واتفق خبراء استطلعت "إرم الاقتصادية" آراءهم، على أن الذهب ما زال الملاذ الآمن للاستثمار، ولكن هناك أوعية استثمارية أخرى تحقق عوائد قد تفوق الذهب، أهمها العقارات والدولار والبورصة، بشرط تنويع المحفظة الاستثمارية، وعدم وضع كل الأموال في وعاء واحد فقط، من أجل ضمان أكبر المكسب، وأقل خسارة محتملة.
وشهدت أسعار الذهب في مصر ارتفاعات متتالية وبوتيرة سريعة في الأيام الأخيرة، وارتفع سعر الذهب بالسوق المحلية خلال تعاملات الأسبوع الجاري بنحو 10%، ليصل سعر جرام عيار 21 الأكثر تداولا في مصر إلى 2800 جنيه، مقارنة بـ2550 جنيها خلال الأسبوع الماضي، رغم تمديد مبادرة "ذهب بلا جمارك" لمدة 6 أشهر جديدة، تنتهي في مايو الماضي.
وفي مايو الماضي، أطلقت الحكومة المصرية، مبادرة الإعفاء الجمركي لواردات الذهب بصحبة المصريين القادمين من الخارج لمدة 6 أشهر فقط، للحد من اضطرابات أسعار المعدن النفيس، بعدما وصل سعر جرام عيار 21 إلى 2850 جنيها.
وبعد بدء المبادرة هبط سعر الذهب بنحو 24% بشكل تدريجي، حتى استقر سعر جرام عيار 21 عند مستويات الـ 2150 جنيها، لكنه عاود في الأسابيع الأخيرة الارتفاع مجددا، وفشل الإعلان عن تمديد المبادرة في إعادته لمستوياته السابقة.
وبلغ حجم واردات مصر من الذهب المعفي من الضريبة الجمركية نحو 3.3 طن منذ بدء المبادرة في مايو الماضي، بحسب تصريحات صحفية لمسؤولين حكوميين.
في هذا الصدد، يقول نادي نجيب، السكرتير السابق لشعبة المشغولات الذهبية بغرفة القاهرة التجارية، وأحد كبار تجار الذهب، إن الظروف حاليا مختلفة تماما عن ظروف بدء المبادرة في المرة الأولى خلال مايو الماضي.
وأوضح نجيب في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أنه في المرة الأولى كانت الأسعار مرتفعة بسبب زيادة حجم الطلب عن الكميات المعروضة من المعدن الأصفر بنسبة تقترب من الضعف تقريبا، بسبب إقبال المصريين على شراء الذهب تحوطا من انخفاض قيمة الجنيه، وقد ساعدت المبادرة على زيادة الكميات المعروضة، وانخفضت الأسعار بالفعل.
وأشار إلى أن الزيادات الحالية في أسعار الذهب ناتجة عن الأحداث الجيوسياسية في المنطقة، وتتناسب مع سعر الأوقية عالميا إذا احتسبنا سعر صرف الدولار في السوق السوداء والذي تجاوز 50 جنيها، مشيرا إلى أن سعر جرام عيار 24 سجل خلال تداولات الأسبوع الجاري 3200 جنيها، وهو يتناسب مع سعر الأوقية عالميا بعدما تجاوزت 2000 دولار.
وتابع أنه "لابد من حساب سعر الذهب بناء على سعر الصرف بالسوق الموازية؛ لأن البنوك المحلية لا تدبر دولارات بالسعر الرسمي لاستيراد خام الذهب".
ويرى السكرتير السابق لشعبة المشغولات الذهبية أنه في ظل الظروف الحالية يعد الذهب هو أفضل الملاذات الآمنة للتحوط من أي مخاطر محتملة، مبررا ذلك بأن المعدن الأصفر مقوم بالدولار، ويحافظ على قيمة المدخرات، كما أنه أفضل من اكتناز الدولار نفسه لعدم تعريض الشخص إلى عقوبات قانونية.
ويفضل نجيب الاستثمار في الذهب عن العقارات والبورصة؛ لأن العقارات تستغرق وقتا كبيرا في عملية تسييل الأموال مرة أخرى، على عكس المعدن الأصفر، كما أن دخول البورصة يحمل مخاطر مرتفعة طوال الوقت.
في المقابل يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور السيد خضر، أنه في ظل الأزمات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الفائدة يتجه المواطنون إلى ما يسمى بالاقتصاد التجمدي، في إشارة منه إلى الذهب والعقارات والدولار والبورصة.
وقال خضر، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إنه لا توجد قاعدة ثابتة لضمان المكسب سوى تنويع المحفظة الاستثمارية، وإذا كانت محفظة المواطن الاستثمارية تتحمل التنويع، فعليه الاستثمار في هذه القطاعات جميعا بنسب مختلفة.
وأضاف أن الذهب ليس أداة استثمار ولكنه أداة تحوط وملاذ آمن فقط يحافظ على قيمة المدخرات، متوقعا أن يستمر المعدن الأصفر في الارتفاع خلال الفترة المقبلة بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة، وارتفاع سعر الأوقية عالميا.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الاستثمار العقاري حاليا يحقق مكاسب كبيرة، خاصة بعد ارتفاع أسعار مواد البناء بنسبة كبيرة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة أسعار الوحدات السكنية خلال الفترات المقبلة بنسبة تفوق ارتفاع أسعار مواد البناء.
أما إذا أراد المواطن الاستثمار في البورصة، فقد نصح خضر بالاتجاه إلى قطاع التكنولوجيا والقطاع الطبي، لأنهما سيحققان أرباحا ضخمة خلال السنوات المقبلة، لكنه مع ذلك حذر من أن الاتجاه نحو هذه الاستثمارات يدفع الاقتصاد المحلي إلى مرحلة الجمود، وانخفاض الإنتاجية، مشددا على ضرورة اتجاه الحكومة إلى تحفيز الاستثمارات الإنتاجية عن طريق طرح مبادرات ومنح تمويلات بأسعار فائدة منخفضة.
وتابع خضر أن "الاستثمارات حاليا تتجه إما لشهادات الإيداع في البنوك والاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة، أو الذهب والعقارات الدولار، وهو مؤشر خطير جدا على الاقتصاد المصري، ولذلك يجب على الدولة أن تتدخل لتيسير إجراءات المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال منحها إعفاءات ضريبية، وتسهيل إجراءات الحصول على تمويل بسعر فائدة منخفض.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن هناك استثمارا في مصر يغفل عنه العديد من المواطنين، وهو الاستثمار في الأراضي الزراعية، حيث إن أسعار الأراضي الزراعية متراجعة بنسبة كبيرة بسبب قانون تجريم البناء على الأراضي الزراعية، ولذلك فشراء أرض زراعية بالأسعار المتدنية الحالية يعد فرصة كبيرة لزراعتها وتحقيق مكاسب كبيرة من إنتاجية الأرض وانخفاض التكاليف في نفس الوقت.