في ظل تراجع أسعار النفط العالمية بشكل حاد، قد تجد المملكة العربية السعودية نفسها مضطرة إلى تعديل خطط الإنفاق، وفقاً لتحذيرات محللين اقتصاديين.
سجلت المملكة عجزاً في الموازنة بلغ 59 مليار ريال سعودي، أي 16 مليار دولار، في الربع الأول من عام 2025، وهو أكبر عجز تسجله منذ ثلاث سنوات، ما يثير القلق بشأن تأثير انخفاض إيرادات النفط على الاقتصاد الوطني.
وأشارت مونيكا مالك، كبيرة المحللين الاقتصاديين في «بنك أبوظبي التجاري» في تصريحات لموقع (AGBI)، إلى أنه على الرغم من أن العجز كان متوقعاً، «إلا أن النقطة الحاسمة تكمن في أن أسعار النفط كانت لا تزال قوية نسبياً في بداية العام».
لكن أسعار النفط بدأت في الانخفاض بشكل حاد بعد 2 أبريل، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن زيادة كبيرة في رسوم الاستيراد الأميركية، وأدى هذا القرار إلى خفض توقعات المؤسسات الاقتصادية، مثل صندوق النقد الدولي، لنمو الاقتصاد العالمي وطلب الطاقة.
وبحلول يوم الثلاثاء، تراجع سعر خام برنت إلى أقل من 62 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ أربع سنوات، وتوقعت «غولدمان ساكس غروب» أن تبقى أسعار النفط في المتوسط حول 60 دولاراً للبرميل لبقية عام 2025، مع احتمال انخفاضها أكثر إلى 56 دولاراً للبرميل في عام 2026، وتستند هذه التوقعات إلى قرار أوبك+ الأخير بزيادة الإنتاج.
وأشارت مالك إلى أن التأثير الكامل لانخفاض الأسعار من المتوقع أن يظهر في الربع الثاني من عام 2025، وتواجه المملكة العربية السعودية، التي تعتمد على النفط لتوفير حوالي 60% من إيرادات الحكومة، ضغوطاً متزايدة على ميزانيتها، وفي هذا السياق، يتم تنفيذ مشاريع ضخمة تصل قيمتها إلى تريليون دولار ضمن إطار رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط.
ولتمويل هذه المبادرات، أظهرت المملكة العربية السعودية نيتها في الاقتراض، مع توقعات بتخصيص 139 مليار ريال سعودي من الديون لعام 2025، ورغم المخاوف المتعلقة بالزيادة في الاقتراض، شدد المسؤولون على أن تقلبات أسعار النفط تؤكد الحاجة الماسة لتقليص الاعتماد على الهيدروكربونات وتنويع مصادر الإيرادات.
وبينما قامت الحكومة بالفعل بتقليص الإنفاق على مشاريع البنية التحتية المرتبطة بشركة «أرامكو» الوطنية و«صندوق الاستثمارات العامة» البالغ قيمته 940 مليار دولار، يعتقد المحللون أن التباطؤ الأكبر في الإنفاق سيحدث على الأرجح خارج الميزانية، ولم يتم إلغاء أي مشاريع رئيسة حتى الآن، رغم أن الأولويات قد تشهد تغييرات في المستقبل.
وقال فاروق سوسة، كبير اقتصاديي «غولدمان ساكس» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن «هذه مشاريع طويلة الأجل»، مشيراً إلى أن جداول تنفيذها تتمتع بالمرونة بطبيعتها، وأضاف أن «صندوق الاستثمارات العامة» قد يركز على المشاريع ذات الجداول الزمنية الأكثر إلحاحاً، مثل تلك المتعلقة بـ«معرض الرياض 2030» أو «كأس العالم 2034»، على حساب المشاريع طويلة الأمد مثل مدينة نيوم المستقبلية «ذا لاين».
كما أبرز سوسة التحديات الاقتصادية الأوسع التي تواجهها السعودية، حيث تحول ميزان الحساب الجاري للمملكة من فائض قدره 35 مليار دولار في عام 2023 إلى عجز قدره 6 مليارات دولار في عام 2024، على الرغم من أن أسعار النفط قد سجلت في المتوسط 80 دولاراً للبرميل العام الماضي، ويرجع هذا التحول جزئياً إلى المستوى المرتفع للواردات اللازمة لدعم مشاريع رؤية 2030، التي تؤدي إلى زيادة الطلب المحلي، بينما بقيت الصادرات راكدة.
وأشار المحللون إلى أن استمرار انخفاض أسعار النفط قد يجعل العجز غير مستدام، ووفقاً لتوقعات «غولدمان ساكس»، يرجح أن تحتاج السعودية إلى جمع 135 مليار دولار إضافية خلال العامين المقبلين لسد فجوة التمويل، وإذا انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل، فقد ترتفع هذه الفجوة إلى 265 مليار دولار.
على الرغم من الضغوط المالية، يشير صندوق النقد الدولي إلى أن السعودية تتمتع بهامش من المناورة، ومع نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 29% فقط، فإن المملكة في وضع جيد يسمح لها بالاقتراض إذا لزم الأمر، وتشمل الحلول المحتملة الأخرى تقليص أو تحديد زيادة الإنفاق الحكومي في المدى القصير، بالإضافة إلى بيع الأصول المملوكة للدولة أو شبه الدولة، لا سيما تلك الموجودة خارج المملكة.
وقال سوسة: «المملكة ستحتاج إلى التكيف مع التحديات»، معبراً عن التوازن المعقد الذي تواجهه السعودية في ظل بيئة اقتصادية عالمية صعبة، في أثناء سعيها لتحقيق أهداف رؤية 2030.