مراجعة جديدة من صندوق النقد الدولي تعد الخامسة لمدى التزام مصر بتنفيذ السياسات الاقتصادية؛ بحثا عن صرف شريحة قرض بقيمة 1.3 مليار من برنامج حجمه 8 مليارات دولار، وسط مخاوف بالشارع بشأن إمكانية أن يصاحبها إجراءات حكومية تقشفية جديدة.
خبراء في الاقتصاد المصري، يرجحون في أحاديث لـ«إرم بزنس» أن تنجح مصر في اجتياز المراجعة الخامسة كما سبقها من مراجعات، وسط تباين بشأن إمكانية أن يشمل ذلك إجراءات مثل خفض جديد تدريجي في الدعم أو مرونة أكثر في سعر صرف الجنيه.
وتتم المراجعة، في إطار برنامج موقع بين مصر والصندوق في 2022، بقيمة 3 مليارات دولار وارتفع في مارس 2024 إلى 8 مليارات. ومطلع أبريل الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على صرف الشريحة الرابعة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار.
وبصرف الشريحة الرابعة؛ وصل إجمالي ما حصلت عليه مصر بموجب هذا البرنامج على مدى أربع مراجعات إلى حوالي 3.2 مليارات دولار، وذلك من أصل 8 شرائح وفقًا لخطة الصرف، والتي تتم بناءً على مراجعات دورية حتى نهاية البرنامج في سبتمبر 2026.
وبعد أقل من أسبوعين من صرف الشريحة الرابعة، أعلنت مصر في 11 أبريل الماضي، رفع أسعار الوقود للمرة الرابعة خلال عام مع تعهد حكومي بتقليص الدعم تدريجيا، وارتفع سعر الديزل الأكثر استخداما في النقل والصناعة إلى 15.5 جنيه للتر (0.30 دولار) من 13.50 جنيه أي بزيادة نسبتها 14.8%.
كما تسارع معدل التضخم في مدن مصر تسارع خلال مارس الماضي ليبلغ 13.6% على أساس سنوي مقابل 12.8% في فبراير، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو أول تسارع لأرقام التضخم خلال آخر 6 أشهر، كما سبقت ذلك زيادة سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300% في مايو 2024، وهي أول زيادة من نوعها منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وبدأت بعثة صندوق النقد الدولي، في 11 مايو الجاري، اجتماعاتها بالقاهرة في إطار بحث المراجعة الخامسة، واستعرض وزير الاستثمار حسن الخطيب مع وفد البعثة برئاسة إيفانا فلادكوفا هولار، بحضور وزير المالية أحمد كوجك، «الخطوات الجادة التي تبنَّتها الحكومة في مجال الإصلاح غير الضريبي»، وفق بيان للوزارة.
وفي 14 مايو الجاري، عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط المصرية اجتماعا مع هولار ضمن اجتماع بعثة الصندوق، وفق الوزارة.
وعقب لقاء نايجل كلارك، نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، حضره محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، تطلع رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، الأحد، 18 مايو الجاري إلى استكمال هذه المراجعة بنجاح، وفق بيان للحكومة المصرية.
وخلال اللقاء استعرض مدبولي، «ما تحقق في برنامج الطروحات الحكومية»، موضحا أنه على «مدار السنوات الثلاث أو الأربع الماضية نجحت الحكومة في تنفيذ ٢١ صفقة ضمن برنامج الطروحات الحكومية مقابل 6 مليارات دولار».
وتدخل مصر المرحلة الخامسة من مراجعات صندوق النقد الدولي، في وقت تتجه فيه الحكومة إلى تسريع وتيرة التخارج من النشاط الاقتصادي، وتوسيع القاعدة الضريبية، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، وهي ملفات تمثل حجر الأساس في برنامج الإصلاح الهيكلي الجاري تنفيذه، ومن الإجراءات العامة العمل على تخارج الدولة وتعزيز دور القطاع الخاص، وفق تقديرات أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور علي الإدريسي في حديث لـ«إرم بزنس».
وبحسب وثيقة سياسة ملكية الدولة، تستهدف الحكومة تقليص وجودها في نحو 79 قطاعًا فرعيًا، وطرحت بالفعل أصولًا عبر الصندوق السيادي المصري بقيمة تفوق 2.5 مليار دولار خلال عام 2024 فقط، وتخطط لرفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات الكلية إلى 65% بحلول 2025، وفق الإدريسي.
وأوضح أن الحكومة تسعى إلى رفع الحصيلة الضريبية إلى ما يعادل 16.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2026، مقابل نحو 13.7% حاليًا، من خلال تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية وربطها بأكثر من 270 ألف شركة حتى الآن، مشيرا إلى تقديرات بأن حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر يبلغ نحو 40% من الناتج المحلي، ما يمثل فرصة ضريبية هائلة.
ورغم نجاح مصر في اجتياز 4 مراجعات سابقة، قد تتضمن المرحلة المقبلة إجراءات إصلاحية إضافية بحسب توقع عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور علي الإدريسي تشمل رفعا تدريجيا لدعم الكهرباء والوقود، تمهيدًا لإلغائه بالكامل بنهاية عام 2025، وفق تصريحات رسمية.
كما تشمل بحسب الإدريسي، «تطبيق مرونة أكبر في سعر الصرف، مع الالتزام بسعر يعكس آليات السوق بالكامل، بعد أن تجاوز سعر الصرف الرسمي حاجز 48 جنيهًا للدولار عقب التعويم الأخير».
وسجلت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي ارتفاعًا إلى 46.737 مليار دولار في أبريل 2025، كما تلقت مصر تدفقات نقدية استثمارية تتجاوز 10 مليارات دولار منذ بداية العام، مدفوعة بصفقة “رأس الحكمة” مع الإماراتية وشراكات خليجية جديدة، وفق الإدريسي.
ويتوقع أنه «رغم دقة المرحلة، إلا أن تحسن المؤشرات الاقتصادية وزيادة الثقة الدولية، يرفعان احتمالات عبور مصر للمراجعة الخامسة بنجاح»، مشيرا إلى أن «التحدي الأساسي يبقى في تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية لتجنب أي تبعات شعبية أو تضخمية».
بدوره، يرى وائل النحاس، خبير أسواق المال والحاصل على دكتوراه في التنمية الاقتصادية والاستثمار والتمويل، لـ«إرم بزنس»، أن برنامج الصندوق واضح ويشمل إجراءات خفض للدعم مع ضغط الإنفاق الحكومي لتقليل العجز في الموازنة، والوفاء بالالتزامات على الحكومة، مع تزويد شبكات الضمان الاجتماعي.
وأوضح النحاس أنه منذ بداية البرنامج حتى نهايته في 2026 يجب أن تلتزم الحكومة بكافة المعايير والمتطلبات السابقة بخلاف ألا تقترض مجددا وتعمل على جلب تدفقات أجنبية جديدة كاسثتمارات أو التخارج من الأصول، مؤكدا أن التقشف فقط يمس المواطن، ويجب أن تتقشف الحكومة أكثر خاصة والمحتمل الفترة المقبلة ارتفاعا في الأسعار.
بالمقابل، يرى عضو جمعية الاقتصاد والتشريع المصرية، الدكتور محمد أنيس، في تصريحات متلفزة، أن المراجعة الخامسة لصندوق النقد الدولي لا تتضمن أي مطالب تتعلق بـرفع أسعار المحروقات أو الكهرباء أو تحرير سعر الصرف، موضحًا أن كل هذه الأمور غير موجودة بالمراجعة الحالية.
ويؤكد أن «هذا شيء جيد ولكنه يُشكل معضلة في الوقت نفسه أمام الحكومة، حيث إن هناك الكثير من الأمور المطلوبة منها في تلك المرحلة وأهمها المضي قدمًا في الإصلاحات الهيكلية، والتخارج الحكومي التدريجي من النشاط الاقتصادي وإصلاح التكلفة الهيكلية وتوسيع القاعدة الضريبية ودمج الاقتصاد غير الرسمي».