logo
مقالات الرأي

اللغة الإنكليزية.. مهارة أم ضرورة في اقتصاد عالمي متسارع؟

اللغة الإنكليزية.. مهارة أم ضرورة في اقتصاد عالمي متسارع؟
لقطة جوية من العاصمة السعودية الرياض يوم 11 أبريل 2017.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:12 مايو 2025, 04:30 م

من النادر أن تدخل غرفة اجتماعات، أو تنضم إلى لقاء افتراضي، أو تفتح بريدك الإلكتروني، دون أن تفرض اللغة الإنكليزية نفسها كلغة الخطاب. لقد تجاوزت الإنكليزية دورها كلغة عالمية، لتتحوّل إلى أداة مركزية لاقتناص الفرص وتعزيز الكفاءة والتواصل عبر الحدود. وفي زمن تتسارع فيه التجارة العالمية، وتزداد فيه وتيرة التحول الرقمي والاعتماد على نماذج العمل عن بُعد، لم يعد إتقان اللغة الإنكليزية ميزة، بل أصبح شرطاً أساسياً في بيئات العمل حول العالم.

من منظور اقتصادي، يشير وجود نحو 1.1 مليار متعلم للغة الإنكليزية حول العالم إلى عمق هذا التحوّل. لم يعد التواصل الفعّال مهارة ثانوية، بل ركيزة للإنتاجية تسهم في تجاوز العوائق الثقافية، وتتيح للمهنيين عرض أفكارهم والتعاون ضمن فرق دولية وتثبيت حضورهم في الأسواق العالمية.

أخبار ذات صلة

وظائف جديدة ومهن مفقودة.. الذكاء الاصطناعي يغير سوق العمل العربي

وظائف جديدة ومهن مفقودة.. الذكاء الاصطناعي يغير سوق العمل العربي

وإذا نظرنا إلى المشهد من زاوية الشركات، نجد أن اللغة الإنكليزية تفرض حضورها كلغة مهيمنة في الأعمال، من أبسط التفاعلات اليومية كالبريد والاجتماعات، وصولاً إلى التفاوض والشراكات العابرة للحدود. فالشركات متعددة الجنسيات والعمالقة في قطاع التكنولوجيا تعتمدها لتسهيل التنسيق بين فرقها المنتشرة عالمياً. أما على الإنترنت، فحوالي 58% من المحتوى متاح باللغة الإنكليزية، ما يجعلها ضرورة لا غنى عنها لكل من يسعى للاستفادة القصوى من الموارد الرقمية العالمية.

نتائج استبيان بيرسون العالمي للغة الإنكليزية تعزز هذا الواقع. فقد رأى 85% من المتعلمين أن الإنكليزية ضرورية للنجاح المهني، وأكد 80% منهم أنها تفتح أبواباً لفرص عمل أفضل. وفي المملكة العربية السعودية، ترتفع هذه النسبة إلى 98%، إذ يعتبر الموظفون أن اللغة الإنكليزية أساسية لممارسة الأعمال. ومع ذلك، تُظهر النتائج أيضاً وجود فجوة حقيقية، إذ لا يشعر بالثقة بالتحدث بالإنكليزية في بيئة العمل سوى 48% من المتعلمين، وهي فجوة تؤثر بشكل مباشر على التعاون والإنتاجية والقدرة على الابتكار.

المردود المالي بدوره يعكس أهمية هذه المهارة، إذ تشير التقديرات إلى أن المتحدثين بطلاقة في اللغة الإنكليزية قد يحققون دخلاً أعلى بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بأقرانهم غير الناطقين بها. في قطاعات مثل التكنولوجيا، وخدمة العملاء، والتجارة الدولية، والاقتصاد القائم على الابتكار، غالبًا ما يكون إتقان اللغة الإنكليزية هو الحد الأدنى لدخول سوق العمل، لا مجرد أفضلية.

لكن هذه المهارة ليست سهلة المنال دائماً. يعاني كثير من المهنيين من تحديات في النطق والمفردات والدقة اللغوية، فضلاً عن الفروق الثقافية في التواصل. ورغم هذه العقبات، فإن الحلول متاحة: من التجارب اللغوية الغامرة، إلى المنصات الرقمية، والتدريب المؤسسي، وصولاً إلى الممارسة اليومية. العامل الحاسم هنا هو وجود دعم مستمر من أصحاب العمل، والالتزام بتوفير فرص تعلم قائمة على التحفيز والاتساق.

ولعل التحول الأبرز في السنوات الأخيرة يتمثل في تعامل الشركات مع تعلم اللغة الإنكليزية كاستثمار استراتيجي، لا كميزة إضافية. فبفضل هذا التوجه، أصبح التدريب اللغوي وسيلة لتحفيز إمكانات الموظفين، وتحسين التواصل الداخلي، وتعزيز علاقات العملاء، وتهيئة المؤسسات للتوسع الدولي.

أخبار ذات صلة

الرسوم الجمركية الأميركية تهدد بركود عالمي يعصف بالوظائف

الرسوم الجمركية الأميركية تهدد بركود عالمي يعصف بالوظائف

ينعكس هذا التوجّه بوضوح على اتجاهات السوق، حيث يُتوقّع أن يبلغ حجم سوق تعلم اللغة الإنكليزية عالمياً 48 مليار دولار أميركي بحلول 2028. أما في الشرق الأوسط، فيرتبط هذا النمو بارتفاع الطلب على التعليم الدولي، والانفتاح على فرص العمل العابرة للحدود، والتحول الرقمي المتسارع في مختلف القطاعات.

ورغم كل هذا الزخم، تبرز تساؤلات حول مستقبل اللغة الإنكليزية، لا سيما مع تقدم أدوات الذكاء الاصطناعي والترجمة الآلية. هل ستظل الإنكليزية تحتفظ بمكانتها كلغة مشتركة للأعمال؟ أم أننا أمام تحوّل محتمل؟ الواقع أن هذه الأدوات تفتح آفاقاً جديدة، لكنها لا تنفي الحاجة إلى تواصل دقيق وواضح. ستبقى اللغة الإنكليزية، في المستقبل المنظور، جزءًا من البنية التحتية الأساسية للاقتصاد العالمي، حتى مع تنامي أهمية التعدد اللغوي.

في نهاية المطاف، فإن تعزيز الجاهزية المستقبلية للمهنيين لا يتطلب فقط إتقان اللغة الإنكليزية، بل كذلك القدرة على التواصل متعدد اللغات ضمن فرق وأسواق متنوعة ثقافياً. أما الشركات التي تستثمر في تعليم موظفيها الإنكليزية، فهي لا تدعم مجرد مهارة، بل تبني بيئة أكثر شمولاً وابتكاراً وتفاهماً على الصعيد العالمي.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC