وقد يكون المهندسون في اليابان عثروا على واحدة من الخلايا الشمسية التي قد تغني عن السوق الصيني وتكون منافسة لها على الساحة العالمية.
وتقوم اليابان بتقديم كافة أنواع الدعم لقطاع التكنولوجيا، وهي إشارة تدل على أن قطاع الطاقة المتجددة إلى جانب مجالات التكنولوجيا المتقدمة مثل أشباه الموصلات، أصبحت بمثابة قوة جيوسياسية.
تسيطر الشركات الصينية على أكثر من 80% من سلسلة التوريد العالمية للألواح الشمسية المصنوعة من السيليكون، كما أن حصة الصين من مادة البولي سيليكون، وهي المادة الأساسية لتصنيع الألواح أعلى من ذلك.
وتقول وكالة الطاقة الدولية إن العالم سيعتمد بشكل شبه كامل على الصين لتزويدها بالعناصر الأساسية لإنتاج الألواح الشمسية حتى عام 2025.
وفي الولايات المتحدة، تسعى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى بناء سلسلة توريد محلية للألواح الشمسية.
وتركز اليابان التي تبحث أيضاً عن حل للطاقة الشمسية محلياً على مايسمى بخلايا البيروفسكايت الشمسية التي لا تستخدم أي نوع من أنواع السيليكون.
وتستخدم الخلايا التي اخترعها العالم الياباني تسوتومو مياساكا، معدن بنية بلورية تسمى البيروفسكايت، والتي يمكن استخدامها في جهاز لتحويل أشعى الشمس إلى كهرباء.
والعنصر الأساسي الذي يدخل في تصنيع البيروفسكايت هو اليود، وعلى الرغم من أنها لا تعتبر قوة من حيث الموارد، إلا أن اليابان هي ثاني أكبر منتج لليود في العالم بعد تشيلي، حيث تمثل حوالي ثلث الإنتاج العالمي.
وقال مياساكا في إشارة إلى القيود التي تفرضها بكين على تصدير العناصرة النادرة مثل الغاليوم والجرمانيوم التي تستخدم لتطوير الرقائق: "ماتقوم به الصين هو تنمر، والأن يمكن باستخدام خلايا البيروفسكايت تصنيع المكونات المحلية للرقائق".
وتمت دراسة خلايا البيروفسكايت لأكثر من عقد من الزمن، لكنها في البداية لم تتمكن من مجاراة خلايا السيليكون في كفائتها في تحويل الضوء إلى كهرباء، حيث تميل إلى التحلل في الرطوبة.
وبناءً عليه تم استخدام البيروفسكايت داخل ألواح السيليكون المغطاة بالزجاج لتعزيز كفاءتها، وقد دعمل الحكومات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى تطوير الخلايا الترادفية.
وفي الوقت الحالي، تمكنت الخلايا المكونة من البيروفسكايت فقط من اللحاق منافسيها من السيليكون، أو حتى تجاوزتها من خلال معدلات التحويل التي وصلت إلى 25% أو أكثر، وفقاً لبيانات وزارة الطاقة الأميركية.
ويقارن ذلك بمعدلات تبلغ حوالي 18% إلى 22% لألواح السيليكون التجارية التقليدية.
ويمثل التحدي اللآن في جعل التكاليف تنافسية مع خلايا السيليكون والتعامل مع مشكلة الرطوبة.
ويقول مطورو خلايا البيروفسكايت، إن تنوعها يميزها عن غيرها وذلك لأنها خفيفة ومرنة.
ويبلغ طول سمك طبقة البيروفسكايت البلوري ميكرون واحد فقط، مما يؤدي إلى خلية يبلغ وزنها عشر وزن الخلايا الشمسية الحالية، وواحد على عشرين سمكها.
ويمكن تركيبها على الجدران أو الأسطح المنحنية وتوليد الكهرباء تحت ضوء الشمس الضعيف، حتى في الداخل.
وقال مياساكا الأستاذ في جامعة توين في يوكوهاما والذي عمل سابقًا في شركة فوجي فيلم لصناعة أفلام الصور في مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية: "لنفترض أنك تعيش في شقة وليس لديك سقف خاص بك. لا يزال بإمكانك وضع خلايا البيروفسكايت على شرفتك".
وتعهد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بجعل هذه التكنولوجيا قابلة للتطبيق تجاريا في غضون عامين. وتستورد اليابان ما يقرب من 90% من احتياجاتها من الطاقة منذ أن أغلقت معظم محطاتها النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية عام 2011.
وعلى الرغم من أن هدف كيشيدا طموح، إلا أن المهندسين والمسؤولين اليابانيين متفائلون، مستشهدين بالتقدم التكنولوجي الأخير.
