خاص
خاصمواطن في مدينة درنة الليبية- رويترز

إعمار درنة.. انتعاشة مرتقبة لقطاع العقارات في ليبيا

متخطيا تحديات اقتصادية عديدة، يعلو الحديث في ليبيا تدريجيا عن إعادة الإعمار والتوسع العمراني، لاسيما في مدينة درنة (شرق) التي تكبدت خسائر فادحة بفعل إعصار دانيال الذي ضرب العديد من مدن شرق ليبيا، قبل نحو شهرين، لكنه أحيا الآمال في انتعاش قطاع العقارات في البلاد، والذي تضرر بشدة منذ 2011 وما أعقبها من حروب وصراعات داخلية.

ووفق مسؤول حكومي في شرق ليبيا، وآخر سابق ومحلل اقتصادي، تحدثوا بشكل منفصل إلى "إرم الاقتصادية"، فإن خطوات الإعمار التي ستطول "درنة" قريبا، وغيرها من المناطق، كفيلة بإيجاد انتعاشة حقيقية في قطاع العقارات الذي يعاني من أزمات مركبة، عبر "ضخ استثمارات تتجاوز ملايين الدولارات مبدئيا"، وفق توقعات أحدهم.

ووسط عجز في المعروض بسوق العقارات الليبي، يتجاوز المليون وحدة وفق تقديرات غير رسمية، جاء إعصار دانيال في 10 سبتمبر الماضي، ليخلف أضرارا بالغة طالت 1500 مبنى، بعضها دمر تماما في مدينة درنة، حسب حصيلة ذكرتها وكالة الأنباء الليبية بعد نحو أسبوعين من الإعصار.

ورغم حجم الخسائر المادية، فإن الحديث عن إعادة الإعمار أنعش الآمال ففي عودة الروح لقطاع العقارات المتضرر منذ 2011، وبالفعل عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة في 1 و2 نوفمبر الجاري بمشاركة أكثر من 162 شركة عربية ودولية من 26 دولة.

وأسفر المؤتمر، وفق بيان رسمي، عن تشكيل لجنة تنفيذية وأخرى تقنية لإعداد خارطة طريق لبدء التنفيذ، وسط تشديد الحكومة الليبية على "ضرورة استئناف أعمال إعادة الإعمار في أسرع وقت".

قطاع مأزوم وحل فعال

من جانبه، استعرض الخبير الاقتصادي، إدريس الشريف، وهو وكيل سابق لوزارة المالية الليبية، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية" أزمة ليبيا العقارية منذ عقود، مؤكدا أن "أي دفعة عقارية مع إعادة الإعمار أو إعادة بناء مدن جديدة ستحقق فائدة كبيرة للاقتصاد".

وأوضح أن "ليبيا تعاني من مشكلة تهالك البنية التحتية وتوقف البرامج السكانية والمخططات العمرانية الحكومية منذ السبعينيات، وتلاها توقف الاستثمار الخاص، وأدى ذلك إلى تراكم مشكلة السكن بحيث أصبحت بالونا يكبر تدريجيا".

ولفت الشريف إلى أنه "في عام 2008 بدأ برنامج عمراني تنموي مع شركات دولية لدفع القطاع العقاري للإمام، لكن مع ثورة 2011، توقف الأمر مجددا، وصاحب ذلك انقسام سياسي وتواصل الحرب وتعدد الحكومات دون رؤية لهذا القطاع".

وأكد أن "ما حدث في درنة والجبل الأخضر من دمار، سلط الضوء على أزمة القطاع العقاري الممتدة منذ عقود، والحاجة الملحة، لبدء الإعمار والأخذ بتجارب مصر في بناء المجتمعات العمرانية والمدن الجديدة، بالإضافة إلى تجارب الجزائر ودول الخليج في هذا الصدد".

وأشار إلى أن ليبيا لديها تجربة ناجحة منذ عقود من خلال إنشاء مدينة المرج بعد تعرضها لزلزال.

مشاريع معطلة

ولفت الخبير الاقتصادي، إدريس الشريف، إلى أنه ومجموعة من الخبراء تقدموا مؤخرا بإطار عام لبرنامج إعادة الإعمار في ليبيا ككل وعلى رأسها المناطق المتضررة، وهو يبتعد عن فكرة اللجان المتعددة، ويطرح تشكيل مجلس موحد للإعمار لمواجهة أزمة اجتماعية كبيرة متمثلة في الإسكان والبنى التحتية غير الجاهزة.

وأشار الشريف إلى أن بنغازي بها نحو 30 ألف وحدة سكنية بدأت شركات قبل سنوات في تنفيذها ولم تستكمل، كما أن سواحل ليبيا بها مساحات كبيرة يمكن بناء مجتمعات جديدة عليها، تخفف أزمة التكدس في العاصمة والمدن الكبرى.

