logo
تكنولوجيا

تأثير بيئي هائل.. الذكاء الاصطناعي يلتهم موارد الأرض

تأثير بيئي هائل.. الذكاء الاصطناعي يلتهم موارد الأرض
صورة مركبة للتعبير عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الخدمات اللوجستية ونظم المعلومات الجغرافيةالمصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:12 مايو 2025, 02:34 م

قوة تكتسح كل ما في طريقها: لا تترك زاوية في الكوكب أو جانباً من جوانب الحياة الإنسانية إلا وتؤثر فيه. تقول كايت كراوفورد: «الذكاء الاصطناعي له بُعد مادي هائل، فبُناه التحتية تستهلك كميات مذهلة من الموارد» بحسب صحيفة داي زايت. ماء، طاقة، معادن، بيانات، وأيدٍ عاملة. ومع ذلك، يبدو مصطلح «الذكاء الاصطناعي» وكأنه شيء افتراضي بحت. نتخيله كغيمة بيانات، كأن ليس له ثمن. «وهذا فهم خطير»، تحذر كراوفورد. وهي تعرف ما تقول، فهذه الأستاذة الأسترالية-الأميركية تعد من أبرز مئة خبير في الذكاء الاصطناعي في العالم.

قبل سنوات، أدركت كراوفورد الثمن الحقيقي لهذا القطاع. فقد زارت بلدة سيلفر بيك المعزولة في صحراء نيفادا. هناك، وقفت أمام بحيرات خضراء غريبة تتبخر تحت الشمس، حتى لم يبقَ منها شيء، تاركة وراءها واحدًا من أكثر الموارد طلباً في العالم: الليثيوم. «المعادن هي العمود الفقري للذكاء الاصطناعي، والطاقة هي إكسير حياته»، كتبت لاحقاً في كتاب.

كان هذا الوصف بمثابة إحساس غامض يتحقق اليوم. بدأنا نفهم ماذا تعني شراهة الذكاء الاصطناعي لكوكب الأرض، وكيف تقلب موازين الجغرافيا السياسية، وتتركز بها القوة الاقتصادية، وتُهدد أهداف المناخ.

أخبار ذات صلة

وظائف جديدة ومهن مفقودة.. الذكاء الاصطناعي يغير سوق العمل العربي

وظائف جديدة ومهن مفقودة.. الذكاء الاصطناعي يغير سوق العمل العربي

 

«طاقة أكثر من اليابان»

الذكاء الاصطناعي يبدأ من باطن الأرض، باقتلاع المعادن الضرورية لعمله: النحاس لأسلاك ومراكز البيانات، الليثيوم والنيكل والكوبالت للبطاريات، وكل ما يُعرف بـ«العناصر الأرضية النادرة» للخوادم. ويُستهلك كل ذلك بكميات هائلة.

فبحسب تقديرات «الوكالة الدولية للطاقة»، سيزيد الطلب على النحاس بنسبة 40% ليصل إلى 36.4 مليون طن بحلول عام 2040، في حين سترتفع الحاجة للعناصر الأرضية النادرة بنسبة 80% إلى 169 ألف طن، أما الطلب على الليثيوم فسيقفز بنسبة 700% متجاوزًا 1.3 مليون طن.

جميع القوى الاقتصادية الكبرى – من الولايات المتحدة إلى اليابان وأوروبا – تملك اليوم قوائم بـ«المعادن الحيوية» الضرورية لاقتصاد المستقبل، ولا أحد يضمن وفرتها. شركة «أوريغون غروب» للاستشارات الاستثمارية تلخّص المشهد: والسبب أن الذكاء الاصطناعي ينافس قطاعين متسارعي النمو: الدفاع، والطاقة المتجددة. لا سيارات كهربائية ولا انتقال طاقي من دون بطاريات، ولا بطاريات من دون الليثيوم. في أسوأ السيناريوهات التي ترسمها الوكالة الدولية للطاقة، سيُضرب الطلب على الليثيوم للسيارات الكهربائية بعشرة أضعاف بحلول عام 2050.

وفوق ذلك، يشكّل الذكاء الاصطناعي بحد ذاته مشكلة مناخية بسبب استهلاكه الهائل للكهرباء. تقول كراوفورد: «المعادن هي العمود الفقري للذكاء الاصطناعي، والطاقة إكسير حياته»، ثم توضح: «العام المقبل، قد يستهلك الذكاء الاصطناعي طاقة أكثر من اليابان».

مفارقة جيفونز

شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل «أوبن إيه آي» و«مايكروسوفت»، تسرّع استثماراتها في الطاقة النووية لتغطية احتياجاتها. ورغم سعي المطوّرين لجعل أدوات مثل «تشات جي بي تي» أكثر كفاءة، تحذّر كراوفورد من «مفارقة جيفونز». وهي مفارقة وضعها الاقتصادي البريطاني ويليام ستانلي جيفونز في القرن التاسع عشر، وبيّن من خلالها أن زيادة كفاءة الآلات لا تؤدي بالضرورة إلى تقليل استهلاك الطاقة، بل العكس. فكلما زادت الكفاءة، قلّت الكلفة، فازداد الاستخدام.

