في تحول لافت يعيد رسم مستقبل خدمات التوصيل، بدأت الروبوتات والطائرات المسيّرة (الدرون) تحل مكان سائقي التوصيل التقليديين في عدد متزايد من المدن الأميركية، لتنقل وجبات المطاعم بسرعة ودقة، ودون الحاجة إلى إكراميات أو استراحة غداء.
وبينما تتنقل روبوتات «كوكو» عبر أرصفة شيكاغو حاملة وجبات الدجاج المقلي، تُسقِط طائرات «زيبلاين» الطلبات من الجو في أحياء مدينة شارلوت بولاية نورث كارولاينا.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، تلقت شركات تكنولوجيا التوصيل استثمارات تفوق 3.5 مليار دولار منذ عام 2019، في محاولة لتحسين تجربة التوصيل عبر الأتمتة والذكاء الصناعي، ومعالجة مشكلات مثل تأخر الطلبات، وارتفاع رسوم التوصيل، وسوء التغليف.
شركة «كوكو روبوتيكس»، التي انطلقت من جامعة كاليفورنيا عام 2016، نجحت حتى اليوم في تنفيذ أكثر من 500 ألف عملية توصيل في مدن مثل لوس أنجلوس وميامي وهلسنكي، باستخدام روبوتات ذاتية القيادة مدعومة بتقنيات «ليدار» وكاميرات متعددة الزوايا.
وباتت هذه الروبوتات قادرة على السير بشكل مستقل في أغلب الحالات، بعد أن كانت بحاجة لمرافقة بشرية في بداياتها.
وفي فرع «هارولدز تشيكن شاك» القريب من ملعب «يونايتد سنتر» في شيكاغو، بات الموظفون يضعون الطلبات داخل الروبوت مباشرة بدلاً من انتظار سائقي التوصيل.
ويقول المدير مايكل دانيغان: «الطلب يصل أسرع وبجودة أفضل، لأنه يمر بأقل عدد ممكن من الأيدي».
ويضيف أن العملاء يمكنهم تتبع الروبوت مباشرة من التطبيق، وعند وصوله يفتحون صندوقه عبر الهاتف لاستلام الطعام.
من جهته، يقول سيث كوهين، المؤسس المشارك لسلسلة «سويتفين» المتخصصة في أطباق السمك النيء: «نستخدم روبوتات كوكو لتوصيل آلاف الطلبات يومياً لمسافات تقل عن 3 كيلومترات. وبالنسبة لطعام طازج مثل البوكه، السرعة أمر لا غنى عنه، وهذه التقنية توفرها بأفضل شكل».
وبات التحول لا يقتصر على التوصيل فحسب، بل يمتد أيضاً إلى داخل المطابخ، حيث طورت شركة «أكرليك» الفرنسية ميزاناً ذكياً يحمل اسم «دابل تشيك»، يعتمد على خوارزميات الذكاء الصناعي لوزن كل طلب بناءً على مكوناته الدقيقة، بما في ذلك أدوات الطعام والمناديل.
وإذا اختلف الوزن عن المطلوب، يُطلب من الموظف التحقق من محتوى الطلب قبل تسليمه.
ويقول جيمس هاريس، مدير الابتكار في «أكرليك»: «تُظهر التجارب أن نحو 8% من الطلبات تكون ناقصة أو زائدة قبل التصحيح، هذا النظام لا يقلل فقط من الأخطاء، بل يعزز رضا العملاء ويخفض كلفة المرتجعات».
أما في السماء، فتقوم شركات مثل «زيبلاين» و«وينغ» باختبار توصيل الطلبات عبر الطائرات المسيّرة، بسرعة تتفوق على السيارات والدراجات.
شركة «زيبلاين» التي بدأت بنقل الأدوية والدم في إفريقيا، وقّعت مؤخراً اتفاقيات مع مطاعم مثل «تشيبوتلي»، و«بيتزا جيتس»، و«بانيرا بريد» لتجريب التوصيل عبر الدرونز في مناطق مختارة من الولايات المتحدة.
وتعتمد الطائرة على نظام (GPS) ومستشعرات دقيقة لتحديد نقطة الهبوط المثلى، ثم تُنزل الطلب عبر حبل مخصص دون الحاجة للهبوط.
وتقول «زيبلاين» إن تكلفة التوصيل عبر الدرونز ستتراوح بين 7 و10 دولارات، شاملة رسوم الخدمة، وبدون إكرامية.
أما شركة «وينغ»، المدعومة من «ألفابت»، الشركة الأم لـ«غوغل»، فتقوم بتوصيل طلبات من مطاعم «بانيرا» و«فايرهاوس سابز» و«وينديز» في ولايتي نورث كارولاينا وتكساس، خلال أقل من خمس دقائق في دائرة قطرها أربعة أميال.
رغم الحماسة، لا تزال هذه التقنيات تواجه تحديات تنظيمية، إذ يتطلب تشغيل الروبوتات والدرونز في الأماكن العامة موافقات محلية وفيدرالية، ما يبطئ عملية التوسع.
كما تحتاج كل منطقة إلى دراسة تصميمها العمراني لتحديد آلية آمنة لإنزال الطلبات أو سير الروبوتات.
لكن الشركات تؤكد أن هذه التحديات قابلة للحل مع الوقت.
وتقول «كوكو» إن روبوتاتها مزودة بأنظمة إنذار وكاميرات حية لمنع العبث، ويمكنها التعامل مع المرتفعات والعوائق.
فيما تؤكد «زيبلاين»، أن درونزها تستطيع العمل حتى في ظروف الطقس القاسية، مع تغليف مقاوم للماء والصدمات.
ومع هذا الزخم، يبدو أن مستقبل توصيل الطعام سيتحوّل من دراجات وسائقين إلى روبوتات مستقلة وطائرات ذكية، ما يفتح الباب أمام تجربة أكثر دقة وسرعة في عالم المطاعم.