بيانات سوق العمل الأخيرة تثير المخاوف
الرسوم الجمركية مجرد تهديد قصير الأجل
شهدت الساعات القليلة الماضية تحولًا مفاجئًا وجذريًا في توجهات ثلاثة من أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي»، صوب التحول من سياسة مقيّدة تلتزم الصبر والتأني، إلى توقعات بخفض وشيك لأسعار الفائدة.
وباتت الأسواق تتوقع فرصة كبيرة لخفض أسعار الفائدة عند الاجتماع المقبل للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في سبتمبر، خاصة بعد أن بات من المتوقع أن يرتفع عدد الأعضاء المؤيدين لخفض الفائدة إلى 6 أصوات من أصل 12، بينهم رئيس المجلس.
تأتي التوجهات الجديدة من جانب أعضاء مجلس السياسة النقدية، بعد استقالة أدريانا كوغلر المفاجئة في الأسبوع الماضي، وإقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على فصل رئيسة مكتب إحصاءات العمل إريكا ماكنتارفر.
حتى يوم الخميس الماضي، اعتبرت الأسواق أن خفض معدلات الفائدة سيكون قرارًا سيئاً في الوقت الراهن، ودعمت أغلب البنوك العالمية قرار الفيدرالي الأميركي بالإبقاء على المعدلات بين 4.25% و4.5%.
لكن بعد صدور تقرير وظائف سيئ يوم الجمعة، تغير المشهد، وبدأت مواقف المعارضين داخل لجنة السوق المفتوحة تبدو أكثر بُعدًا في النظر وأقل تسييسًا، خاصة بعد التعديلات النزولية التي أعلن عنها مكتب العمل.
أظهرت البيانات صورة قاتمة، لا بسبب ضعف خلق الوظائف في يوليو، بل بسبب التعديلات النزولية، التي ألغت 258 ألف وظيفة من القراءات الأولية لشهري مايو ويونيو؛ ما يعني أن عدد الوظائف الجديدة في تلك الفترة كان ضئيلاً جداً.
والأهم من ذلك فإنه نظراً لتقلص حجم القوة العاملة، والذي يجعل عدد الوظائف المطلوب لبلوغ نقطة التوازن أقل، فقد ارتفع معدل البطالة من 4.1 إلى 4.2 %، وكاد أن يسجل عند 4.3 % لولا بضع نقاط أساس.
أعربت ماري دالي رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي في سان فرانسيسكو في بيان، عن اعتقادها بأنه سيتعين على البنك المركزي الأميركي خفض أسعار الفائدة قريباً، مستشهدة بتباطؤ سوق العمل وتقييمها بأن الرسوم الجمركية لا تشكل سوى تهديد قصير الأجل للتضخم.
وأضافت أن التضخم، في غياب الرسوم الجمركية، يتجه نحو الانخفاض تدريجياً، ومع تباطؤ الاقتصاد والسياسة النقدية التقييدية باستمرار، ينبغي أن يستمر في ذلك الانخفاض.
كما أشارت إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم على المدى القصير، لكنها على الأرجح لن تُبقي هذا التأثير مستمراً على المدى البعيد.
واعتبرت دالي أن سوق العمل اعتراها الضعف، خاصة بعد بيانات البطالة التي أظهرت صعوداً مفاجئاً للبطالة؛ ما يعني أن السوق باتت اكثر ضيقاً.
وقالت: «أرى أن التباطؤ الإضافي غير مرحب به، خاصة وأننا نعلم أنه بمجرد تعثر سوق العمل، فإنه التضخم يميل إلى الانخفاض بسرعة وبقوة، كل هذا يعني أننا سنضطر على الأرجح إلى تعديل السياسة في الأشهر المقبلة».
كما قالت ليزا كوك، عضوة مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، (يحق لها التصويت) إن «بيانات التوظيف لشهر يوليو كانت مثيرة للقلق نظراً لتباطؤ وتيرة التعيينات».
أضافت في كلمة ألقتها خلال فعالية نظمها بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن أمس، «المراجعات واسعة النطاق للبيانات كتلك التي وردت في التقرير الأخير تعد بمثابة نقاط تحول اقتصادي».
تتماشى رؤية كوك مع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري، الذي قال في بيان معد للنشر إن البيانات المتاحة تُظهر بوضوح تباطؤ الاقتصاد.
وأضاف أن الوقت ربما حان لخفض أسعار الفائدة قريباً، مشيراً إلى أنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت الرسوم الجمركية ستؤدي إلى ضغوط تضخمية مستمرة قبل عام أو أكثر.
قال كاشكاري: «القطاعات الدورية في الاقتصاد، أي تلك التي تتحرك صعوداً وهبوطاً بحسب الدورة الاقتصادية، قد توقفت تقريباً عن إضافة وظائف جديدة، وهو اتجاه بدأ منذ مطلع العام، وهذا أمر مقلق بالتأكيد».
خلال الأشهر الستة الماضية، أي منذ تنصيب ترامب تقريباً، أضاف الاقتصاد الأميريكي نحو نصف مليون وظيفة جديدة فقط، وهو ما يعادل نصف عدد الوظائف، التي جرى خلقها خلال الأشهر الستة السابقة لذلك.
يعزى ما يقرب من 40% من هذا التراجع إلى انخفاض التوظيف في القطاع الحكومي، إذا تراجع التوظيف في القطاع الخاص بدرجة كبيرة، خاصة مع إطلاق ترامب خطة لتقليص عدد العاملين في القطاع العام.
دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجلس الاحتياطي الفيدرالي أكثر من مرة إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة 1%.
كتب ترامب في منشور على منصة «تروث ֤سوشيال»، أن التأخر الشديد من مجلس الاحتياطي الاتحادي كارثة، وأن بوسع مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع أسعار الفائدة مرة أخرى إذا أدت التخفيضات إلى التضخم.
ووجه انتقادات مراراً إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، بسبب عدم خفض أسعار الفائدة، وحينما التقى الرجلان وجهاً لوجه لأول مرة، منذ التعيين في 2018، نهاية الشهر الماضي، وأخبر ترامب باول أنه يرتكب خطأ بعدم خفض أسعار الفائدة.
في يوليو، أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيسي عند نطاق 4.25% و4.50%، وهو النطاق ذاته منذ ديسمبر، وأشار صانعو السياسات منذ ذلك الحين إلى أنهم قد يبقون عليه لبضعة أشهر أخرى في انتظار مزيد من الوضوح بشأن الرسوم الجمركية.
شهد اجتماع الفيدرالي الأخير نهاية حقبة من التوحيد استمرت أكثر من 22 عاماً، مع حدوث أول حالة انقسام (عضوين) في التصويت منذ العام 1993 حينما صوت كرسيتوفر والر، وميشيل بومان بخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس.