في ظل توترات اقتصادية متزايدة، صعّد الرئيس دونالد ترامب من ضغوطه العلنية على مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مطالباً بخفض أسعار الفائدة لدعم النمو وتخفيف أعباء الرسوم الجمركية التي فرضها بنفسه في الأشهر الماضية.
إلا أنّ الفيدرالي اختار طريق التريّث، حيث أعلن في اجتماعه الأخير قراره بتثبيت أسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي، مفضّلاً الانتظار إلى ما بعد صدور بيانات إضافية، أبرزها نتائج النمو والتضخم في الربع الثالث.
وفي رسالة ضمنية إلى الأسواق، جاء الرد من رئيس المجلس جيروم باول: «نراكم في سبتمبر».
قرار الفيدرالي بالتريث لم يكن مفاجئاً، لكنه جاء في لحظة تحمل الكثير من الالتباس الاقتصادي، فقد أعلنت الحكومة الأميركية عن تسجيل نموّ في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% خلال الربع الثاني من العام، وهو رقم تجاوز التوقعات وأثار موجة من التفاؤل المؤقت في الأسواق، ومع ذلك فإن هذا النمو لا يعكس بالضرورة تحسناً هيكلياً في الاقتصاد، بل يرتبط بعوامل استثنائية، أبرزها التغير المفاجئ في نمط الواردات نتيجة السياسات التجارية الجديدة.
أدّت الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية مؤخراً إلى تغيير سلوك الشركات فيما يتعلق بالاستيراد، ففي الربع الأول من العام، سارعت الشركات إلى استيراد كميات كبيرة من السلع قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الواردات وتراجع الناتج المحلي بنسبة 0.5%.
وفي المقابل، شهد الربع الثاني تراجعاً في حجم الواردات بسبب بدء تطبيق الرسوم، وهو ما عزز من قيمة الناتج المحلي الظاهرة، وخلق ما يشبه «الارتداد الفني» الذي لا يعكس بالضرورة تحسناً حقيقياً في النشاط الاقتصادي.
تزامن صدور بيانات الناتج المحلي الإجمالي مع اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي قرر تثبيت أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الخامسة على التوالي، هذا القرار يعكس موقفاً حذراً من قبل صانعي السياسة النقدية في الولايات المتحدة، إذ يرون أن الوقت لم يحن بعد لاتخاذ قرارات جديدة بشأن التشديد أو التيسير النقدي، في ظل استمرار حالة الغموض الاقتصادي.
رئيس المجلس، جيروم باول، أشار في تصريحاته إلى أن أرقام النمو الفصلية قد تكون مضلّلة بسبب طبيعتها المتقلبة، وأن النظر إلى متوسط أداء الاقتصاد خلال النصف الأول من العام يعطي صورة أكثر دقة، فوفقاً لهذه المقاربة، يبلغ متوسط النمو الحقيقي حوالي 1.1% فقط، وهو ما يدل على تباطؤ نسبي في النشاط الاقتصادي، رغم التحسن الظاهري في الربع الثاني.
كما لفت باول الأنظار إلى أن سوق العمل لا يزال يتمتع بالقوة، إلا أن تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار والنشاط العام ما زال غير واضح بالكامل، من هذا المنطلق، يؤكد الفيدرالي على أهمية التريث وجمع المزيد من البيانات قبل الحسم في الاتجاه القادم للسياسة النقدية، سواء عبر رفع الفائدة مجدداً أو خفضها عند الحاجة.
أما الأسواق، فقد تفاعلت بشكل مزدوج مع الأحداث، فقد شهدت الأسهم الأميركية ارتفاعاً طفيفاً عقب إعلان بيانات الناتج المحلي، لكنها ما لبثت أن عادت للتراجع بعد تصريحات باول التي حملت نبرة من الحذر الواضح، وهو ما يعكس حالة من الترقب والقلق في أوساط المستثمرين.
ومع استمرار تباين المؤشرات، وغياب اليقين حول مدى استدامة النمو من جهة، وتأثير الرسوم الجمركية من جهة أخرى، يبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في وضع الانتظار، فكل الأنظار تتجه الآن إلى بيانات الربع الثالث التي ستصدر في سبتمبر، حيث من المنتظر أن تتضح الصورة بشكل أكبر، وتُحسم من خلالها وجهة السياسة النقدية المقبلة.
وحتى ذلك الحين، فإن الرسالة التي يبعث بها الفيدرالي إلى الأسواق، وإلى البيت الأبيض بالذات، تظل واضحة: «نراكم في سبتمبر».