم التفاوض عليه، وفشل عام 2022، كانت أوكرانيا قد وافقت على حياد دائم مقابل حصولها على ضمانات أمنية من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي: بريطانيا، والصين، وفرنسا، وروسيا، والولايات المتحدة، إلى جانب دول أخرى مثل بيلاروس وكندا وألمانيا وإسرائيل وبولندا وتركيا، وفقاً لمسودة اطلعت عليها «رويترز»، غير أن مسؤولين في كييف أكدوا أن حياد أوكرانيا يُعدّ خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
تكرّر روسيا أن احتمال انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» هو أحد أسباب اندلاع الحرب، وتعد ذلك أمراً غير مقبول، وتشدد على ضرورة بقاء أوكرانيا دولة محايدة خالية من القواعد العسكرية الأجنبية، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يرى أن موسكو لا تملك حق تقرير تحالفات بلاده.
وكان قادة «الناتو» قد اتفقوا في قمة بوخارست عام 2008 على أن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان إلى الحلف في المستقبل. وفي عام 2019، عدّلت أوكرانيا دستورها لتُكرّس التزامها بالسعي للانضمام الكامل إلى «الناتو» والاتحاد الأوروبي.
من جهته، قال الجنرال كيث كيلوغ، المبعوث الأميركي، إن عضوية أوكرانيا في «الناتو» «أمر غير مطروح»، فيما اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن دعم واشنطن لانضمام أوكرانيا إلى الحلف كان من الأسباب التي أدّت إلى الحرب.
وفي مفاوضات عام 2022، ناقشت أوكرانيا وروسيا فكرة الحياد الدائم، إلا أن مسودة اتفاق اطلعت عليها «رويترز» أظهرت أن روسيا كانت تسعى إلى فرض قيود على الجيش الأوكراني، وهو ما ترفضه كييف بشكل قاطع.
وفي ما يخص الاتحاد الأوروبي، أعلنت روسيا أنها لا تعارض انضمام أوكرانيا إليه، رغم أن بعض دول الاتحاد قد تعترض على طلب العضوية.
تسيطر روسيا حالياً على نحو خمس الأراضي الأوكرانية، وتقول إن هذه المناطق أصبحت جزءاً من الأراضي الروسية، وهو موقف لا تعترف به الغالبية الساحقة من دول العالم، وتشمل هذه المناطق شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014، ومعظم إقليم لوغانسك وأكثر من 70% من مناطق دونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، إضافة إلى جزء من منطقة خاركيف.
وفي مقترحات السلام التي كشف عنها في يونيو 2024، طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانسحاب القوات الأوكرانية من كل هذه المناطق، بما في ذلك المناطق التي لا تسيطر عليها روسيا فعلياً.
أما خطة السلام التي أعدتها إدارة ترامب، فتقترح اعتراف الولايات المتحدة قانونياً بضم روسيا للقرم، واعترافاً فعلياً بسيطرة موسكو على أجزاء من لوغانسك وزابوريجيا ودونيتسك وخيرسون، مقابل استعادة أوكرانيا لأراضٍ في منطقة خاركيف، على أن تتولى واشنطن إدارة محطة زابوريجيا النووية التي تسيطر عليها روسيا حالياً.
لكن كييف ترفض بشكل قاطع أي اعتراف قانوني بالسيادة الروسية على الأراضي، وتعتبره انتهاكاً لدستور البلاد، وإن كانت مستعدة لبحث الملف الحدودي بعد تنفيذ وقف إطلاق النار.
وقال ستيف ويتكوف، مبعوث دونالد ترامب، في مقابلة مع «بريتبارت نيوز» الأسبوع الماضي: «القضايا الأساسية هنا تتعلق بالمناطق، ومحطة الطاقة النووية، وكيفية استخدام الأوكرانيين لنهر دنيبر والوصول إلى البحر».
تطالب روسيا برفع العقوبات الغربية، لكنها تشك في إمكانية حدوث ذلك قريباً، وحتى في حال رفعت الولايات المتحدة عقوباتها، فقد تبقى عقوبات الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى مثل أستراليا وبريطانيا وكندا واليابان سارية لسنوات، أما أوكرانيا فتطالب بالإبقاء على العقوبات.
وكانت «رويترز» قد أفادت بأن واشنطن تدرس سبل تخفيف العقوبات على قطاع الطاقة الروسي ضمن خطة شاملة تتيح للولايات المتحدة تقديم حوافز في حال وافقت موسكو على إنهاء الحرب.
اقترح دونالد ترامب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يقود ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، قد يكون أكثر ميلاً للتفاوض بعد تراجع أسعار النفط مؤخراً، رغم أن الكرملين أكد أن المصالح الوطنية تتقدم على أسعار الطاقة.
مع ذلك، تشير بعض التقديرات الدبلوماسية إلى أن الولايات المتحدة وروسيا والسعودية تسعى إلى خفض أسعار النفط ضمن اتفاق أوسع يشمل ملفات تمتد من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كشفت «رويترز» عن محادثات بين مسؤولين أميركيين وروس بشأن المساعدة التي يمكن أن تقدمها واشنطن لاستئناف مبيعات الغاز الروسي إلى أوروبا.
تشترط أوكرانيا والقوى الأوروبية قبول روسيا بوقف إطلاق النار قبل الشروع في أي مفاوضات، في حين تصر موسكو على أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار يجب أن يكون مشروطاً باتفاق على آليات التحقق، وهو ما تعده كييف محاولة لكسب الوقت.
من المتوقع أن تبلغ كلفة إعادة إعمار أوكرانيا مئات المليارات من الدولارات، وتسعى القوى الأوروبية إلى استخدام جزء من الأصول السيادية الروسية المجمدة في الغرب لتمويل جهود الإعمار، وهو ما ترفضه موسكو.
وبحسب تقرير لـ«رويترز» في فبراير الماضي، فإن روسيا قد توافق على استخدام جزء من نحو 300 مليار دولار من أصولها المجمدة في أوروبا، لكنها تشترط توجيه جزء من هذه الأموال للمناطق التي تسيطر عليها حالياً، أما أوكرانيا، فتطالب باستخدام كامل المبلغ لتمويل إعادة الإعمار في جميع أنحاء البلاد بعد انتهاء الحرب.