حذر صندوق النقد الدولي من أن أي تآكل في استقلالية البنوك المركزية قد يقوّض قدرة تلك المؤسسات على كبح توقعات التضخم، مما قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار المالي والنقدي والاقتصادي الشامل.
وجدد الصندوق هذا التحذير في التحديث الأخير لتقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» الصادر اليوم الثلاثاء، وأكده كذلك كبير خبرائه الاقتصاديين، بيير-أوليفييه غورينشاس، في مقابلة منفصلة لرويترز.
وأشار إلى أن البيئة الاقتصادية الراهنة، والمتمثلة في تصاعد التوترات التجارية والغموض المحيط بمسار الرسوم الجمركية، تعزز الحاجة إلى سياسات قوية تحافظ على الاستقرار المالي، وتؤكد أهمية استقلالية البنوك المركزية.
وفي حال تسببت الصدمات التجارية في اضطرابات بأسواق الصرف أو ارتفاع في علاوات المخاطر، رأى الصندوق أنه قد يكون من المناسب لبعض الدول التدخل مؤقتاً في أسواق العملات أو اتخاذ تدابير لإدارة تدفقات رأس المال. مؤكداً أن الحاجة ملحّة إلى تواصل واضح ومتسق من قبل البنوك المركزية، وإلى حماية استقلاليتها — ليس فقط على الورق، بل في الممارسة الفعلية.
يأتي هذا التحذير في ظل انتقادات متكررة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث دعا مراراً إلى خفض أسعار الفائدة، وشكك في قيادة جيروم باول، الذي تنتهي ولايته في مايو 2026. وأثارت هذه التصريحات قلق الأسواق بشأن التهديد المحتمل لمبدأ استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وهو من الركائز الأساسية للسياسة النقدية الأميركية.
ردًا على سؤال حول محاولات ترامب لعزل جيروم باول، شدد غورينشاس على أن الحفاظ على استقلالية البنوك المركزية أمر ضروري لتثبيت توقعات التضخم، واصفاً الاستقلالية بأنها «أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي الكلي»، مشيراً إلى الدروس الصعبة التي تعلمها العالم على مدى العقود الأربعة الماضية. وأضاف: «يجب صون استقلالية البنوك المركزية وتطبيقها فعليًا»، معتبراً أن هذه الاستقلالية تمثل حجر الأساس للأطر الاقتصادية في الدول المتقدمة والناشئة.
على الرغم من موجة التضخم التي اجتاحت العالم بين 2021 و2024، حافظت الأسواق والمستهلكون على ثقتهم في التزام السلطات النقدية بكبح التضخم على المدى المتوسط، مما حال دون انفلات توقعات التضخم. وحذر غورينشاس من أن تآكل هذه المصداقية سيجعل العلاقة بين التضخم وتوقعاته أكثر هشاشة، مما قد يطلق موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، مدفوعة بزيادات الأجور والتكاليف، ويرتفع معها سعر الفائدة، وقد يستلزم الأمر «إحداث صدمة اقتصادية» لكبح هذا التدهور، وهو ما سيؤدي إلى اضطرابات في الاستقرار الاقتصادي، النقدي، والمالي، مؤكداً ضرورة طمأنة الأسواق والمستهلكين باستقلالية البنوك المركزية.