خاص
خاصتونس - رويترز

اقتصاد تونس.. فاتورة الديون تنتظر قرض الصندوق

يوم تلو الآخر تتعمق أزمات الاقتصاد التونسي، لتتراجع معدلات نموه للربع الرابع على التوالي، وسط تعثر مفاوضات الحكومة وصندوق النقد للوصول لاتفاق على قرض قيمته 1.9 مليار دولار، بسبب اعتراض السلطات على تنفيذ برنامج للصندوق يستهدف رفع الدعم، وهو ما تخشى السلطات من عواقبه الاجتماعية وتأثيره على مستوى معيشة الملايين.

ويواجه الاقتصاد التونسي أزمات مزمنة منذ عام 2011 الذي شهد اضطرابات سياسية أثرت في معدلات النمو، وأدت إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ورفعت عجز الموازنة، وتسببت في تراكم الديون العامة، وتراجع حجم الاستثمارات.

وحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس، فقد انكمش اقتصاد البلاد في الربع الثالث من العام الجاري بنسبة 0.2%، متأثرًا بانخفاض الإنتاج الزراعي بسبب الظروف المناخية والجفاف.

وأشار المعهد إلى استمرار تراجع النمو الاقتصادي للربع الرابع على التوالي، بعد أن نما بنسبة 3.4% في الربع الثالث من 2022، ثم أخذ في التراجع إلى 1.8% في الربعين التاليين، وصولا إلى 0.6% في الربع الثاني من 2023، قبل أن ينكمش 0.2% في الربع الثالث.

وأرجع معهد الإحصاء التونسي تراجع النمو إلى الجفاف الذي تشهده البلاد منذ 3 سنوات، وأدى إلى انخفاض إنتاج القطاع الزراعي، مما أثر سلبياً على أداء الأنشطة الزراعية، كما انعكس على منحى نمو الاقتصاد الوطني خلال الأشهر الأخيرة.

وأظهرت بيانات المعهد أيضًا تراجع نمو الطلب الداخلي، مع انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وحجم الاستثمارات، كما سجل القطاع الصناعي تراجعاً بـ2.1% خلال الربع الثاني من عام 2023، مقارنة بالفترة ذاتها من 2022، متأثراً بانكماش قطاعي الزراعة والصناعة ونقص الطلب وسط ارتفاع معدلات التضخم.

أزمات مزمنة

في غضون ذلك، يتوقع البنك الدولي أن يسجل نمو إجمالي الناتج المحلي لتونس بنهاية 2023 نحو 1.2%، وهو معدل متواضع، يعادل نصف معدل النمو الذي سجله في العام الماضي.

وأرجع البنك توقعاته المتواضعة إلى عدم معالجة تونس للأزمات المزمنة التي تعوق الاقتصاد عن استعادة النمو، منتقداً الإجراءات والقوانين المحلية المتعلقة بالاستثمار والتجارة والتراخيص، فضلاً عن ضعف فرص الحصول على التمويل الدولي، وتنامي دور الإدارة العامة.

وأشار البنك الدولي إلى أن ذلك أدى إلى تصاعد حجم الدين العام، حيث ارتفع إلى 80.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقابل 40.7% في 2010.

كما أدى انخفاض إنتاج النفط والغاز، وزيادة الطلب على الطاقة والمنتجات الزراعية، إلى زيادة ضعف الميزان التجاري أمام تقلبات الأسواق الدولية، موضحاً أن الارتفاع السريع في فاتورة الواردات أظهر علامات تقويض ميزان المدفوعات.

وبحسب "تقرير المرصد الاقتصادي لتونس لخريف 2023" الصادر عن البنك الدولي، فإن معدل النمو الاقتصادي في تونس خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ 1.2%، وهي نسبة أقل من نصف ما كان عليه في 2022، وربع ما كان عليه في 2021.

تحذيرات رسمية

وإلى جانب التوقعات المتشائمة من البنك الدولي، حذر محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، في لقاء جمعه مع عدد من نواب البرلمان التونسي قبل أيام ونشرته وسائل الإعلام التونسية، من استمرار التعثر الاقتصادي، بما يؤدي إلى المزيد من التراجع في التصنيف الائتماني لمستويات خطيرة.

ويرى العباسي أن خارطة الطريق التي يجب على البلاد تنفيذها لكي تتخلص من كبوتها الاقتصادية، تشمل اتخاذ الإصلاحات الجريئة والقوية والعاجلة، مؤكدا أن إدارة الملف الاقتصادي التونسي لا تزال تعاني كثيراً من الأزمات، بسبب تأخر رد الفعل من جهة، وتخوف المسؤولين من التعاطي مع الملفات الاقتصادية المعقدة من جهة أخرى

وطالب محافظ المركزي التونسي، بضرورة تمرير العديد من المشروعات التشريعية، ومنها الاندماج المالي، والاستثمار الجديد، والتي من شأنها المساهمة في علاج المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تونس، وتدعم المعاملات المالية والشركات الناشئة وتشجّع الاستثمارات المحلية والأجنبية بإقرار الحوافز والتسهيلات الضريبية.

