logo
تكنولوجيا

سباق التسلّح السيبراني.. كيف تتفوق الصين على الولايات المتحدة؟

21 مركزاً فقط من أصل 461 معتمداً في أميركا يدرّسون الهجوم السيبراني

الصين استقطبت مواهب من عدة مناطق لدعم منظومتها السيبرانية

سباق التسلّح السيبراني.. كيف تتفوق الصين على الولايات المتحدة؟
صورة توضيحية لتطبيق الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة ديب سيك، مع ظهور علم الصين في الخلفية- 28 يناير 2025المصدر: أ ف ب
تاريخ النشر:28 يونيو 2025, 11:27 ص

تحذّر دراسة جديدة صادرة عن «المجلس الأطلسي» من أن الولايات المتحدة تواجه خطراً متزايداً بفقدان ريادتها أمام الصين في سباق التسلح السيبراني العالمي، في ظل اتساع الفجوة بين البلدين في قدرات الهجوم السيبراني وطرق الحصول عليها.

فبينما نجحت الصين في دمج قطاعها السيبراني المرتبط بالدولة ضمن سلسلة توريد استراتيجية موحّدة، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد على منظومة مشتّتة تفتقر إلى الوضوح وتعاني من ارتفاع التكاليف، ونقص الكفاءات، وضعف الاستثمار في تطوير الخبرات المتخصصة في المجال الهجومي.

وتقارن الدراسة بين النهجين الأميركي والصيني في تتبع ما يسمى «ثغرات اليوم الصفر»، وهي ثغرات برمجية غير مكتشفة تُستخدم كعنصر أساسي في عمليات التجسس والدفاع والهجوم الإلكتروني.

أخبار ذات صلة

قطاع ناشئ تحفزه مليارات الدولارات.. الخليج يتحول صوب الأمن السيبراني

قطاع ناشئ تحفزه مليارات الدولارات.. الخليج يتحول صوب الأمن السيبراني

سوق بمليارات الدولارات تحكمها الندرة والسرية

تحوّلت سوق القدرات السيبرانية الهجومية إلى صناعة عالمية ضخمة، حيث بلغت قيمة بعض شركات الاستخبارات الإلكترونية ذروتها عند مستويات تقارب المليار دولار، بينما تخصص الوكالات الأميركية ميزانيات بملايين الدولارات سنوياً لاقتناء سلاسل من الثغرات المتقدمة تُمكّنها من اختراق الأنظمة الحساسة أو تنفيذ أوامر عن بُعد في شبكات الخصوم.

لكن في مقابل ارتفاع الطلب، أصبحت هذه القدرات أكثر ندرة؛ اذ تشير بيانات من «غوغل» وردت في التقرير إلى أن نحو 50% من «ثغرات اليوم الصفر» التي اكتُشفت عام 2023 تعود إلى شركات تجارية متخصصة في بيع هذه الأدوات للحكومات. ويتطلب تطوير ثغرة واحدة من المستوى العالي فترة تتراوح بين 6 و18 شهراً من العمل الهندسي المتواصل، بمشاركة عدة خبراء وعمليات اختبار مكثفة.

وقد أدى هذا المزيج من التعقيد والسرية إلى نشوء نموذج اقتصادي متقلب غير مستقر، حيث يعتمد العديد من البائعين على عقد أو عقدين فقط في السنة للحفاظ على الاستمرارية المالية.

سلسلة توريد أميركية مكلفة وفعالية منخفضة

تحصل الحكومة الأميركية على الجزء الأكبر من أدواتها السيبرانية الهجومية عبر شركات دفاعية كبرى مثل «آر تي إكس» (RTX)، التي كانت تُعرف سابقاً باسم «رايثيون»، و«إل ثري هاريس» (L3Harris)، و«بيراتون» (Peraton). وتلجأ هذه الشركات بدورها إلى التعاقد مع شركات أبحاث صغيرة أو مطوّرين مستقلين. وقد تُباع أداة اختراق واحدة بمبلغ 100 ألف دولار من قبل مطوّرها الأصلي، لكنها تصل إلى الوكالة الأميركية بسعر يتجاوز 750 ألف دولار نتيجة تعدّد الوسطاء.

ولا تقتصر المشكلة على التكاليف، بل تشمل أيضاً ضعف كفاءة سلسلة الشراء، إذ يعاني البائعون من صعوبة تحديد قنوات التوريد الرسمية، وغالباً ما يعتمدون على العلاقات الشخصية للدخول في العقود الحكومية.

وتشير الدراسة إلى وجود أزمة ثقة متبادلة؛ فالمشترون يخشون دفع مبالغ كبيرة مقابل أدوات مكررة، بينما يفتقر البائعون إلى وسائل التحقق مما إذا كانت أدواتهم قد أُعيد بيعها أو كُشف عنها علناً؛ مما يفقدها قيمتها التشغيلية.

كما أن تركيز الحكومة الأميركية على الأدوات الدفاعية والتعامل مع الشركات الكبرى ذات التكاليف التشغيلية العالية يحرم المطورين الأصغر من التمويل ويعيق الابتكار في المجال الهجومي.

أخبار ذات صلة

أضرار  الجرائم السيبرانية ستبلغ نحو 10.5 تريليون دولار  في 2025

أضرار الجرائم السيبرانية ستبلغ نحو 10.5 تريليون دولار في 2025

الصين توحّد قدراتها وتدمج الذكاء الاصطناعي

في المقابل، تبنّت الصين نموذجاً موحداً، حيث جمعت تطوير قدراتها السيبرانية الهجومية تحت مظلة مؤسسات مرتبطة بالدولة، وجامعات عسكرية، وشركات موثوقة في القطاع الخاص. وقد أسفر ذلك عن سلسلة توريد انسيابية تقلل التكاليف وتسرّع دورات الشراء، وتُتيح لبكين بناء أدوات هجومية متكاملة دون عوائق كبيرة.

وعلى خلاف الوضع في الولايات المتحدة، دمجت الصين الذكاء الاصطناعي بعمق في برامجها السيبرانية الهجومية. وبينما لا تزال المبادرات الأميركية مثل مشروع «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (DARPA) المسمّى (INGOTS - Intelligent Generation of Tools for Security) في مراحلها التجريبية، فإن القطاع السيبراني الصيني، العام والخاص، يستخدم الذكاء الاصطناعي فعلياً لتسريع عمليات التطوير والاختبار.

كما سلط التقرير الضوء على نجاح الصين في استقطاب الكفاءات الهجومية من الشرق الأوسط وآسيا ودول أخرى، من خلال برامج تعليمية تغذّي احتياجات الدولة مباشرة وتوفر مسارات وظيفية وتمويلاً ثابتاً.

أزمة مواهب تهدد القدرات الأميركية

رغم ريادتها التاريخية في الأمن السيبراني، أخفقت الولايات المتحدة في تطوير قاعدة محلية من المواهب في مجال الهجوم السيبراني. فمن أصل 461 مركزاً أكاديمياً معتمداً من «وكالة الأمن القومي» (NSA)، لا يحمل سوى 21 منها شهادة في العمليات السيبرانية الهجومية. وتوجّه معظم الجامعات طلابها نحو المسارات الدفاعية أو الوظائف التقنية العامة.

ويشارك آلاف الطلاب سنوياً في مسابقات مثل «كابتشر ذا فلاغ» (Capture the Flag) في مؤتمر «ديفكون» (DEF CON)، الذي يمثل ساحة تنافسية لاختبار المهارات وتعلم التقنيات الجديدة وإظهار الكفاءة في مجال الأمن السيبراني.

ومع ذلك، تفتقر مثل هذه المبادرات إلى دعم مالي مستدام وبنية مؤسسية قوية، حيث يحتاج الخريجون الجدد إلى تدريب إضافي يمتد من 12 إلى 18 شهراً داخل المؤسسات ليصبحوا مؤهلين للعمل بكفاءة.

في المقابل، تركّز الجامعات الصينية على التدريب الهجومي، وتربط مخرجاتها مباشرة بعقود الدولة؛ ما ينشئ منظومة تغذية فعالة للمواهب.

اختراقات استخبارية ومخاطر استراتيجية

كشف باحثون مشاركون في الدراسة عن محاولات متكررة من الاستخبارات الكورية الشمالية لسرقة شفرات اختراق الثغرات، بالإضافة إلى محاولات تسلل أجنبية في مؤتمرات الاختراق الدولية.

وقد اعتُبرت استجابة الحكومة الأميركية، خاصة من خلال «وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية» (CISA)، غير كافية من قبل مجتمع الأمن السيبراني.

وأدى هذا المناخ من انعدام الثقة والهشاشة إلى انسحاب العديد من الباحثين المرموقين من المجال خلال أقل من عقد، إما بالتحوّل إلى أدوار أكثر استقراراً في الأمن السيبراني الدفاعي أو الخروج من القطاع تماماً.

مفاضلات اقتصادية وتردد استراتيجي

تواجه الولايات المتحدة معضلة استراتيجية أوسع؛ إذ جعلها تفوقها في قطاع التكنولوجيا العالمي أكثر حذراً من التوسع في القدرات الهجومية، خشية تقويض الثقة بمنتجاتها البرمجية ومنصاتها. ويشير التقرير إلى وجود مفاضلة جوهرية بين قيادة الاقتصاد الرقمي وحماية الأمن القومي، وهي معادلة حسمتها الصين لصالح الهيمنة السيبرانية المدفوعة من الدولة.

وقد ركزت إدارة بايدن سابقاً على تنظيم شركات التجسس التجاري لأسباب حقوقية، بينما حوّلت إدارة ترامب التركيز نحو المنافسة الجيوسياسية مع الصين. ويُتوقّع أن يوفر مشروع «ستارغيت» (Stargate)، وهو استثمار أميركي ضخم بقيمة 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، فرصاً جديدة لتعزيز القدرات السيبرانية، رغم أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى.

وبينما تكافح أميركا لإصلاح أوجه القصور في منظومتها وتحديث استراتيجياتها، يبقى السباق مفتوحاً على احتمالات عدة في ظل تنافس استراتيجي متصاعد يتطلب رؤية جديدة وإجراءات فعالة لضمان الحفاظ على الريادة والأمن الوطني.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC