في تحول لافت بمسار الأسواق العالمية، يشهد الدولار الأميركي تراجعاً حاداً منذ بداية العام، مما أثار موجة قلق بين كبار المستثمرين ومديري الأصول العالميين. هذا التراجع لم يعد مجرد تقلب مؤقت في سعر صرف، بل بات علامة على تغيّر عميق في اتجاهات رؤوس الأموال التي بدأت تغادر الولايات المتحدة بحثاً عن بدائل أكثر استقراراً في الأسواق الأوروبية.
ويقول المستثمرون إن التخلص من الأصول الأميركية لصالح الأسواق الأوروبية الصاعدة يشير إلى بداية تحرك أطول أمداً من جانب صناديق التقاعد وغيرها من مديري الأموال المؤسسيين الكبار لتقليص تعرضهم الضخم للاستثمارات الدولارية.
ووفق صحيفة «فايننشال تايمز» فإن بنوك وول ستريت ترى علامات على أن المستثمرين الذين يديرون تريليونات الدولارات من الأصول بدؤوا في تقليص تمركزهم في الولايات المتحدة، وسط مخاوف بشأن عملية صنع القرار غير المستقرة، وتداعيات الحرب التجارية.
على الرغم من أن الأسهم الأميركية استعادت تقريبًا خسائرها منذ أن هزت إعلانات ترامب عن تعريفات «يوم التحرير» الأسواق العالمية الشهر الماضي، فإنها لا تزال في المنطقة السلبية هذا العام، ومتأخرة عن نظيراتها العالمية.
وانخفض الدولار بأكثر من 7% هذا العام، حيث أشار بعض المستثمرين إلى «هروب رؤوس الأموال» من الولايات المتحدة إلى أصول أخرى مثل ديون الحكومة الألمانية.
وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة بيكتيت لإدارة الأصول: «هذا يحدث. سيكون بطيئاً ولكنه حتمي». وأضاف أن مزيجاً من أسواق الأسهم منخفضة التكلفة نسبياً ومحفزات النمو الاقتصادي الأوروبي، مثل الإنفاق الدفاعي بقيادة ألمانيا، جعل أوروبا الوجهة «الأكثر منطقية».
وأظهر مسح أجراه «بنك أوف أميركا» أن المستثمرين قاموا بأكبر خفض على الإطلاق لمخصصات الأسهم الأميركية في مارس، في حين كان التحول من أكبر اقتصاد في العالم إلى أوروبا هو الأكثر حدة منذ عام 1999.
بلغت التدفقات الخارجة من صناديق المؤشرات المتداولة في أوروبا، والتي تستثمر في سندات وأسهم الولايات المتحدة -وهو أحد المجالات التي يستخدمها المحللون لرصد هذا التحول- 2.5 مليار يورو (2.7 مليار دولار أميركي) خلال أبريل، وهو أعلى مستوى منذ أوائل عام 2023، وفقاً لبيانات «مورنينغ ستار دايركت».
وشهدت صناديق المؤشرات المتداولة في الأسهم نفسها المزيد من التدفقات الخارجة في أوائل مايو، على الرغم من أن صناديق الدخل الثابت المعادلة قد اجتذبت بعض الأموال مرة أخرى.
قال كينيث لامونت، المدير في «مورنينغ ستار دايركت»، إن بيع الأصول الدولارية «يعكس اتجاهاً طويل الأمد استفادت فيه الأصول الأميركية من تدفقات صافية قوية باستمرار». ويُعزى هذا التراجع جزئياً إلى تحول «وطني» بين المستثمرين الأوروبيين نحو قطاعات محلية مثل قطاع الدفاع.
في مؤشر على التحولات الكبيرة في رأس المال العالمي، ارتفع اليورو بالتزامن مع ارتفاع سندات الحكومة الألمانية في الأسابيع الأخيرة، ما خالف النمط المعتاد، ويشير إلى سعي المستثمرين إلى أصول ملاذ آمن غير الدولار. وأفادت بنوك الاستثمار ببيع متواصل للدولار الأميركي وشراء لليورو في المعاملات الفورية من قبل المستثمرين المؤسسيين.
قال ثانوس فامفاكيديس، رئيس استراتيجية العملات العالمية لمجموعة العشرة في بنك أوف أميركا، إن البنك بدأ يشهد بيعاً للدولار من قِبل المؤسسات بأموال حقيقية في الأسابيع الأخيرة فقط.
وقال جورج سارافيلوس، الرئيس العالمي لأبحاث العملات في دويتشه بنك، إنه شهد بيعاً كبيراً للدولار الأميركي من قِبل مستثمرين بأموال حقيقية خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
قلّصت شركة فيريتاس الفنلندية لتأمين المعاشات التقاعدية استثماراتها في الأسهم الأميركية خلال الربع الأول. وصرحت لورا ويكستروم، كبيرة مسؤولي الاستثمار، لصحيفة فاينانشال تايمز بأن تقييمات الأسهم الأميركية مرتفعة، مشيرةً إلى «عدم اليقين والتواصل بشأن الرسوم الجمركية.. والارتباك وعدم القدرة على التنبؤ المرتبطين بذلك جعلنا نشكك في جدوى الاستثمارات الدولارية».
وقال جون بيرس، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق التقاعد الأسترالي «يونيسوبير» الذي تبلغ قيمته 149 مليار دولار أسترالي، في بودكاست الشهر الماضي إن صندوقه لديه تعرض كبير للأصول الأميركية، وسوف يتساءل عن هذا الالتزام. وأضاف: «بصراحة، أعتقد أننا شهدنا ذروة الاستثمار في الأصول الأميركية».