في محاولة لاحتواء ارتفاع الدولار وتخفيف الضغوط على المواطنين وتعزيز استقرار عمل المصرف الليبي بعد أزمة طاحنة، جاء قرار البرلمان بخفض رسم الضريبة على العملات، إلا أن القرار قوبل باعتراضات بعضها يطالب بإلغائها نهائياً، وأخرى تحذّر من مساسه بإيرادات الاقتصاد الليبي الذي تأثر لنحو شهرين مع خلافات البنك المركزي وإغلاقات النفط.
القرار الذي أصدره رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح «تضمّن خفض الرسم الضريبي المفروض على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية 7% ليصل إلى 20% بدلاً من 27%، مع إمكانية تخفيضه حسب ظروف إيرادات الدولة الليبية خلال مدة سريان القرار».
وفي حديثٍ، لـ«إرم بزنس»، رأى مسؤول ليبي أن القرار سيكون سبباً في خفض الدولار ودعم المواطن، بينما رأى خبراء أن أثره سيتضح خلال الأسبوع الجاري، معوّلين على إلغائه باعتباره سبباً في التضخم، وسط مطالب من بعضهم بالبحث عن بدائل لتلافي تداعيات الخفض، وتأثيره على عجز الإيرادات.
ووفق نص قرار مجلس النواب الليبي، يستخدم «الإيراد المتحقق من الرسم الضريبي في تغطية نفقات المشروعات التنموية أو يضاف إلى الموارد المتخصصة لدى مصرف ليبيا المركزي لسداد الدين العام».
وكشفت بيانات صادرة عن المصرف المركزي أن إجمالي الإيرادات المحلية من الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي بلغت 15.117 مليار دينار (نحو 3 مليارات دولار) خلال الفترة من مطلع يناير 2020 إلى نهاية أكتوبر 2020، مشيراً إلى أن بيان الإنفاق والإيرادات خلال الفترة نفسها إلى تخصيص مبلغ 13.452 مليار دينار (نحو 2.7 مليار دولار) من إيرادات النقد الأجنبي لسداد الدين العام، و1.575 مليار دينار لتمويل نفقات التنمية من الترتيبات المالية خلال الفترة نفسها.
وكان البنك الدولي ذكر في تقرير في عام 2019، أن رسوم بيع النقد الأجنبي ساهمت في الحد من المضاربة والتهريب، وتخفيف الضغوط على الأسعار في ليبيا، لافتا إلى أن معدل التضخم هبط إلى 9.3% في العام 2018، بعد أن سجل مستوى قياسياً في عامي 2016 و2017 (27.2% في المتوسط).
خطوة الخفض الجديدة تأتي تعديلاً لقرار مجلس النواب الليبي الصادر في منتصف مارس الماضي بفرض رسم (ضريبة) على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بـ27% لكل الأغراض حتى نهاية العام 2024.
وقادت تلك الخطوة بفرض ضريبة على العملات الأجنبية بنسبة 27% خلافات بين مجلس النواب الذي يقع مقره في شرق ليبيا، وحكومة الوحدة الوطنية في العاصمة طرابلس، غربي البلاد، وفي أبريل الماضي، قضت محكمة استئناف مصراتة الليبية بوقف قرار المجلس النيابي، مع تمسك مجلس النواب باستمراره باعتباره يمنع خفض سعر الدينار أمام الدولار ويستخدم في تمويل المشروعات.
لكن القرار الجديد الصادر في 6 أكتوبر الجاري يحمل نص حيثياثه الصادرة عن مجلس النواب الليبي، أنه جاء «بناء على ما عرضه محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى ونائبه مفتاح البرعصي، بشأن تخفيض قيمة الضريبة»، في إشارة لاستكمال مسار التوافقات بين سلطات شرق البلاد وغربها، التي خرجت هذا الشهر، في إطار دعم قيمة العملة المحلية، الدينار، التي تراجعت لمستويات قياسية أمام الدولار الأميركي مع خلافات بشأن إدارة وصلاحيات المصرف المركزي.
واشتعلت منتصف أغسطس الماضي أزمة عقب إقالة مجلس الدولة (الذي يتواجد بطرابلس غرب البلاد) لمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورفض مجلس النواب (المتواجد شرقي البلاد) تلك الخطوة، وإعلان حكومة شرق ليبيا ومقرها بنغازي والمسيطرة على 90% من المواقع النفطية بالبلاد حالة القوة القاهرة والإغلاقات النفطية، «حرصاً على المال العام».
وأدت إغلاقات النفط، لخسائر قدّرتها المؤسسة الوطنية للنفط، في بيان في 29 أغسطس الماضي، مليوناً و504 آلاف برميل، ما يعادل خسائر مالية تصل إلى 120 مليوناً و378 ألفاً و640 دولاراً، في 3 أيام فقط، ما مثل ضغطاً على الدينار وجعل الدولار يرتفع بالسوق الموازية ويكسر حاجز الـ 8 دنانير في أكبر زيادة منذ العام 2011، وسط تحذيرات عقيلة من احتمال تسجيل 10 دنانير.
قبل أن يقود تنفيذ لاتفاق وقعه مجلسا «النواب»، و«الدولة» (الهيئتان التشريعيتان المتنافستان في شرق وغرب ليبيا) برعاية بعثة الأمم المتحدة بليبيا، في 25 سبتمبر الماضي، إلى التوافق على حل قيادة أزمة المصرف المركزي وإنهاء الأزمة.
وفي حديث لـ «إرم بزنس»، عدّ وزير الدولة لشؤون الاقتصاد السابق في حكومة طرابلس، سلامة الغويل، أن القرار معالجة تستهدف خفض سعر الدولار أمام الدينار ضمن مراحل، والتخفيف على المواطن الليبي وخلق توازن في الاقتصاد والأسواق ومعالجة أي أزمات طارئة بسبب ارتفاع الأسعار.
وباعتقاد الغويل الذي يرأس حالياً مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الليبي، فإن تلك الخطوة المسؤولة من مجلس النواب، تخلق أملاً في كبح جماح سعر الدولار مقابل الدينار مما يدعم ممارسة المصرف الليبي نشاطه، ويحافظ على خلق بيئة داعمة له لتفادي محاولات إضعافه ورفع سعر الدولار.
ويرى أن هذا المسار يؤكد استشعار مجلس النواب بـ «آلام المواطن، وتأكيد على متابعته الشأن العام واستحقاقاته الاقتصادية لمواجهة ارتفاع الأسعار».
وبشيء من التفاصيل الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي الليبي، محمد الشحاتي، لـ «إرم بزنس»، إن «عملية الضريبة أو الرسم على سعر الصرف هي عملية بديلة لآلية سعر الفائدة في الدورة النقدية والتي صممت في إطار النظرية الائتمانية للتحكم في عرض النقود محلياً في الاقتصاد».
ولفت إلى أن «ارتفاع الإنفاق الحكومي بصورة غير متحكم بها سيقود إلى زيادة ضخمة في عرض النقود، وفرض ضريبة على سعر الصرف لا يعكس تدهوراً في قيمة الدينار بقدر ما يعكس سياسة البنك المركزي في سحب العملة من السوق الحر وإرجاعها للنظام المصرفي للتحكم في مسألة السيولة».
وباعتقاد الخبير الاقتصادي محمد الشحاتي، فإن «خفض الضريبة سيؤدي إلى انفلات في عرض النقود ولا يوجد تحديداً أي آلية بديلة مقترحة للسياسة النقدية عدا الصيرفة الإسلامية، والتي لم تتمكن من أداء وظيفة تعقيم النقود في الاقتصاد النقدي، حتى لو تم تخفيض أو إلغاء الضريبة على سعر الصرف فإن المصرف المركزي سيطالب بتنفيذ آلية بديلة تتيح له التحكم في عرض النقود».
يرى الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة المالية والتخطيط سابقاً، إدريس الشريف، في حديث لـ «إرم بزنس»، أنه قد يتلقف السوق هذه الرسالة وينخفض سعر الصرف لفترة، لكن المواطنين كان ينتظرون تنفيذ حكم المحكمة النهائي بوقف هذه الضريبة غير القانونية وغير الاقتصادية، موضحا أن تلك الضريبة كانت بهدف سد العجز والنقص في الإيرادات والدولار كما قيل سابقاً، فلماذا الآن يتم تخفيضها؟ رغم أن الوضع الحالي أسوأ مما سبق، خاصة مع إغلاقات النفط لأكثر من شهر وتقلص الإيرادات.
برأي الشريف، فإن المنطق كان يقول أن يتم رفع رسم الضريبة لا خفضه، والقرار الجديد دليل على أنه لم يبن القرار على أسس اقتصادية وموضوعية، مشدداً على أهمية وقف القرار بالأساس وجعل الأمور المتعلقة بسعر الصرف من اختصاص المصرف الليبي، والجهات الحكومية عليها بحث مسار آخر لمعالجة الأسباب الرئيسية لنقط الإيرادات وتنميتها.
وسيسهم القرار في تخفيض سعر الدولار أمام الدينار، وفق حديث المحلل والخبير الاقتصادي الليبي خالد بوزعكوك، لـ «إرم بزنس»، لافتا إلى أن سعر الإقفال سجل بنهاية الأسبوع 6.66 دينار، وسيرى خلال الأسبوع الحالي نتائج ذلك القرار بشكل أشمل.
واستدرك بوزعكوك قائلاً: «لكن الإشكالية ليست في نسب الرسم وتخفيضها؛ لأن ذلك الرسم مع تطبيقه ساهم في التضخم السلعي ورفع معدل الأسعار وذهاب المواطنين للمطالب بقيمة الرواتب لسد فجوة العجز»، ناصحاً بإجراءات حكومية اقتصادية للحد من الإنفاق والترشيد الحكومي، وعدم اللجوء لمثل هذه القرارات وإلغائها بالكامل وتوفير إيرادات، وعدم حدوث عجز بها مجدداً.
ووفق بوزعكوك، كانت بداية تطبيق قرار وضع رسم ضريبة في سبتمبر 2018 في عهد حكومة فائز السراج بنسبة 183%، وبدأ ينزل تدريجياً، مثلاً في يوليو 2019 صار 163%، وتم إلغاؤه في 2021 مع إعلان سعر صرف للدولار يتجاوز 4 دولارات، قبل أن يعود لتطبيقه مجدداً في مارس الماضي بنسبة 27%.