يُعد تقليد العلامات التجارية – أي إنتاج وبيع سلع مقلدة أو غير مصرح بها دون موافقة مالك العلامة الأصلية – من أكثر أشكال التعدّي على العلامات التجارية انتشاراً وإضراراً. فهو يشكل تهديداً كبيراً للاقتصادات العالمية، ويقوّض حقوق الملكية الفكرية، ويعرّض سلامة المستهلك للخطر، كما يغذّي شبكات التجارة غير المشروعة.
رغم أن التقليد يبدو ظاهرة معاصرة، إلا أنه ليس جديداً. فقد بدأ، منذ العام 600 قبل الميلاد، عبر تزوير لعملات، وتقليد الذهب والفضة. ومع مرور الزمن، اتسع نطاق التقليد ليشمل السلع الفاخرة، والإلكترونيات، والأدوية، وغيرها. واليوم، أدّت العولمة والتجارة الرقمية إلى تسريع نمو اقتصاد التقليد، حيث أصبحت المنتجات المقلدة تحاكي الأصلية بدقة، مستغلة سمعة العلامات التجارية ومصداقيتها، ما يعرّض المستهلكين لمخاطر جمّة.
في العام 2019، شكّلت المنتجات المقلدة 2.5% من حجم التجارة العالمية، أي ما يعادل 464 مليار دولار، ومن المتوقع أن تقترب من 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وتأثيرها السلبي يتوزع على عدة مستويات:
تبنت دول العالم تشريعات صارمة لمكافحة التقليد وحماية العلامات لتجارية، وانضمت إلى اتفاقيات دولية، مثل: اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، واتفاقية TRIPS. وقد وفرت هذه الاتفاقيات إطاراً قانونياً موحداً لحماية العلامات التجارية، وتعزيز جهود تطبيق القانون على المستوى الوطني والدولي، بما في ذلك الاعتراف بالعلامات التجارية الشهيرة، ومنحها حماية خاصة على مستوى العالم.
في هذا السياق، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كقوة إقليمية رائدة في مكافحة التقليد، إذ إن موقعها الإستراتيجي كمركز تجاري عالمي بين الشرق والغرب جعل منها ومن موانئها نقطة تقاطع عالمية للاستيراد و التصدير. فقد طورت الإمارات منظومة قانونية قوية ومتوافقة مع المعايير الدولية، ونفذت إجراءات صارمة على الأرض يحتذى بها.
تقوم الجهات المعنية في الدولة مثل الجمارك أو دوائر التنمية الاقتصادية أو الشرطة بعمليات تفتيش منتظمة في المنافذ الحدودية والموانئ وفي الأسواق المحلية وتصادر المنتجات المقلدة، وتفرض عقوبات صارمة قد تشمل السجن أو الترحيل. فيما تلعب جمارك دبي دوراً محورياً في التعاون الإقليمي والدولي، عبر شراكات مع منظمات عالمية لحماية حقوق الملكية.
على الرغم لما للتجارة الرقمية من مزايا إلا أن البيع عبر الإنترنت والمنصات الرقمية سهَّل على المقلدين التوسع والانتشار، حيث يستغل المقلدون ميزة التخفي خلف الشاشات والوصول غير المباشر للمستهلكين حول العالم، مما فتح لهم المجال لتفادي العواقب القانونية. إلا أن العديد من المنصات بدأت باتخاذ خطوات لمواجهة المشكلة، منها برامج تسجيل العلامات التجارية، والتحقق من البائعين، واستخدام أدوات مراقبة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
أما وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تحولت هي الأخرى إلى أسواق غير رسمية للتقليد، و على الرغم من جهود شركات مثل (Meta) و(TikTok) في حذف الحسابات المزيفة والتعاون مع أصحاب العلامات التجارية، لكن تظل سرعة وانتشار التجارة عبر التواصل الاجتماعي تحدياً كبيراً أمام الهيئات التنظيمية.
رغم أهمية دور الحكومات، فإن العبء الأكبر يقع على عاتق مالكي العلامات التجارية، لا سيما في القطاعات عالية الخطورة، مثل: الأدوية، وقطع الغيار، والإلكترونيات، ومستحضرات التجميل. فكلما كانت العلامة التجارية أكثر يقظة وفاعلية، قلّت فرص نجاح المقلدين في اختراق الأسواق. إذ لا يكفي تسجيل العلامة التجارية فقط، بل يجب على الشركات اعتماد إستراتيجية متكاملة تشمل:
يُعد تقليد العلامات التجارية تهديداً عالمياً يؤثر سلباً على الاقتصاد، سلامة المستهلك، وسمعة الشركات. ورغم الجهود الدولية، يبقى دور أصحاب العلامات التجارية محورياً في الحماية من خلال التسجيل، المراقبة، والتوعية. وتبرز الإمارات كنموذج رائد إقليمياً بفضل قوانينها الصارمة، وتعاونها الدولي في مكافحة هذه الظاهرة.