logo
طاقة

دول الخليج تعيد هيكلة أسواق العمل في عصر الطاقة النظيفة

دول الخليج تعيد هيكلة أسواق العمل في عصر الطاقة النظيفة
مبانٍ قيد الإنشاء، في حين تظهر في الخلفية أبراج الكويت، مدينة الكويت، يوم 8 مايو 2024المصدر: أ ف ب
تاريخ النشر:1 يونيو 2025, 05:06 ص

في مواجهة التحول العالمي المتسارع نحو مصادر الطاقة النظيفة، تعيد دول مجلس التعاون الخليجي رسم ملامح أسواق العمل واستراتيجياتها الاقتصادية، بهدف تحقيق الاستدامة طويلة الأمد.

فعلى مدى عقود، شكلت عائدات النفط العمود الفقري لاقتصادات دول الخليج، وأسهمت في توسيع قاعدة التوظيف لتلبية متطلبات قطاعات رئيسة كالبناء والصحة والخدمات. واليوم، تتخذ هذه الدول خطوات استباقية لتقليل الاعتماد على الهيدروكربونات، مع التركيز على رفع الكفاءة الاقتصادية وتنمية المهارات وتوسيع قطاعات الخدمات ذات القيمة المضافة العالية.

أخبار ذات صلة

أرباح شركات الخليج تنمو 2% لـ58.6 مليار دولار.. كيف عوضت خسائر الطاقة؟

أرباح شركات الخليج تنمو 2% لـ58.6 مليار دولار.. كيف عوضت خسائر الطاقة؟

وبحسب تحليل اقتصادي أجراه «معهد بيكر» (Baker Institute)، فإن دول مجلس التعاون لا تنسحب من قطاع الطاقة، بل تعمل على تطوير نماذجها الاقتصادية من خلال دمج تقنيات منخفضة الانبعاثات، والاستثمار في قطاعات بديلة، مثل: الخدمات اللوجستية والمالية والسياحة والخدمات الرقمية.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن «نهج الخليج في التعامل مع التحول في مجال الطاقة يتميز بالخصوصية؛ فبدلاً من إنهاء استخدام الوقود الأحفوري، تسعى الدول إلى الحد من الانبعاثات وتعزيز تنافسية اقتصاداتها من خلال التنويع».

سوق عمل بني على النفط

ازدهرت اقتصادات الخليج لعقود مدعومة بثروات الهيدروكربونات؛ ما دفعها إلى التوسع في استقدام الكفاءات لتلبية احتياجات النمو السريع في قطاعات متعددة. واليوم، تبرز الحاجة الملحة لإعادة هيكلة سوق العمل بما يتواءم مع التحول الاقتصادي ويستوعب التغيرات الديمغرافية والتقنية المستقبلية.

وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى إمكانية انخفاض الطلب على النفط إلى 24 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050، مقارنة بـ103 ملايين حالياً؛ ما يعزز الحاجة لتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي وتطوير قطاعات جديدة تواكب المتغيرات العالمية.

الكويت نموذج في التحول

تمثل الكويت حالة دراسية لافتة. فمع تخصيص نحو 80% من الموازنة العامة لأجور القطاع الحكومي، تواجه البلاد ضغوطاً مالية متزايدة تدفع نحو إصلاحات هيكلية. وتُظهر البيانات وجود ارتباط مباشر بين عائدات صادرات النفط وحجم النشاط الاقتصادي المحلي، حيث أظهرت الدراسات ارتباطًا وثيقًا بين الإيرادات النفطية وحجم الطلب على الموارد البشرية في السوق؛ ما يعكس مرونة السوق وتأثره بالعوامل الاقتصادية العالمية.

ويخلص التقرير إلى أن «نشاط القطاع الخاص لا يزال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالإنفاق الحكومي»، إذ يعتمد العديد من الشركات على المشاريع الحكومية بدلاً من إنتاج سلع وخدمات قابلة للتصدير وتدر إيرادات مستقلة.

ورغم هذه التحديات، تواصل الكويت تنفيذ خطط تنموية طويلة الأجل، وتسعى رؤيتها الوطنية إلى تحويل البلاد إلى مركز إقليمي للتجارة والتمويل، من خلال الاستثمار في البنية التحتية اللوجستية مثل الموانئ والمطارات وشبكات السكك الحديدية التي تربط دول الخليج. ومن شأن ذلك أن يفتح آفاقاً جديدة للنمو في قطاعات النقل والتجارة والخدمات المساندة.

