تطورت السيارات بشكل مذهل خلال العقود الأخيرة، حتى أن هنري فورد أو كارل بنز لو شاهدا ما تنتجه شركاتهما اليوم لأصابتهما الدهشة وربما الذهول.
لكن هذا التطور لم يكن دائماً في الاتجاه الصحيح، فالتكنولوجيا والابتكار لا يعنيان بالضرورة الكمال، وهناك من يرى أن كثيراً من الخصائص الحديثة جاءت على حساب متعة القيادة الحقيقية وروح السيارة.
رغم أن تعزيز السلامة هدف نبيل، فإن الأعمدة السميكة والزوايا العمياء في معظم السيارات الحديثة جعلت من الصعب رؤية المشاة أو المركبات الأخرى، وهو ما قد يتسبب بحوادث كان يمكن تفاديها بسهولة. التركيز أصبح على «النجاة بعد الحادث» أكثر من «منع وقوعه».
التخلص من الأزرار الميكانيكية لمصلحة الشاشات اللمسية قد يبدو عصرياً، لكنه يشتت السائق ويجبره على النظر بعيداً عن الطريق لضبط التكييف أو الصوتيات. المفارقة أن حظر استخدام الهواتف أثناء القيادة تزامن مع ملء السيارات بشاشات ضخمة تتحكم في كل شيء.
الأنظمة المساعدة على القيادة مفيدة عند الاستخدام الصحيح، لكن الإفراط في الأتمتة وسلب السائق السيطرة الفعلية يقلل من متعة القيادة، بل ويجعل بعض عشاق السيارات يشعرون بأنهم مجرد ركاب في مركباتهم.
انتشار العجلات بقياسات 21 أو 22 بوصة على سيارات عائلية أو SUV لا يقدم ميزة عملية حقيقية، بل يزيد من تكلفة الإطارات ويقلل من الراحة، فيما يمكن لسيارات الأداء العالي العمل بكفاءة على عجلات أصغر.
رغم تفوق السيارات الحديثة من حيث القوة، الكبح، الأمان، الكفاءة، فإن الكثير منها يفتقر للإحساس الذي كانت تمنحه السيارات الكلاسيكية. صوت المحرك، رائحة البنزين، وحتى اهتزازات الهيكل كانت عناصر تصنع تجربة قيادة مليئة بالشغف.
من صوت إغلاق باب شاحنة F-150 في التسعينيات إلى عويل محرك RX-7، هذه التفاصيل التي كانت تمنح السيارات شخصيتها أصبحت نادرة في عصر السيارات الكهربائية والهجينة، حيث الهدوء يغلب على الإحساس الميكانيكي.
قبل 25 عاماً، كان بإمكانك شراء سيارة جديدة بسعر معقول مثل فورد فوكس بنحو 11 ألف دولار. اليوم، أرخص طراز من فورد يبدأ من 28 ألف دولار، ما يجعل امتلاك سيارة جديدة حلماً بعيد المنال لكثيرين.
في أسواق مثل الولايات المتحدة، هيمنت الشاحنات والـ«SUV» على المعروض، مع اختفاء كثير من السيارات السيدان المدمجة أو الواغن التي لا تزال متاحة في أوروبا وآسيا. حتى خيارات الألوان أصبحت محدودة في الرمادي والأسود والأبيض، والألوان الزاهية تكلف أكثر وتتوفر غالباً في الفئات الأعلى.
القدرات العالية للتسارع في معظم السيارات الحديثة، حتى الرخيصة منها، جعلت من السهل تجاوز السرعات المقررة، ما أدى لزيادة الحوادث والإصابات بين المشاة. كانت السيارات الأبطأ في الماضي توفر رادعاً طبيعياً للقيادة العدوانية، وهو ما نفتقده اليوم.
السيارات الحديثة أكثر أماناً وراحة وكفاءة من أي وقت مضى، لكنها في الوقت نفسه فقدت بعض السحر والاتصال الحسي الذي كان يجعل القيادة تجربة شخصية وممتعة. وبينما يسير العالم نحو مزيد من الأتمتة والكهرباء، يظل السؤال قائماً: هل يمكن استعادة روح السيارة في زمن التكنولوجيا الباردة؟