في ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، تستعد أسواق النفط العالمية لمزيد من التقلبات، إذ توقعت بنوك استثمارية كبرى ارتفاعاً حاداً في الأسعار في حال تعرّض مضيق هرمز، أحد أهم ممرات نقل النفط في العالم، لأي تعطيل.
تفاقمت الأوضاع بعد الغارة الجوية التي شنتها الولايات المتحدة في الـ21 من يونيو على «منشأة فوردو» الإيرانية لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، في عملية أطلقت عليها واشنطن اسم «مطرقة منتصف الليل»، وشكّلت تصعيداً كبيراً في الصراع الإقليمي. وقد ارتفع بالفعل سعر خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 18% و21% خلال الشهر ليصل إلى 79 و75 دولاراً للبرميل، حتى قبل تنفيذ الضربة الأميركية.
وبعد الهجوم، عدّل محللو «سيتي غروب» (Citigroup) و«جيه بي مورغان» (JP Morgan) و«غولدمان ساكس» (Goldman Sachs) توقعاتهم لأسعار النفط نحو الأعلى، محذرين من أن إغلاقاً كاملاً أو جزئياً للمضيق قد يدفع الأسعار إلى 130 دولاراً للبرميل.
يمرّ عبر مضيق هرمز يومياً ما بين 18 و19 مليون برميل من النفط، أي نحو 20% من الاستهلاك العالمي. وأي تعطيل طويل الأمد لهذا الممر قد يُحدث اضطراباً كبيراً في الأسواق ويؤجج معدلات التضخم ويهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وكان عضو البرلمان الإيراني والقيادي في الحرس الثوري إسماعيل كوثري صرّح في الـ15 من يونيو أن إغلاق المضيق «قيد الدراسة الجدية». ويُحذر المحللون من أن أي رد محدود من جانب إيران أو ضرر في البنية التحتية قد يربك سلاسل الإمداد.
تُعد إيران ثالث أكبر منتج في منظمة «أوبك»، وتضخ نحو 3.3 مليون برميل يومياً، يذهب معظمها إلى السوق الصينية. وقد يؤدي وقف صادراتها إلى تفاقم أزمة الإمداد في الأسواق العالمية؛ ما سينعكس على الأداء المالي في مختلف أنحاء العالم.
وتقدّر «سيتي غروب» أن تعطل 3 ملايين برميل يومياً لعدة أشهر قد يدفع الأسعار إلى 90 دولاراً للبرميل، مقارنة بمستويات في منتصف الستينات قبل التصعيد. أما «غولدمان ساكس»، فيتوقع أن يؤدي تراجع صادرات إيران بمقدار 1.75 مليون برميل يومياً إلى ارتفاع سعر خام برنت إلى ما يزيد قليلاً على 90 دولاراً، قبل أن تنخفض الأسعار مع تعافي الإمدادات.
من جهتها، تتبنى «جيه بي مورغان» سيناريو أكثر تشدداً، وتقدّر أن إغلاق المضيق بالكامل قد يدفع أسعار الخام إلى ما بين 120 و130 دولاراً للبرميل، وهي مستويات لم تُسجّل منذ أكثر من عقد.
يأتي هذا التصعيد الجيوسياسي في وقت يخيّم فيه القلق على المشهد الاقتصادي العالمي نتيجة السياسات التجارية المتشددة. فقد فرضت الإدارة الأميركية هذا العام سلسلة من الرسوم الجمركية، شملت 25% على الواردات من المكسيك وكندا والسيارات، و30% على البضائع الصينية، إلى جانب تعريفة موحدة بنسبة 10% على جميع الواردات؛ ما أثار مخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، خفّض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2025 من 2.7% إلى 2.3%، مشيراً إلى تصاعد الحواجز التجارية. وشملت التخفيضات الولايات المتحدة، حيث خُفّضت توقعات النمو إلى 1.4% بعد أن كانت 2.3%، مع خفض إضافي في توقعات 2026. كما تراجعت التوقعات في الصين، إذ يُتوقّع أن تنخفض نسبة النمو إلى 4.5% في 2025 مقارنة بـ5% في 2024.
وفي تحديثه الصادر في الـ18 من يونيو، رفع «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» توقعاته للتضخم، وتوقّع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.5%. كما خفّض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في 2025 إلى 1.4%، مقارنة بـ1.7% في مارس، وهي نسبة أقل بكثير من نمو 2.5% المسجل في 2024.
ومن المرجّح أن يُفاقم استمرار ارتفاع أسعار النفط من الضغوط التضخمية؛ ما سيقلّص القدرة الشرائية ويحدّ من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري. وقد بدأت أسعار الوقود في الولايات المتحدة بالاستجابة، إذ بلغ متوسط سعر غالون البنزين على المستوى الوطني 3.21 دولار هذا الأسبوع، ويتوقع المحللون أن يصل إلى ما بين 3.35 و3.50 دولار خلال الأيام المقبلة.
ورغم أن «غولدمان ساكس» يرى أن أسعار النفط قد تعود إلى نطاق الستينات في عام 2026 في حال استُعيدت صادرات إيران، فإنه حذّر من أن إغلاقاً طويلاً لمضيق هرمز قد يُقيّد قدرة دول «أوبك+» على ضخ طاقة إنتاجية إضافية؛ ما قد يدفع الأسعار إلى ما فوق 100 دولار في أسوأ السيناريوهات.
وقال محللو «غولدمان ساكس»: «هناك تركيز متزايد من المستثمرين وصناع القرار على المخاطر بعيدة الاحتمال لانقطاع مطوّل في حركة التجارة عبر هرمز»، مشيرين إلى أن هذه الفرضية قد تُفضي إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات ثلاثية الأرقام.