نماذج استراتيجية لسوق العمل

حدد الخبراء أربعة نماذج محتملة لتطور سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، تختلف في مدى تركيزها على التوسع الاقتصادي ورفع الكفاءة التشغيلية:

  • النمو الشامل: يعتمد على توسيع القطاع الخاص من خلال استقطاب المهارات وتعزيز بيئة الأعمال، بما يُسهم في تحقيق التوازن المالي ودعم التنمية البشرية. وقد أثبت هذا النموذج نجاحه في دبي، التي تمكنت من تقليص اعتمادها على النفط بشكل كبير، وأصبحت القطاعات غير النفطية مثل التجارة والسياحة والخدمات المالية العمود الفقري لاقتصاد الإمارة.
  • التكامل القطاعي: يقوم على توحيد المعايير الوظيفية وتطوير سوق العمل على أساس الكفاءة والإنتاجية، بما يرفع التنافسية ويقلص الفجوة بين القطاعين العام والخاص. ويُعد هذا النموذج طموحا، ويحتاج إلى توافق سياسي واجتماعي لضمان نجاحه.
  • الاستقلالية التشغيلية: يهدف إلى بناء قاعدة محلية من الكفاءات في القطاعات الحيوية، مع تركيز على التعليم والتأهيل المهني لتلبية متطلبات الاقتصاد الجديد، خاصة في مجالات، مثل: التقنية، والصناعة، والخدمات الصحية.
  • التخصص الوظيفي: يركز على توزيع الأدوار في سوق العمل بما يعكس طبيعة كل قطاع واحتياجاته، مع المحافظة على استقرار الأداء الاقتصادي وزيادة المشاركة المحلية في القطاعات ذات الأولوية.

أخبار ذات صلة

وزير الطاقة الإماراتي يدعو «أوبك+» للنظر في ارتفاع الطلب على النفط

وزير الطاقة الإماراتي يدعو «أوبك+» للنظر في ارتفاع الطلب على النفط

خطوات إيجابية في باقي دول الخليج

أحرزت دول خليجية أخرى تقدماً ملموساً في سياسات تنمية الموارد البشرية والتنويع الاقتصادي، كلٌ بحسب خصوصية سوقه المحلي وأولوياته التنموية.

في المملكة العربية السعودية، يُعد برنامج «نطاقات» من أبرز أدوات تطوير سوق العمل، حيث يفرض نسباً ملزمة لتوظيف المواطنين في مختلف قطاعات الشركات الخاصة، إلى جانب برامج تدريب وتأهيل تستهدف مواءمة المهارات مع متطلبات السوق.

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فتواصل الحكومة جهودها في تعزيز التنافسية واستقطاب الكفاءات العالمية، بالتوازي مع دعم الكوادر المحلية من خلال برامج متخصصة مثل «أبشر»، التي تقدم خدمات توظيف وتأهيل متكاملة.

وفي قطر، أُقرت تشريعات جديدة لتطوير سوق العمل، مع تقديم حوافز للشركات الملتزمة بأهداف التنمية البشرية. وتأتي هذه السياسات في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وتوسيع قاعدة المهارات الوطنية.

كما تواصل كل من البحرين وسلطنة عمان تطوير نماذج خاصة بها، بهدف رفع كفاءة سوق العمل وتعزيز دور القوى العاملة المحلية، من خلال تنظيم السوق، وتوفير التدريب، وتحفيز القطاعات الإنتاجية.

وتسعى الحكومات الخليجية، في جميع هذه الحالات، إلى تحقيق توازن دقيق بين تحديث سوق العمل وتعزيز التنافسية، من خلال إصلاحات تنظيمية، وتطوير التعليم والتدريب المهني، ومراجعة هياكل الأجور.

قطاعات الخدمات تقود المستقبل

يتجه تركيز دول الخليج بشكل متزايد نحو قطاعات الخدمات عالية الإنتاجية، مثل الخدمات اللوجستية والمالية والسياحة والتجارة الرقمية، لقيادة اقتصادات ما بعد النفط. وتتميز هذه القطاعات بالاستدامة وفرص توظيف أوسع للكفاءات.

وتجسد تجربة دبي هذا التحول، إذ انتقلت من الاعتماد على النفط إلى تنويع مصادر دخلها عبر قطاعات حديثة، معتمدة على بنية تحتية قوية وبيئة تنظيمية مرنة جعلت منها مركزاً عالمياً للأعمال، وهو نموذج تسعى دول الخليج الأخرى لمحاكاته بما يتناسب مع خصوصية كل منها.

نظرة مستقبلية واقعية

في ظل التغيرات العالمية في قطاع الطاقة، تمتلك دول الخليج مقومات قوية لتجاوز التحديات، مستندة إلى وفوراتها المالية وموقعها الجغرافي واستعدادها للإصلاح. ورغم التحديات المتوقعة، ولا سيما في تطوير المهارات ورفع الإنتاجية، فإن الاتجاه العام واضح.

ويعكس التوجه نحو تحديث نماذج سوق العمل، وتطبيق سياسات تنمية بشرية متقدمة، وتنويع الاقتصاد، مزيجاً من الواقعية والطموح. ومن خلال تعزيز الكفاءة الاقتصادية مع الحفاظ على الاستقرار، ترسم دول الخليج مساراً نحو مستقبل أكثر مرونة وشمولاً.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC