«نجم»: الخدمات البنكية والرقمية عادت بالكامل خلال 48 ساعة فقط
3 أيام مصيرية حاصرت حريق سنترال رمسيس في قلب العاصمة المصرية القاهرة، بدأت بانقطاع مفاجئ في الاتصالات والخدمات الرقمية، لا سيّما تلك المرتبطة بالبنوك، وسط تأثر شبكة الإنترنت، وانتهت بعودة تدريجية لم تخلُ من شكاوى على منصات التواصل الاجتماعي حول استمرار تعطل بعض الخدمات.
وأكد وزير الاتصالات المصري، عمرو طلعت، في بيان رسمي، أن «الخطة (ب) و(ج)» قد تم تفعيلها لمواجهة أزمة الحريق، وهو ما أدى إلى احتواء الأزمة سريعاً.
فيما أوضح مسؤول مصري سابق في تصريحات لـ«إرم بزنس» أن هذه الخطط معروفة داخل أروقة الوزارة، وتتضمن تسلسلاً واضحاً وتحركات مدروسة لمواجهة الطوارئ، وقد نُفّذت بنجاح في هذه الحالة، ما أدى إلى «تلاشي آثار الأزمة بسرعة».
من جهته، قال رئيس شعبة الاتصالات والتكنولوجيا، بالاتحاد العام للغرف التجارية بمصر، إيهاب سعيد لـ«إرم بزنس» إن وجود خطة طوارئ واضحة هو ما مكّن من التعامل الفعال مع الحريق، مؤكداً أنه «لولا هذه الخطط، لما كانت الأزمة قد أُديرت بهذا الشكل السريع».
كان الحريق قد اندلع في مبنى سنترال رمسيس المركزي يوم 7 يوليو الجاري، مما أدى إلى تأثر واسع في شبكات الاتصالات، وتعطل تطبيقات الدفع الإلكتروني مثل «إنستاباي» وخدمات المحافظ الرقمية ومنصات الدفع مثل «فوري»، إضافة إلى خلل تقني في ماكينات الصراف الآلي (ATM)، وتوقف عمليات السحب والإيداع، وعدم القدرة على إجراء المعاملات البنكية أو طباعة كشوف الحساب. كما تعطلت أنظمة حجز تذاكر القطارات وتأخرت بعض الرحلات الجوية. وأسفر الحادث عن وفاة 4 أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين، بحسب بيان لوزارة الصحة.
وأعلن المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، خلال جلسة نيابية، أن «سنترال رمسيس سيبقى خارج الخدمة لأسبوع أو أكثر»، وفق ما أوردته وسائل إعلام محلية.
في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس»، قال وزير الاتصالات المصري الأسبق، خالد نجم، إن الخدمات عادت خلال 48 ساعة من وقوع الحادث، ما يؤكد قدرة الجهات الحكومية على احتواء الأزمة في وقت قياسي.
أوضح نجم أن الخطتين (ب) و(ج)، اللتين أشار إليهما وزير الاتصالات، هما جزء من خطط إدارة الطوارئ المُعدة مسبقاً داخل الوزارة، وتُراجع دورياً من خلال تدريبات سنوية لمواجهة أي طارئ وتقليل الخسائر.
أضاف أن الحادث يُعد درساً مهماً حول ضرورة تعزيز سبل المواجهة والاستعداد لأي خلل محتمل، لافتاً إلى أن نتائج التحقيقات الجارية ستضيف أبعاداً جديدة لفهم الحادث وكيفية الوقاية منه مستقبلاً.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وجّه بتشكيل لجنة فنية متخصصة للتحقيق في أسباب الحريق، بحسب ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي خلال اجتماع الحكومة الأخير.
من جانبه، شدد رئيس شعبة الاتصالات إيهاب سعيد، في تصريحات لـ«إرم بزنس»، على أهمية تفعيل خطة «ب» في مواجهة أي طارئ، مشيراً إلى أن وزارة الاتصالات أدارت الأزمة بكفاءة بسبب امتلاكها سيناريوهات بديلة، والاعتماد على نهج اللامركزية في التعامل مع شبكات الاتصالات.
خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي عقده رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، يوم الأربعاء، قدّم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري عمرو طلعت، لمحة مفصلة عن تطورات حريق سنترال رمسيس وتداعياته، واستعرض الخطط التي تم اتباعها لاحتواء الأزمة.
قال الوزير: «بدأت الأزمة تحديداً في سنترال رمسيس يوم الاثنين 7 يوليو 2025، في حوالي الساعة الخامسة مساءً، داخل غرفة بالطابق السابع. وقد أدى ذلك إلى انتشار النيران بسرعة غير معتادة بسبب وجود مواسير تمر من خلالها كابلات التيار الكهربائي، وهو ما ساعد على انتقال الحريق إلى باقي أجزاء المبنى».
أوضح أن المسؤولين في الشركة المصرية للاتصالات حاولوا في البداية السيطرة على الحريق باستخدام آليات الإطفاء الذاتي، إلا أن النيران اشتدت وانتقلت من غرفة إلى أخرى، ومن صالة إلى أخرى، ما استدعى التدخل الفوري من الحماية المدنية.
أضاف: «رغم سرعة استجابة الحماية المدنية، إلا أن الحريق امتد بفعل الكابلات إلى الطوابق المجاورة، واستغرقت جهود السيطرة عليه أكثر من 12 ساعة، في ملحمة بطولية بذل خلالها رجال الإطفاء جهوداً مشكورة».
أشار الوزير إلى أن الحريق أسفر عن تأثر بعض الخدمات الأرضية (الصوتية)، وخدمات التحويلات الرقمية والمالية، لكنها لم تنقطع بشكل كامل، موضحاً أن سنترال رمسيس هو أحد مكونات البنية التحتية المعلوماتية في مصر، لكنه ليس المكون الوحيد، إذ تعمل خدمات الاتصالات من خلال شبكة تضم عشرات السنترالات على مستوى الجمهورية.
أضاف: «كنا مستعدين بالخطة (ب) التي تقضي بتحويل جزء من الأحمال من سنترال رمسيس إلى سنترالات أخرى داخل الشبكة، لاستعادة الخدمات بشكل تدريجي. وعندما تبين لنا لاحقاً أن السيطرة على الحريق ستستغرق وقتاً أطول، تم اللجوء إلى الخطة (ج)، والتي تضمنت استبعاد سنترال رمسيس بالكامل من المنظومة المعلوماتية، وتحويل جميع الأحمال إلى سنترالات أخرى».
أكد طلعت أن سنترال رمسيس ليس السنترال الوحيد الذي ترتكز عليه خدمات الاتصالات في البلاد، مدللاً على ذلك باستمرار خدمات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي خلال الأزمة، إذ شهدت المنصات تفاعلاً مكثفاً بين المواطنين، في دلالة واضحة على أن البنية التحتية استوعبت الأزمة دون انهيار شامل.
كما نوّه الوزير بأهمية ما تمتاز به الشبكة الوطنية من «الازدواجية والتبادلية»، وهي خاصية تقنية تتيح تجاوز أي خلل جزئي أو كلي في مكون معين من المنظومة، ما يسمح باستمرارية الخدمة. وأوضح أن هذه المنظومة المعقدة بُنيت على مراحل وتخدم أكثر من 120 مليون خط محمول، ونحو 15 مليون خط منزلي، وهو ما يجعل عملية تحويل الأحمال من عنصر إلى آخر عملية معقدة لا تتم بضغطة زر، بل تتطلب إجراءات فنية دقيقة يعرفها المختصون في هذا المجال.
عن مستجدات الحادث، أوضح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت، أن الإجراءات الفنية والتقنية تستغرق بعض الوقت لتنفيذها بالكامل، مؤكداً أن الخدمات المتعلقة بتطبيقات السداد، والتحويلات المالية، واستخدام بطاقات الخصم والائتمان، والمحافظ الإلكترونية، وماكينات الصراف الآلي، قد عادت جميعها للعمل بكامل طاقتها.
أضاف الوزير: «لدينا عدد من التحديات، أولها ما نسميه محيط منطقة سنترال رمسيس، والتي تفقدها رئيس الوزراء صباح الأربعاء، وهي منطقة تضم نحو 50 ألف مشترك، وقد بدأنا بالفعل استعادة الخدمة فيها، وتمكّنا حتى الآن من إعادة الخدمة لـ24 ألفاً و400 مشترك، أي ما يعادل نحو 50% من إجمالي المشتركين، ونتوقع استكمال العمل خلال الساعات المقبلة».
أكد طلعت أن التحدي الآخر يتمثل في استكمال استعادة بعض خدمات الإنترنت الثابت الخاصة بعدد من الشركات، مشيراً إلى متابعته الشخصية لإتمام هذه المهمة خلال اليوم نفسه.
في السياق، كانت تقارير دولية قد حذّرت سابقاً من الاعتماد على بنية تحتية أحادية في قطاع الاتصالات المصري. ففي عام 2020، أصدر البنك الدولي تقريراً بعنوان «تقييم الاقتصاد الرقمي في مصر»، أشار فيه إلى وجود نقطة ضعف جوهرية في النظام تتمثل في ما يُعرف بـ«نقطة الفشل الواحدة».
أوضح التقرير أن هيمنة الشركة المصرية للاتصالات على البنية التحتية الثابتة تمثّل تهديداً حقيقياً لاستمرارية الخدمات الرقمية، مؤكداً أن وجود طرف واحد يحتكر تلك البنية يعرض البلاد لمخاطر كبيرة في حال حدوث عطل أو كارثة، كما حدث في حريق سنترال رمسيس.
وسلط التقرير الضوء على ثلاث مشكلات رئيسة في قطاع الاتصالات، هي: الاحتكار الفعلي للبنية التحتية، والتداخل المؤسسي بين المنظّم والمشغّل، والإطار التنظيمي الضعيف.
وقدّم التقرير عدداً من التوصيات الإصلاحية شملت إعادة تصنيف الشركة المصرية للاتصالات كمشغّل ذي تأثير سوقي كبير، وفصل أدوارها كمزوّد خدمة ومنظّم للسوق، إلى جانب مراجعة شاملة لقانون الاتصالات.
كما دعا إلى إتاحة البنية التحتية غير المستغلة للقطاع الخاص، وضمان توزيع عادل للطيف الترددي، بما يضمن بيئة اتصالات مرنة وآمنة ومستقرة.