فاتورة الديون

من جانبها، ترى الباحثة الاقتصادية التونسية، ألفة السلامي، أن الاقتصاد التونسي يدفع فاتورة باهظة للاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد منذ عام 2011، وما صاحبها من اغتيالات وعمليات إرهابية، فضلا عن اعتماد الحكومات على سياسة الاقتراض، دون وجود رؤية واضحة تنتشل الاقتصاد من كبوته، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وأصبحت الديون عبئاً على عملية التنمية، حيث تجاوزت 80% من إجمالي الناتج المحلي، وبات الاقتصاد رهناً لسداد فاتورة الديون.

وتقول السلامي في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية" إنه في ظل هذه الظروف السياسية والاقتصادية المضطربة، تراجعت السندات التونسية في الأسواق العالمية من 130% عام 2010 إلى 60% في يوليو الماضي، ما يعكس مخاوف المستثمرين الأجانب من عدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية للبلاد.

وأوضحت أنه نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي، فقد تم تخفيض تصنيف تونس الائتماني 10 مرات على مدار السنوات الماضية إلى مستويات مقلقة، وأنه في حال عدم اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع فقد يتراجع التصنيف إلى مستوى الدول العاجزة عن سداد ديونها.

وعانت تونس خلال السنوات العشر الماضية، من عجز مزمن في الميزان التجاري والموازنة حيث سجلا 8% و7% على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، وإحداث تأثير سلبي على معدلات التضخم، إثر تراجع سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.

وأرجعت السلامي تزايد العجز إلى تراجع إيرادات الدولة بسبب انخفاض الاستثمارات والضرائب، وارتفاع الإنفاق العام بالإضافة إلى وجود احتياجات تمويلية ناهزت 8.3 مليار دولار، ما يعقد من الأوضاع.

وإلى جانب العجز السابق، فإن الاستثمارات في تونس شهدت أيضاً تراجعاً حاداً من %24 إلى 16%، وتراجع الادخار من 21.3 إلى 8.7% خلال الفترة بين عامي 2010 إلى 2023 الجاري.

الاقتصاد التونسي يدفع فاتورة باهظة للاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد منذ عام 2011
ألفة السلامي - باحثة اقتصادية
تعثر المفاوضات

وتسعى تونس إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 1.9 مليار دولار لتوفير السيولة اللازمة للموازنة، ولكن شهدت المفاوضات بين الجانبين تعثراً منذ نحو عامين، بسبب الخلاف بين الرئيس التونسي قيس سعيد وإدارة الصندوق، على بنود البرنامج الإصلاحي بشأن إعادة هيكلة منظومة الدعم وبيع مؤسسات عامة.

ويرفض سعيد طلبات الصندوق برفع الدعم عن الكهرباء والوقود وبعض السلع الأساسية، مقابل تمرير برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي اقترحته الحكومة وبموجبه تحصل تونس على القرض المطلوب، معتبراً أن الرضوخ لهذه الطلبات سوف يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

وعلى إثر تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، اتجهت الحكومة للاقتراض الداخلي من البنوك لتمويل الموازنة العامة، وإصدار سندات خزانة قصيرة ومتوسطة المدى، ما فاقم من تراكم الديون العامة.

ويرى محللون أنه حتى لو نجحت الحكومة في تمويل الموازنة العامة من الاقتراض المحلي، فإن الاقتصاد التونسي سيظل في حاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي، حيث يعتبر بمثابة شهادة ثقة تساعده على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوفير العملة الأجنبية، وتسهل عليه الوصول إلى مصادر التمويل الخارجية الأخرى بتكاليف أقل.

ويؤكد المحللون أن الحصول على القرض سوف يبعث برسائل طمأنة للمستثمرين الأجانب ومؤسسات التمويل الدولية، بأن الاقتصاد التونسي لا يزال مستقراً ولديه برنامج إصلاحي تمت الموافقة عليه من الصندوق، وتعمل الحكومة على تنفيذه.

حتى لو نجحت الحكومة في تمويل الموازنة العامة من الاقتراض المحلي، فإن الاقتصاد التونسي سيظل في حاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي
محللون
بدائل الصندوق

في المقابل، يؤكد آخرون أن أزمة الاقتصاد التونسي لا تكمن في قلة موارده المالية، وإنما تعود في الأساس لسوء إدارة الملف الاقتصادي، وعدم وجود رؤية واضحة لعلاج أزماته المزمنة، لا سيما أنه يتمتع بمقومات ومصادر دخل تساعده على استعادة الانتعاش والنمو مجدداً.

وتشير السلامي إلى أن هذه المقومات تشمل التوسع في صادرات زيت الزيتون الذي يمكن أن يدر دخلا يقدر بـ 1.6 مليار دولار، بالإضافة إلى تحويلات التونسيين التي سجلت أرقاماً قياسية، وعوائد قطاع السياحة، وهي كلها عوامل يمكن أن تغني عن اللجوء إلى قرض صندوق النقد الدولي.

وخلال الفترة من يناير إلى سبتمبر الماضيين، حوّل التونسيون المغتربون إلى بلادهم 1.9 مليار دولار، وهو نفس المبلغ الذي تسعى الحكومة للحصول عليه من قرض صندوق النقد الدولي منذ أكثر من عامين، كما جنى قطاع السياحة إيرادات بنحو 1.3 مليار دولار خلال العام الماضي بعد ما زار البلاد 6.4 مليون سائح.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com