logo
اقتصاد

"المقايضة" بدلاً من الدولار.. مصر تكافح نقص العملات

"المقايضة" بدلاً من الدولار.. مصر تكافح نقص العملات
تاريخ النشر:15 نوفمبر 2023, 05:18 م
تتجه مصر في تعاملاتها التجارية الخارجية مع بعض الدولة نحو اعتماد نظام "المقايضة" بدلا من استخدام العملات الأجنبية التي تعاني البلاد من عجز شديد فيها، خاصة الدولار، ولعل ذلك ما دفع القاهرة للطلب رسميا من كينيا مقايضةَ بعض السلع.

وتعد مصر ثاني أكبر مشتر للشاي من كينيا بعد باكستان، وقد انخفضت صادرات الشاي إلى السوق المصري بنسبة 23% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري.

ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري، بلغ إنفاق المصريين على استهلاك الشاي نحو 60 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالي الجاري "يوليو – سبتمبر 2023".

والمقايضة هي نظام يتم عبره تبادل البضائع أو الخدمات مباشرة مقابل سلع أو خدمات أخرى دون استخدام وسيلة تبادل مثل المال. والمقايضة عادة ما تكون ثنائية ولكن أحيانا تكون متعددة الأطراف، وهي موجودة بالتوازي مع النظم النقدية في معظم البلدان المتقدمة، لكن على نطاق محدود جدا.

وغالبا ما يلجأ التجار والشركات في الدول المتجاورة للمقايضة، عبر تبادل الحاصلات الغذائية والسلع الغذائية عبر الحدود، دون الحاجة لتدخل الحكومات، حيث يتم تبادل السلع عينيا والاكتفاء فقط بتسوية فروق الصفقات نقديا.

تخفيف الضغط

وتعاني مصر من نقص شديد في السيولة الدولارية، حيث اضطر البنك المركزي المصري إلى تخفيض قيمة "الجنيه" ثلاث مرات منذ مارس من 2022 وحتى يناير العام الجاري.

في محاولة لتخفيف ضغط الطلب على الدولار الأميركي داخل السوق المصرية، تدرس القاهرة تنفيذ عمليات تبادل تجاري مع دول أخرى مثل روسيا وتركيا وبعض الدول الأفريقية بنظام "المقايضة".

كما تحاول مصر تطبيق نظام المقايضة مع الهند أيضا، حيث تصل قيمة التجارة بين البلدين إلى 7 مليارات دولار سنويا، وتستورد مصر من الهند لحوما وحديدا وصلبا ووقودا وزيوتا ومنتجات كيماوية عضوية وآلات وأجهزة كهربائية، فيما تصدر إليها وقودا وزيوتا معدنية وأسمدة ومنتجات كيماوية وقطنًا وفواكه.

كذلك الحال مع روسيا، حيث تحاول مصر التوصل إلى اتفاق لمقايضة البضائع معها، حيث تصل قيمة التبادل التجاري بين البلدين إلى 6.5 مليارات دولار سنوياً، وتستورد القاهرة من موسكو الحديد والصلب والوقود المعدني والزيوت المعدنية والكتب والصحف والنحاس والمنتجات الكيماوية والحبوب والخشب، في حين تصدر إليها الخضروات والنباتات والبذور والصابون والفواكه والألبان والآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية والزيوت العطرية.

الديون سر الأزمة

يقول محسن سامي، الخبير الاقتصادي ومحلل أسواق المال، إن مصر تسعى لإيجاد طرق بديلة للتبادل التجاري مع الخارج عبر وسائل أخرى غير الدولار، بسبب ما يعانيه السوق المصري من شح العملة الخضراء بسبب ارتفاع الدين الخارجي وأعباء خدمته، الذي وصل، بحسب بيانات البنك المركزي المصري، إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بزيادة قدرها 1.5 % أو ما يعادل 2.43 مليار دولار مقارنة بالربع الأخير من عام 2022، والذي سجل الدين الخارجي خلاله 162.928 مليار دولار.

وأوضح سامي، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن هذه ليست المرة الأولى التي تبحث فيها مصر عن سبل أخرى للتبادل التجاري بعيدا عن الدولار، حيث توصلت مؤخرا إلى اتفاق مع أنقرة للتبادل التجاري بين البلدين عن طريق العملات المحلية، وذلك بالتزامن مع تلقي القاهرة في أغسطس الماضي دعوة للانضمام لتجمع دول "بريكس"، اعتبارا من يناير 2024، وهو ما سيساعدها كذلك على التبادل التجاري مع الدول الأعضاء في التجمع، باستخدام العملات المحلية.