وتعمل شركة Sekisui Chemical، الموردة لصانعي شاشات العرض، على معالجة مشكلة الرطوبة. وتقول إنها طورت مواد مانعة للتسرب تسمح لخلاياها بالاستمرار لمدة 10 سنوات.
وتقوم شركة سيكيسوي باختبار خلايا البيروفسكايت الخاصة بها في الهواء الطلق على أسطح غير مناسبة لألواح السيليكون وتتطلع إلى وضعها في محطات القطار والمرافق العامة الأخرى.
ويشبه الفيلم الشمسي المولد للكهرباء في الشكل والمظهر الفيلم الذي يستخدمه الناس لوضعه في الكاميرات، إلا أنه أعرض من فيلم الكاميرا الذي يبلغ قطره 35 ملم.
وقال تاكيهارو موريتا، مدير المشروع، إن شركة سيكيسوي أنتجت لفائف اختبارية لفيلم يبلغ طوله 30 سنتيمترا، وتخطط للإنتاج التجاري في عام 2025.
ويعتقد المؤيدون أن تكلفة الإنتاج ستكون في النهاية أقل لأن الخلايا لا تحتاج إلى عملية التسخين المستهلكة للطاقة اللازمة لصنع خلايا السيليكون.
كلما كان الفيلم أوسع، كلما أصبح من الصعب إنشاء طبقة رقيقة وموحدة من البيروفسكايت، وفي الوقت الحالي، يعني هذا أن طبقة أكبر من خلايا البيروفسكايت أقل كفاءة في توليد الطاقة.
وترى بعض الشركات أن ذلك سبب لتجنب المنافسة المباشرة مع ألواح السيليكون في البداية، خاصة في عمليات التوليد واسعة النطاق.
وتتطلع شركة EneCoat Technologies، وهي شركة ناشئة شارك في تأسيسها أستاذ بجامعة كيوتو، إلى استخدام البيروفسكايت في الداخل وفي الأجهزة الأصغر مثل أجهزة كشف الحركة التي تستخدم القليل من الكهرباء.
وقد طورت الشركة جهازًا محمولاً لرصد ثاني أكسيد الكربون مدعومًا بخلايا البيروفسكايت، وتخطط لبدء الإنتاج التجاري للخلايا للاستخدام الداخلي بحلول نهاية هذا العام.
وقال تاموتسو هوريوتشي، كبير مسؤولي التكنولوجيا في EneCoat، "نريد أن نبدأ باستهداف الأماكن التي لا يمكن فيها استخدام ألواح السيليكون حيث سيشكل ذلك سوقاً أكبر.
وتشعر الشركات اليابانية بالفعل بالضغوط من الصين. وتقول إحدى الشركات، وهي DaZheng (Jiangsu) Micro Nano Technology، إنها بدأت الإنتاج التجاري لخلايا البيروفسكايت في عام 2022، وتخطط لزيادة طاقتها بمقدار 10 أضعاف.
ويعتقد العديد من المهندسين أن اليابان لا تزال تتمتع بالتفوق التكنولوجي، حيث أن إنشاء طبقة بيروفسكايت موحدة ورقيقة للغاية يتطلب مهارة حرفية دقيقة، وهي قوة التصنيع الياباني.
وقال مياساكا، مخترع خلايا البيروفسكايت: "كلما كان الأمر أكثر صعوبة، كلما كان من الصعب على الصينيين تقليده".
ويدور في أذهان الكثيرين تاريخ ألواح السيليكون التقليدية، حيث قادت الشركات اليابانية في البداية حصة الإنتاج العالمي، لكنها تخلت عن الهيمنة للمنافسين الصينيين الذين استثمروا بكثافة في مرافق الإنتاج وخفضوا الأسعار بمساعدة بكين.
وقال هيرو إينوي، المدير العام للوكالة اليابانية للموارد الطبيعية والطاقة: "لقد فزنا في مجال التكنولوجيا، لكننا خسرنا في مجال الأعمال"، مضيفا أن الشركات اليابانية عانت من مصير مماثل في شاشات الكريستال السائل وأشباه الموصلات.
وخصصت طوكيو أكثر من 400 مليون دولار لمساعدة الشركات على إنتاج خلايا البيروفسكايت بكميات كبيرة. وكان لدى وزارة الطاقة في الولايات المتحدة برنامج بقيمة 29 مليون دولار في السنة المالية 2022 لدعم تقنيات الطاقة الشمسية بما في ذلك البيروفسكايت.
وقال إينوي: "نحن بحاجة إلى التأكد من عدم خسارة حجم وسرعة الاستثمارات".