على مدار الأشهر القليلة الماضية، تباينت الآراء حول تفضيل دول الخليج لرئاسة ترامب أو هاريس. ومع تطور الأحداث، اختارت الدول الخليجية الإبقاء على خياراتها مفتوحة، مستعدةً للتعامل مع أي من السيناريوهين، مع الحرص على المحافظة على علاقات متوازنة مع كلا الجانبين.
ومع وضوح نتائج الانتخابات الأميركية، تبين أن استطلاعات الرأي كانت قد قللت من تقدير الدعم الشعبي لترامب للمرة الثالثة، إذ أظهرت الانتخابات الأخيرة حصوله على دعم قوي، حيث تصدر نتائج جميع الولايات السبع الحاسمة، وفاز بالأغلبية في الأصوات الشعبية على مستوى البلاد.
من الناحية الاقتصادية، تبدو دول الخليج أمام تكاليف وفوائد متباينة مع عودة ترامب إلى سدة الحكم. أبرز السلبيات قد تتمثل في ارتفاع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات الخليجية. يعود ذلك إلى ارتباط أسعار الفائدة في المنطقة ارتباطاً وثيقاً بأسعار الفائدة الأميركية، عبر ربط العملات المحلية بالدولار الأميركي، مما يجعل تسعير السندات والصكوك الخليجية مرهوناً بسندات الخزانة الأميركية.
إلى جانب ذلك، من المرجح أن تسهم السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي قد يتبناها ترامب في ضغوط تضخمية، وهو ما قد يدفع «الاحتياطي الفيدرالي» إلى التراجع عن خفض أسعار الفائدة، وربما النظر في زيادتها. في سبتمبر، انخفضت الفائدة إلى 5%، وكانت التوقعات تشير إلى خفض إضافي خلال العام المقبل بنحو 150 نقطة أساس، لكن ذلك قد يتغير في ظل السياسات التضخمية المحتملة.
وكانت عوائد الخزانة قد تراجعت مساء الثلاثاء، عندما بدا أن هاريس في المقدمة، لكنها قفزت بشكل مفاجئ عندما أصبح واضحاً تقدم ترامب في الانتخابات. جزء من التفسير لذلك يعود إلى أن تخفيضات الضرائب التي اقترحها ترامب قد لا يتم موازنتها بتخفيضات كافية في الإنفاق، مما سيؤدي إلى زيادة العجز في الميزانية الأميركية وارتفاع عبء الديون، وهو ما يشكل قلقاً لدول الخليج باعتبارها من كبار حاملي سندات الخزانة الأميركية.
وفي ما يتعلق بقطاع الطاقة، من الممكن أن تتقاطع بعض سياسات ترامب مع مصالح دول الخليج، إلا أن هذه الأخيرة تتجه بشكل متزايد نحو الطاقة النظيفة، ما يجعلها تتباعد عن سياسات ترامب الداعمة للوقود الأحفوري. في قمة الأمم المتحدة المقبلة حول تغير المناخ، من المرجح أن تشهد مواقف دول الخليج تقارباً أكبر مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تتخذ فيه الولايات المتحدة موقفاً مختلفاً.
وفي ما يخص الغاز الطبيعي المسال، قد يكون من المفيد لدول الخليج أن تقوم بإلغاء التنظيمات التي تفرضها إدارة بايدن، حيث قام الأخير بتعليق الموافقات على المشاريع الجديدة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن مستقبل النفط يبدو أكثر تعقيداً. فمن المرجح أن يدعم تباطؤ التحول في الولايات المتحدة نحو السيارات الكهربائية الطلب على النفط، رغم العلاقة الجيدة بين ترامب وإيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا»، ما يعني أن دعم السيارات الكهربائية قد لا يتراجع كما كان متوقعاً.
من جهة أخرى، من المرجح أن يؤدي تشديد العقوبات على إيران إلى تقليص المعروض النفطي وبالتالي دعم الأسعار، رغم محاولات بايدن لتحقيق ذلك دون تأثير كبير. وقد تدعم سياسة ترامب في إزالة القيود على إنتاج النفط زيادة أسرع في الإنتاج الأميركي، رغم وجود تأخير ملحوظ بين تغييرات السياسات ونتائجها على أرض الواقع. في هذا السياق، قد تقرر السعودية ودول أخرى الابتعاد عن تقييد الإنتاج، كما فعلت سابقاً منذ نحو ثماني سنوات، وزيادة الإنتاج لتحقق حصة أكبر في السوق.
على المستوى السياسي، قد يتطلب أي اتفاق جديد بين دول الخليج والولايات المتحدة إعادة تقييم للمجالات التي تهم كل طرف. كان بايدن يسعى إلى عقد اتفاق شامل مع السعودية يتضمن ضمانات دفاعية ودعماً لتطوير الطاقة النووية، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا الاتفاق كان من المفترض أن يرتبط بالتطبيع مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام التي أطلقها ترامب، لكن السعودية كانت دائماً واضحة في أن أي اتفاق ثلاثي يتطلب تقدماً نحو حل القضية الفلسطينية، وهو ما يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن. في هذا السياق، قد يكون من الممكن التوصل إلى اتفاق ثنائي مع ترامب، الذي يتمتع بقدرة أكبر على إبرام صفقات داخل مجلس الشيوخ.
من جهة أخرى، أظهرت الإمارات عمقاً متزايداً في شراكتها مع الولايات المتحدة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهي على وشك تلقي شحنات من شرائح «إنفيديا» المتطورة، بعدما فرضت الولايات المتحدة قيوداً على تصديرها إلى الصين. من المتوقع أن يظل ترامب داعماً لهذه الشراكة، حيث يعتقد أن الابتكار في التكنولوجيا يعزز من علاقات الدولتين.
لكن على المدى الطويل، سيظل على دول الخليج التعامل مع تأثير سياسات ترامب الخارجية، التي قد تتسم بعدم الاستقرار أو الوضوح، ولا سيما في ما يتعلق بالتعددية والعلاقات الدولية. في المقابل، تزدهر اقتصادات دول الخليج في عالم مترابط ومتعدد الأقطاب، حيث تطور هذه الدول دوراً مؤثراً اقتصادياً وسياسياً على الساحة العالمية.
على الرغم من أن ترامب قد نجح في بناء علاقة قوية مع دول الخليج خلال ولايته الأولى، إلا أن هناك تغيرات كبيرة قد طرأت على هذه الدول في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تعزيز الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي. إلا أن ما يعزز من استمرار العلاقات هو أن دول الخليج حافظت على قنوات اتصال مع دائرة ترامب على مدار السنوات الأربع الماضية، مثل الاستثمارات في صندوق جاريد كوشنر.
في النهاية، بينما قد يرى قادة الخليج بعض الفوائد في فوز ترامب، فإنهم سيواجهون أيضاً بعض القلق، وهو ما يجعلهم يستعدون بعناية لمواجهة التحديات التي قد تطرأ في ظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض.