على غرار عام 2017، اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تكرار سيناريو ولايته الأولى بجعل منطقة الخليج أولى وجهاته الرسمية، وإن قادته بغتة جنازة البابا فرانسيس قبلها إلى الفاتيكان.
جولة ترامب تبدأ غداً الثلاثاء من الرياض، فمن المقرر أن يحضر في اليوم التالي قمة قادة مجلس التعاون الخليجي، ليتوجه بعدها إلى الدوحة ثم إلى أبوظبي.
يشير اختيار ترامب للخليج في مرحلة تتناثر فيها الأولويات، ويتعدّد الشركاء ذوو الحُظوة في طاولة حوار بعد شِقاق حروب التجارة، إلى تركيز أميركي متجدّد على المنطقة، لما تشكله من أهمية اقتصادية ونفوذ جيوسياسي. لكن المتغيرات الحالية، تخطت بهذه الزيارة المنتظرة حدود الدبلوماسية، لتمثّل فرصة لإعادة صياغة العلاقات الأميركية-الخليجية، بما يخلق توازناً أكبر بين مصالح الطرفين وسط مزيج من التحديات.
أولاً، لم تعد المنطقة مركز طاقة عالمياً فحسب، بل باتت طموحاتها تتخذ أشكالاً أوسع من الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي والاقتصاد الأخضر، إلى القوة الناعمة والنفوذ العالمي.
ثانياً، توفر الصناديق السيادية الخليجية مصدر رأسمال هاماً، إن تم النظر إليها ضمن أجندة ترامب وتعهداته الخاصة بجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل، غير أن البيئة الاقتصادية المتقلبة التي نتجت عن سياسات الرئيس الأميركي تضغط على مصالح تلك الصناديق.
كان لافتاً اختيار ترامب قمة استثمارية سعودية نُظمت في ميامي بفلوريدا، في 19 فبراير الماضي، لتوجيه أول خطاب رئيس له بعد عودته إلى البيت الأبيض، من بين أهم المشاركين فيها ياسر الرميان، رئيس صندوق الثروة السيادية السعودي.
وفي تصريحات للصحافيين أوائل أبريل، أكد ترامب أنه سيعود إلى السعودية «لخلق فرص عمل هائلة» في الولايات المتحدة، في إشارة إلى الوعود الاستثمارية التي قدمتها المملكة.
تشير التقارير إلى أن ترامب يأمل تأمين صفقات إضافية، من شأنها أن تُتيح تدفقات واضحة لرأس المال الخليجي، لتحقيق مكاسب للاقتصاد الأميركي.
وقد لفت «المجلس الأطلسي» (Atlantic Council) في تحليل، إلى أن «الموارد المالية الضخمة والثروات السيادية في المنطقة تُشكّل عامل جذب لرئيس حريص على تحفيز الاستثمار ونمو الوظائف في الولايات المتحدة. سيسعى ترامب إلى جذب استثمارات جديدة ضخمة من السعودية وقطر والإمارات في مشاريع البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا الأميركية».
يطال التركيز أيضاً الصناعات الناشئة، إذ يُعد التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة على جدول الأعمال، بما يتماشى وطموحات دول الخليج في أن تصبح مراكز تكنولوجية. كما تبقى صفقات الدفاع ركيزة من ركائز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
في ضوء كل ما سبق، يواجه ترامب حقيقة أن سياساته تتعارض وأهدافه. فالتقلبات الاقتصادية التي نتجت عن الحرب التجارية التي أشعلها، تؤثر سلباً في خططه لجذب رؤوس أموال خليجية إضافية، في ظل الضغوط على أسعار النفط وعائداته التي تعد المصدر الأهم لإيرادات الصناديق السيادية في الخليج. هذا، إلى جانب دعوته إلى رفع إنتاج النفط الأميركي إلى أقصى الحدود ما يزيد المعروض في السوق.
لذا، من المرجح أن يُشكّل النفط محوراً رئيساً في المحادثات، فترامب الراغب في خفض أسعار الطاقة لكبح التضخم -لا سيما أن الرسوم الجمركية ستخلق موجة ارتفاع جديدة في الأسعار- تقابل رغبته رغبة أخرى خليجية في أن تبقى أسعار النفط في نطاق معقول لا يضغط على الإيرادات، ولا يرفع العجز، ويمكنها -خاصة السعودية- من تمويل مشاريعها الضخمة والطموحة.
في المقابل، تعيق الرسوم الجمركية النمو الاقتصادي العالمي، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطلب على النفط. وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة، كسبب لخفض توقعات النمو العالمي لهذا العام من 3.3% إلى 2.8%. كما خفّض الصندوق توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة.
للسعودية والإمارات تعهدات ضخمة، هي الآن عرضة لرياح معاكسة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية. فالأولى وعدت بضخ 600 مليار دولار على مدى 4 سنوات، في وقت احتاجت إلى إعادة تقييم الإنفاق المحلي وتحديد الأولويات، بسبب ضغوط أسعار النفط على ماليتها العامة. ورغم ضخامة التعهد، يدفع ترامب في اتجاه رفعه إلى تريليون دولار، أي ما يوازي حجم صندوقها السيادي “صندوق الاستثمارات العامة” (PIF).
أما الإمارات، فالتزمت باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى 10 سنوات.
وقد بات ثقل التوجه القومي والحمائي لواشنطن، إلى جانب تصعيدها للتوتر مع إيران والحوثيين، يشكل مدعاة للقلق، بحسب تحليل لـ«المركز العربي - واشنطن» (Arab Center Washington DC)، لا سيما أن منطقة الخليج تعد من أكثر مناطق العالم عولمة، إذ تعتمد اقتصاداتها المفتوحة بشكل كبير على التجارة الحرة، والأسواق غير المقيدة، وعدم الانحياز.
يقول التحليل: «يبدو أن الاضطرابات التي خلقتها إدارة ترامب تزيد من التعرض للمخاطر الجيوسياسية، ما يقوّض جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر اللازم للمشاريع الضخمة في السعودية وغيرها من الجهود».
لكن، رغم كل ذلك، يرى تقرير آخر لـ«معهد واشنطن» أنه من المرجح أن يسعى ترامب إلى إبرام صفقات في مجالات مثل المعادن الأساسية والخدمات المالية والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي إلى جانب الطاقة، ما قد ترى فيه دول الخليج فرصة لتسريع تنويع اقتصاداتها.