وأضاف أن مصر تستهلك نحو ما يزيد على 90 ألف طن من الشاي سنويا، تستوردها كلها من الخارج، لافتا إلى أن مصر قد تلجأ لتصدير الأسمدة الزراعية إلى كينيا مقابل استيراد الشاي، وهذا الأمر قيد الدراسة الآن من الحكومة المصرية والبنك المركزي.

التجارة مع تركيا

أما بالنسبة للتجارة بين مصر وتركيا، المرشحة أيضا للانخراط في نظام المقايضة مع مصر، فهي تصل إلى 8.5 مليارات دولار سنويا، حيث تصدر مصر إلى تركيا الوقود والزيوت المعدنية واللدائن والأقمشة والخيوط والمنتجات الكيماوية والأسمدة والآلات والأجهزة الكهربائية، فيما تستورد منها الصلب والحديد والأجهزة الكهربائية والزيوت والمنتجات الكيماوية والجرارات والسيارات.

من جهته، يقول الدكتور محمد حسن، الخبير الاقتصادي، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، إن مصر لم تعتمد نظام المقايضة رسميا حتى الآن ولكنه قيد الدراسة، وما يجري هو مفاوضات بين تجار مصريين وآخرين من البلدان الأخرى التي لها تعاملات تجارية مع مصر، لافتا إلى أن أي آلية للتبادل التجاري خارجيا لا يمكن أن تتم إلا بموافقة وإقرار البنك المركزي المصري؛ لأنه سيكون الضامن لعمليات التبادل التجاري بين مصر وأي بلد آخر، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

وأضاف أن مصر نجحت فيما سبق في التعامل بنظام المقايضة مع روسيا، حيث تبادلت السلع معها بدون نقود، فتم استيراد الحبوب والزيت منها مقابل تصدير منتجات وحاصلات زراعية، وهو ما يؤهل مصر لتكرار التجربة في الوقت الراهن مع دول أخرى.

وأوضح أن مصر تستورد سلعا من كينيا بقيمة 310 ملايين دولار، فيما بلغت صادرات مصر إلى الجانب الكيني حوالي 356 مليون دولار، فمن الممكن إذا ما تم الاتفاق بين البلدين أن يخففا الضغط عن الدولار، وبدلا من استخدامه يتم مقايضة السلع فيما بينهما.

ولفت إلى أن نظام المقايضة تستخدمه بعض الدول لحل أزمة نقص الدولار، موضحا أن هذا النظام يفيد الأطراف التي تتبناه ومن الممكن التوسع في استخدامه لاحقا.

تاريخ "المقايضة"

يشار إلى أن نظام المقايضة يعود إلى 6000 قبل الميلاد، حين كان الإنسان البدائي يكتفي بما يزرع أو يصطاد، ويقايض ما تبقى معه بسلع أخرى يحتاجها ولا يملكها، والفينيقيون تحديداً هم أول من تبنى مقايضة البضائع عبر المحيطات مع مدن أخرى بعيدة، ثم تطور نظام المقايضة مع الزمن حتى انقسم إلى أكثر من نوع يتواءم مع احتياجات الأفراد والشركات في الوقت الحالي.

وللمقايضة عدة أنواع، لكن أكثرها شيوعاً هي المقايضة المباشرة، وفيها يتداول طرفان أو أكثر السلع أو الخدمات مباشرة، أما المقايضة بالتجزئة فتتم بين الشركات الصغيرة من خلال تبادل تجارى منظم. كما تستخدم الشركات المقايضة أحياناً عبر المقايضة المباشرة، أو المقايضة بالاعتمادات، وتتم عندما تجرى الشركات تبادلا تجاريا على أساس منتظم وصفقات عرضية مع وجود وسيط يتلقى عمولة.

النوع الأخير للمقايضة، يستخدم عبر أنظمة تداول البورصة المحلية في بعض الدول، ويقوم بها تحديداً الأفراد أو الشركات الصغيرة للغاية، حيث يقايضون باستخدام الائتمان.

وبرغم نجاح نظام المقايضة في فترات سابقة، فإن ما قوض استمراره وتوسعه هو وجود عدة مشكلات رئيسة في التعاملات التي تتم من خلاله، منها وجود صعوبات في تحقيق التوافق المزدوج في الرغبات، وتحديد نسبة التبادل، وتجزئة وتخزين بعض السلع، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد وسيلة للمدفوعات الآجلة، ومن هنا برزت فكرة النقود التي توفر مرونة أكبر في إجراء عمليات المبادلة، لكنها أيضاً تطورت حتى وصلت إلى شكلها الحالي.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC