وول ستريت
وول ستريتمبنى الكرملين - رويترز

الاقتصاد الروسي أمام مشكلة مفاجئة: فقاعة العقارات

قامت البنوك الروسية بمنح مليارات الدولارات من القروض الرخيصة لمواطنيها لشراء منازل جديدة في أثناء الحرب، في حين تسببت هذه الأموال الآن في خلق معضلة اقتصادية لم تكن متوقعة، وهي فقاعة البناء السريع.

وكشف ارتفاع أسعار المساكن الناجم عن الديون، إلى جانب التضخم الذي ارتفع سريعاً، عن انقسامات صارخة بين المركزي الروسي والكرملين حتى مع احتدام المعركة في أوكرانيا.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، إنه يخطط لتمديد برنامج الرهن العقاري الشعبي الذي يقدم أسعاراً مخفضة للعائلات التي لديها أطفال حتى نهاية العام.

ومن ناحية أخرى، دعت حاكمة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا إلى تقليص أجزاء من برنامج الرهن العقاري المدعومة محذرة بأنها تقوض جهود المركزي الروسي لتهدئة الطلب والتضخم، ورفع المركزي الروسي الأسبوع الماضي سعر الفائدة الرئيسي إلى 16% أي أكثر من ضعف ما كان عليه في يونيو.

وقالت نابيولينا: "إذا لم تجعل الحكومة برامج الرهن العقاري المدعومة محدودة ومستهدفة، فإن تأثير سعر الفائدة الرئيسي على الاقتصاد سوف يضعف بشكل ملحوظ، وبالتالي ستكون هناك حاجة للحفاظ على سعر فائدة مرتفع لفترة أطول".

وكان الروس منذ فترة طويلة لديهم عدة شكوك في الرهن العقاري، الذي يشار إليه باللغة الروسية العامية باسم "عبودية الدين" ويفضلون التملك الكامل، إلا أن التغيير بدأ في عام 2020 عندما عرضت الحكومة قروضاً عقارية مدعومة لشراء منازل مبنية حديثاً كإجراء لدعم الوباء.

وقد تزايد الاهتمام بالبرنامج منذ بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وبعد الانهيار الأولي في الإقراض العقاري في أعقاب الحرب بدأت البنوك في تخفيف معايير الإقراض، بينما كثفت الحكومة المدفوعات للمواطنين وتركت العقوبات للروس الأثرياء أماكن قليلة لوضع أموالهم.

فقاعة الرهن العقاري

وارتفع أحجام الرهن العقاري الروسي بنسبة 72% هذا العام إلى ما يقرب من 70 مليار دولار، وسجلت بالفعل رقماً قياسياً سنوياً جديداً وفقا لبيانات البنك المركزي الروسي، حتى أكتوبر.

وقد تم عرض غالبية تلك القروض بأسعار فائدة أقل بكثير من أسعار السوق بفضل الدعم الحكومي.

وقد ساعدت شعبية القروض العقارية الرخيصة الأسر على الانتقال إلى مساكن أكبر وأكثر حداثة، كما ساعد البناء الناتج عن ذلك في تعزيز النشاط الاقتصادي.

وتمكنت روسيا من الصمود أمام العقوبات بشكل أفضل مما تصوره الكثيرون في الغرب مع توقعات النمو لهذا العام، حيث استمر زخم النشاط الاقتصادي مع استمرار إيرادات مبيعات النفط القوية، والزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري، وتقديم منح للمواطنين العاديين في شكل معاشات تقاعدية معززة وقروض رخيصة، كما يشكل برنامج الرهن العقاري جزءاً رئيسياً من هذا الدعم.

وعلى الرغم من ذلك، حذر الاقتصاديون من أن الإنفاق والإقراض القويين أدى إلى ظهور علامات مثيرة للقلق من الإنهاك.

وقال ليام بيتش، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس: "بالنسبة لجزء كبير من السكان الروس، كان الرهن العقاري بعيد المنال، لذا فإن الحكومة تحب أن تتباهى به. لكنه يبقي الاقتصاد ساخنا للغاية. إنه يزيد من مخاطر الاستقرار".

وتواجه الحكومة أيضًا ارتفاع تكاليف البرنامج، وتعوض الحكومة للبنوك الفارق بين سعر السوق للرهن العقاري الذي يبدأ بنسبة 16% في أكبر بنك في روسيا سبيربنك والسعر التفضيلي البالغ 6% أو 8%.

وتتوقع الحكومة أن تتضاعف تكلفة برنامج الرهن العقاري 4 مرات تقريبًا في العام المقبل، لتصل إلى 454 مليار روبل (5 مليارات دولار)، وفقًا لصحيفة فيدوموستي الروسية.

واعترافًا بالمخاطر التي خلقها البرنامج، قامت الحكومة الأسبوع الماضي بزيادة الدفعة الأولى الإلزامية إلى ما يصل إلى 30%، من 20% حاليًا.

وبالنسبة للعديد من الروس، يعد الاستثمار في العقارات أحد الأماكن القليلة التي يمكن من خلالها وضع أموال فائضة وتوفير الحماية من التضخم المرتفع الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي بشكل متقطع لعقود من الزمن.

ومن ناحية أخرى أدت العقوبات إلى خنق سوق الأوراق المالية والقيود المفروضة على العملة، كما أن العقوبات الغربية تجعل من الصعب نقل الأموال إلى الخارج.

ارتفاع أسعار المساكن

أدت شروط التمويل السهلة إلى تضخم تكاليف المساكن الجديدة، حيث أصبح متوسط سعر الشقة المبنية حديثا في روسيا أعلى بنسبة 40% من سعر الشقق التي يعاد بيعها. وكانت هذه الفجوة أقل من 10% قبل بدء البرنامج. ويعني هذا الاختلاف أن الأشخاص الذين اشتروا شققًا جديدة قد يخسرون المال إذا حاولوا إعادة بيعها.

وقالت أولجا بيتشكوفا، الخبيرة الاقتصادية في وكالة موديز أناليتيكس، إن "مدخرات الناس من خلال معدلات الرهن العقاري المدعومة يتم القضاء عليها".

وحتى الآن، لا تزال حالات التخلف عن السداد منخفضة، مع تأخر سداد المدفوعات بنسبة 0.4% فقط، وفقًا لبيانات البنك المركزي. لكن الاقتصاديين يخشون أن الضغوط المالية لم تظهر بعد. وينفق حوالي نصف المقترضين الجدد 80% من دخلهم أو أكثر على خدمة الديون، وهو ما يقرب من ضعف المستوى مقارنة بالعامين السابقين، وفقًا لبيتشكوفا.

وقالت ألكسندرا بروكوبينكو، المسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي والتي تعمل الآن باحثة غير مقيمة في مركز كارنيغي روسيا أوراسيا ومقره برلين، إن إحدى المجموعات الرئيسية المشاركة في الطفرة هي عائلات الجنود القتلى والجرحى.

ويمكن لعائلات الجنود الذين لقوا حتفهم في أوكرانيا أن تحصل على خمسة ملايين روبل، أو حوالي 56 ألف دولار، من الحكومة بالإضافة إلى أموال أخرى كدعم من السلطات الإقليمية ومعاشات التقاعد ومدفوعات التأمين، واستخدم الكثيرون هذه الأموال لشراء العقار.

وقال بروكوبينكو: "يشعر الناس بأنهم أكثر ثراءً. هذا عامل سياسي مهم للغاية، وهو أن يكون لدى الناس علامات واضحة على أنهم يعيشون بشكل أفضل".

ويقول بروكوبينكو إن أزمة ملكية يمكن أن تنشأ إذا أوقفت الحكومة أو قلصت دعمها السخي للأسر. وهذا من شأنه أن يدفع الأسر إلى التخلف عن سداد قروضها العقارية، وإثقال كاهل البنوك بالديون المعدومة.

وتابع: "هذه المدفوعات من الحكومة ليست دائمة. هذا خطر كبير. من غير الواضح كيف سيتعامل الناس مع هذه القروض خلال ثلاث أو خمس سنوات".

وتستخدم روسيا أيضًا برامج الرهن العقاري الرخيصة كحافز للانضمام إلى الجيش والعمل في صناعات معينة مثل تكنولوجيا المعلومات، أو للانتقال إلى المناطق التي ترغب في تطويرها، مثل أقصى شرق البلاد النائي والقطب الشمالي. وغالباً ما يتم استكمال هذه البرامج بالنقود.

وتمنح مبادرة "منزلك في القطب الشمالي" الحكومية لمشتري المنازل في المناطق الشمالية ما يصل إلى 1.5 مليون روبل، أو حوالي 17 ألف دولار.

وحصلت إيفغينيا، وهي محاسبة تبلغ من العمر 43 عاماً وتعيش في كولا في منطقة مورمانسك الشمالية، على مليون روبل مع زوجها لبناء منزل. وهذا يعني أنه عند إضافة مدخراتهم الخاصة، لم يضطروا إلى الحصول على رهن عقاري.

وقالت إيفغينيا إن العقارات هي "إحدى الطرق المفهومة والمحافظة للاستثمار أو توفير المال". وقالت: "نظرًا لأن البناء الفردي ليس متطورًا جدًا في المنطقة، فهذا يعد حافزًا إضافيًا للسكان للقيام بذلك".

وكان القدر الأعظم من نمو الرهن العقاري مدفوعاً بالمدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبرغ. لكن مناطق أخرى تشهد نشاطًا محمومًا أيضًا.

وشهدت شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها روسيا في عام 2014 والتي أصبحت الآن محور الضربات المضادة لأوكرانيا، تضاعف أحجام الرهن العقاري هذا العام، وفقا لبيانات البنك المركزي حتى أكتوبر.

وشهدت توفا، وهي منطقة معزولة في سيبيريا، زيادة في الأحجام بنسبة 233%، وإن كان ذلك بعيدًا عن قاعدة منخفضة.

ومع اقتراب الانتخابات في مارس حيث أكد بوتين في وقت سابق من ديسمبر أنه سيرشح نفسه لا يتوقع الاقتصاديين أن تقوم الحكومة بتشديد الخناق قريباً.

وقال فاسيلي أستروف، الخبير الاقتصادي في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية، إن إعانات الرهن العقاري لا تزال "تحظى بشعبية كبيرة، لذا لا أتوقع أي تحركات كبيرة في هذا الشأن قبل الانتخابات، حتى مع الآثار الجانبية غير المرغوب فيها".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com