مع تصاعد التوترات في المنطقة، واصل الدولار رحلة متذبذبة أمام الجنيه المصري بظل انخفاض إيرادات قناة السويس وتأثر قطاع السياحة بالحرب الإيرانية الإسرائيلية؛ ما زاد الضغوط على العملة المحلية.
ومع بدء المواجهات بين إيران وإسرائيل ومن ثم دخول أميركا على خط المواجهة، ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه ليقترب من حاجز 51 جنيهاً بعدما كان مستقراً عند نحو 49 جنيهاً، الأمر الذي أرجعه محللون لـ«إرم بزنس» إلى عدة أسباب، بينها خروج بعض رؤوس الأموال الأجنبية مع ارتفاع المخاطر الخارجية وكذلك تحركات استباقية من البنك المركزي تحسباً لاتساع الاضطرابات.
خلال اليوم الخميس، وصل سعر الدولار في تعاملات البنوك المصرية إلى ما بين 49.95 جنيه للبيع، و49.85 جنيه للشراء.
ويترقب المصريون أداء سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية باعتباره محركاً أساساً لأسعار السلع في الأسواق المصرية، خاصة التي يتم استيرادها من الخارج.
وبحسب بيانات بلومبرغ الصادرة مطلع أبريل الماضي، ارتفع سعر الدولار في العقود الآجلة للجنيه المصري لأجل 12 شهراً إلى 60.28 جنيه، ليسجل أعلى مستوى منذ فبراير 2024.
بالمقابل، توقعت شركة «إي إف جي هيرميس» ارتفاع متوسط سعر صرف الدولار أمام الجنيه إلى 51.75 جنيه خلال العام المالي المقبل الذي يبدأ في يوليو 2025، مقارنة مع تقديراتها السابقة البالغة 49.9 جنيه للعام المالي الحالي.
أما مؤسسة «فيتش سوليوشنز» (Fitch Solutions) فتوقعت وصول سعر الجنيه أمام الدولار إلى مستوى 52.5 جنيه للدولار بحلول نهاية العام الجاري.
كما رجّحت التزام الحكومة المصرية بسعر صرف أكثر مرونة في مواجهة أي صدمات خارجية محتملة، بدلاً من اللجوء إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية كما حدث في فترات سابقة.
أرجع رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده الارتفاع الحاد في سعر الدولار مؤخراً إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية من جانب الشركات والمستوردين، إضافة إلى تحركات استباقية من البنك المركزي المصري لجمع الدولار خلال الفترات الماضية تحسباً للاضطرابات.
وفي حديثه مع «إرم بزنس»، تطرق إلى تداعيات واسعة للحرب الإيرانية الإسرائيلية، منها خروج بعض الأموال الساخنة، وارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وأسعار السلع الغذائية؛ ما ضاعف الضغوط على النقد الأجنبي، وبالتالي عودة الدولار للارتفاع مقابل الجنيه المصري.
وتدفّقت إلى مصر نحو 38 مليار دولار من استثمارات الأموال الساخنة في أذون وسندات الخزانة المصرية ذات العوائد المرتفعة منذ تحرير سعر الصرف في مارس 2024.
جزم الخبير المصرفي المصري محمد عبدالعال، بأن تراجع الجنيه في الأيام الأخيرة لا يتعدى كونه حركة محدودة ومع استقرار الأوضاع بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ستعود الأمور إلى طبيعتها؛ ما يعكس مرونة السياسة النقدية المصرية، خاصة بعد استقرار تحركات الدولار في البنوك عقب الارتفاع السريع.
وأضاف في حديثه مع «إرم بزنس» أن عدم دخول مصر في الصراع بشكل مباشر عزز ثقة المستثمرين في أدوات الدين المحلية، مشيراً إلى أن الدولة ما زالت تُعد وجهة آمنة نسبياً وسط التصعيد العسكري في الشرق الأوسط.
ورأى أن عوامل، مثل: ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وتدفقات متوقعة من صفقات كبرى كصفقة «رأس شقير» في البحر الأحمر، يمكن أن تسهم في الحفاظ على توازن سوق الصرف، رغم التحديات الجيوسياسية المحيطة.
وارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال أول 10 أشهر من العام المالي الحالي 77.1% إلى نحو 29.4 مليار دولار مقابل نحو 16.6مليار دولار خلال ذات الفترة من العام المالي السابق.
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي هاني جنينة أن تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة يؤدي إلى خروج جزئي للأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، ومنها مصر؛ ما قد يتسبب بضغوط مؤقتة على سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري.
وأوضح لـ«إرم بزنس» أن مثل هذه التوترات عادة ما تدفع المستثمرين الأجانب إلى البحث عن ملاذات آمنة؛ ما يؤثر في التدفقات المالية للأسواق الأكثر حساسية.
وأشار إلى أن المخاوف من الحرب تنعكس سريعاً على الأسواق المالية قبل أن تظهر تأثيراتها الفعلية في الأرض.
ورغم ذلك، لفت جنينة إلى أن مصر باتت أكثر تحصيناً أمام الصدمات الخارجية مقارنة بالسنوات الماضية، نتيجة التزامها بخطة إصلاح اقتصادي متكاملة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي؛ ما يمنح الثقة للمستثمرين بأن هناك إطاراً واضحاً لإدارة السياسة النقدية وسعر الصرف.
أضاف جنينة أن الدولة المصرية لم تعد تعتمد بشكل أساس على الأموال الساخنة كمصدر للدولار، بل على مصادر أكثر استقراراً مثل: الصادرات، والسياحة، وتحويلات العاملين بالخارج؛ ما يساعد على تحقيق توازن في سوق الصرف حتى في ظل الأزمات.
وتظهر بيانات البنك المركزي المصري، ارتفاع الإيرادات السياحية في العام الماضي إلى 15.3 مليار دولار، مقارنةً بـ14.1 مليار دولار في 2023.
وشدد جنينة على أهمية متابعة سعر الصرف الضمني، أي الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في شهادات الإيداع الدولية المتداولة بالخارج، باعتباره مؤشراً دقيقاً على توقعات السوق، مؤكداً أن بقاء هذا الفارق محدوداً يعني أن المستثمرين لا يتوقعون تغييرات حادة في سعر الجنيه.
مع بداية التصعيد بين إيران وإسرائيل، كانت التحركات الحكومية سريعة لمواجهة التحديات الاقتصادية الناتجة عن التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، حيث شكّل رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لجنة أزمات عليا لمتابعة الموقف الجيوسياسي بالشرق الأوسط، وتأثيراته في الأسواق والقطاعات الاقتصادية الحيوية.
وتتولى اللجنة، التي تضم العديد من وزارات المجموعة الاقتصادية والسيادية، تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع، وضمان استقرار الأسواق والأنشطة الاقتصادية، وبحث سيناريوهات بديلة في حال تفاقمت الأزمة.