وأكد أن القطاع العقاري يحتاج لدفعة خاصة في البنية التحتية ومنظومة التشريعات، لافتا إلى أن القطاع النفطي في ليبيا يمثل 80% من الناتج العام المحلي، لذا فإن إعمار درنة والدفع بالقطاع الخاص لبناء مخططات عمرانية جديدة، يعد فرصة حقيقية لبدء إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.

ورأى الشريف أن "تشييد مليون وحدة سكنية على الأقل قادر على إنهاء أزمة ليبيا العقارية مبدئيا، وتكون بداية يتم البناء عليها لتحقيق انتعاشة في سوق العقارات بصورة ملموسة وحقيقة"، لكنه أقر بوجود إشكاليات عديدة قانونية وتنفيذية قد تعوق تنفيذ هذا الهدف.

إنعاش منتظر

من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي الليبي خالد بوزعكوك، لـ"إرم الاقتصادية"، أن "أزمة السكن في ليبيا كبيرة، خاصة في المدن الرئيسية المكتظة بالسكان، مثل طرابلس وبنغازي ومصراته وسبها، حيث وصل الطلب لأكثر من 2.5 مليون وحدة سكنية حسب البيان الصادر عن وزارة الإسكان".

وأشار إلى أن "السوق العقاري نشط من جانب المواطنين والشركات الخاصة التي تقوم ببناء شقق وفلل وتطرحها للبيع وهي ليست في متناول الجميع، وتتراوح أسعارها من 200 ألف إلى 350 ألف دينار".

وشدد بوزعكوك على أهمية إعمار مدينة درنة عقب المؤتمر الذي عقد مؤخرا، وطرح فكرة إنشاء صندوق دولي للإعمار، في ظل أكثر من 800 عمارة مدمرة كليا او جزئيا في المدينة، مؤكدا أن الإعمار سيلقى بظلاله الإيجابية على إنعاش القطاع العقاري واقتصاد البلاد بشكل عام.

وأكد أن "فرص الاستثمار العقاري في ليبيا جيدة للغاية، خاصة في المدن الليبية الرئيسية مثل بنغازي وطرابلس ومصراته والبيضاء وطبرق، حيث تتضاعف قيمة العقارات من عام لآخر، والمباني أصبحت تشترى بالملايين خاصة في المواقع الرئيسية"، لافتا إلى أن عقار تم تشييده منذ 3 سنوات وكان سعره 2 أو 3 ملايين دينار أصبح حاليا 10 أو 15 مليون دينار.

وشدد المحلل الاقتصاد الليبي على أن "السوق العقاري الليبي واعد ويتميز بطلب كبير، ويحتاج لتدخل البنوك والجهات التنفيذية من أجل دعم الاستثمار، مع وجود عمالة مصرية وأفريقية رخيصة وماهرة، وشركات عديدة من مختلف الدول تنتظر الدخول بقوة لضخ استثمارات بمئات الملايين".

إرادة وشفافية

من جانبه، قال سلامة الغويل، وزير الدولة الليبي للشؤون الاقتصادية سابقا، ورئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الحالي، لـ"إرم الاقتصادية"، إن إعمار درنة في ظل الوضع الاقتصادي "ممكن جدا بالتأكيد".

ولفت إلى أنه "هناك إجماعا على ذلك في ظل وجود إرادة حقيقية من الحكومة وبإشراف أمني ناضج من القوات المسلحة ودعم مجلس النواب للحكومة والقوى المدنية". وأوضح أن "الإعمار قد يمتد إلى المنطقة الشرقية بأكملها وليس درنة فقط، نتيجة الشفافية ووجود الاستراتيجيات".

وقال إن "مجلس النواب اعتمد 10 مليارات دينار هذا العام لدرنة ولكن أتوقع أن تصل في المنطقة الشرقية إجمالا إلى 30 مليار دينار في 3 سنوات، وقد يخلق هذا تفاعلا وتكاملا اقتصاديا بالبلاد خاصة مع الأيدي العاملة المتوفرة، ونمو العلاقات الاقتصادية مع الدول الإقليمية والجوار وخطط الحكومة".

ولفت إلى أن مؤتمر إعمار درنة بارقة أمل تقف وراءها إرادة وتكامل السلطات العسكرية والأمنية والحكومة والبرلمان، وهذه مبادرات ستنعش الاقتصاد.

وأوضح أنه مع بدء الإعمار ستحدث انتعاشة للقطاع العقاري والاقتصادي، خاصة "مع ضخ الأموال ونمو حركتها وتفاعل القطاعات العامة والخاصة وبناء شراكات مع الدول المجاورة كمصر والاستفادة من الكوادر الليبية"، مشددا على أن الاقتصاد يمضي في طريق مبشر".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com