وتضيف كراوفورد: «مراكز البيانات اليوم تترك بصمة كربونية تفوق تلك التي تخلّفها صناعة الطيران كلها». وهذا يناقض آمال المتفائلين الذين يرون في الذكاء الاصطناعي أداة لإدارة الموارد وحماية المناخ. لكنها تؤكد: «كلما زادت كفاءة الذكاء الاصطناعي، زاد استهلاكه واستخدامه».

إذا ساعد على ترشيد المياه، ستتوسع مراكز البيانات التي تستهلك كميات ضخمة منها للتبريد. وإذا سهّل استخراج المعادن، فسيُنتج المزيد من الأجهزة. وتتناول كراوفورد هذه الإشكاليات في دراسة شاركت في إعدادها، نُشرت أواخر يناير. وتخلص الدراسة إلى أن النظام الاقتصادي العالمي يسعى للنمو السريع، وبالتالي فإن توافق الذكاء الاصطناعي مع أهداف المناخ يتطلب حوافز تنظيمية صارمة.

أخبار ذات صلة

الخدمات المالية أكثر القطاعات استفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي

الخدمات المالية أكثر القطاعات استفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي

 

«حرب باردة على المعادن»

إذا كانت كراوفورد على حق، فإن هناك نتيجتين واضحتين: أولًا، ستُصبح مكافحة تغيّر المناخ عبر الطاقة المتجددة أكثر صعوبة. وثانيًا، ستشتد معركة عالمية على المعادن، وهي في الوقت نفسه صراع على السلطة.

وتقول: «تظهر تكنولوجيا جديدة وتُثير الحماسة، لكنها تُختطف من قبل حفنة من الشركات التي تسعى لاستخدامها لتركيز سلطتها الاقتصادية والسياسية».

وقد بدأت آثار ذلك تظهر بالفعل في السياسات الدولية: الولايات المتحدة تقيّد تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، وهذه تردّ بمنع تصدير بعض المعادن. الرئيس السابق دونالد ترامب فكّر في ضم غرينلاند الغنية بالمعادن، وسعى للضغط على أوكرانيا لعقد صفقة حول الأراضي النادرة. وتختم كراوفورد: «نحن في خضم حرب باردة عالمية على المعادن. هذا هو التأثير الجوهري للذكاء الاصطناعي».

لكن يعارض هذا الرأي الباحث السياسي ياكوب كوليك من جامعة كمنيتس الألمانية، ويقول: «ما يحدث لا يُعد حربًا باردة لأن البُعد الأيديولوجي غائب». بل يرى فيها «وضعًا كلاسيكيًا لقوى كبرى تتنافس على موارد في ظروف جديدة».

سباق اللحاق بالصين

الاتحاد الأوروبي وقّع اتفاقًا مع أوكرانيا حول المواد الخام في يوليو 2021، في إطار خطة للتحوّل نحو اقتصاد أخضر ورقمي. لكن منذ ذلك الحين لم يتحقق الكثير.

كوليك، الذي كتب أطروحة دكتوراه عن سياسة ألمانيا تجاه المواد الخام، يقول: «نحن نضع القواعد والمعايير، لكن الصين لا تكترث». ويقترح إنشاء وكالة أوروبية للمواد الخام، على غرار النماذج الموجودة في اليابان.

وتلخّص «أوريغون غروب» التحدي قائلة: «بعد عقود من ضعف الاستثمارات في هذا القطاع، فإن تأمين المواد الخام الحيوية بات صعبًا بسبب اقتصار الاستخراج والتكرير على عدد قليل من الدول». فالصين تهيمن على معالجة النحاس، الليثيوم، والعناصر الأرضية النادرة، وهذه تُستخرج غالبًا من دول تشهد صراعات وفسادًا وعدم استقرار، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية أو موزمبيق.

يقول كوليك: «هذه دول صعبة، لكن الصينيين موجودون فيها بالفعل. وإذا أردنا أن نكون طرفًا، فنحتاج إلى وجود فعلي أو على الأقل إصرار». علمًا أن بدء أي مشروع تعدين يتطلب في المتوسط عشر سنوات. والاتحاد الأوروبي لا يملك احتياطيًا كافيًا من المعادن لتلبية احتياجاته.

مناظر قمرية غير صالحة للعيش

يرى عمالقة التكنولوجيا – من إيلون ماسك إلى سوندار بيتشاي – أن الذكاء الاصطناعي أهم من الآلة البخارية. لذا، فالمعادن ليست فقط عموده الفقري، بل أيضًا مستقبله. والحِدة التي تتعامل بها الدول مع هذه الموارد تُظهر أنها استوعبت ذلك. لكن، أياً تكن الجهة التي تفوز في هذا السباق، هناك مستقبل واحد مهدد بالخسارة: مستقبل الكوكب.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC